السبت, 23 أغسطس 2025 11:14 PM

لبنان إلى المجهول: تصاعد التوتر بعد رفض حزب الله تسليم سلاحه

لبنان إلى المجهول: تصاعد التوتر بعد رفض حزب الله تسليم سلاحه

تُنشر هذه المادة في إطار شراكة بين عنب بلدي وDW

لطالما كان نزع سلاح حزب الله اللبناني مطلباً للعديد من قرارات الأمم المتحدة، وبرز بشكل واضح في الاتفاق الذي تم إبرامه في نوفمبر الماضي بين إسرائيل ولبنان بوساطة أمريكية فرنسية لإنهاء الصراع العسكري. وفي مطلع هذا الشهر، أقرت الحكومة اللبنانية خطة لفرض "حصر السلاح" على الدولة بحلول نهاية العام. ومع ذلك، يرفض حزب الله، الذي تصنفه دول غربية كمنظمة إرهابية، التخلي عن سلاحه.

أكد نعيم قاسم، زعيم الحزب، الأسبوع الماضي، موقف الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران بلهجة حادة، قائلاً إن نزع السلاح يخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل بالدرجة الأولى ويعرض البلاد لـ "أزمة خطيرة". وأضاف أنه إذا سعت الحكومة إلى المواجهة مع حزب الله، "فلن تكون هناك حياة في لبنان". بل وحذر قاسم من "حرب أهلية"، مما دفع رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام إلى اعتبار تهديدات نعيم قاسم "إعلان حرب"، مؤكداً على منصة X وفي مقابلة صحفية باللغة العربية أن "أيّ تهديد أو ترهيب فيما يتعلق بمثل هذه الحرب هو أمر غير مقبول على الإطلاق".

شهد لبنان بين عامي 1975 و1990 حرباً أهلية دامية أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، ولا تزال ذكرياتها مؤلمة وصادمة للكثيرين.

تعزيز النفوذ السياسي؟

ترى ميرين عباس، مديرة مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت في بيروت، أن رد فعل حزب الله كان متوقعاً، موضحة أن "لا أحد يعرف عدد الأسلحة التي لا تزال بحوزة الميليشيا"، وهي "الورقة الرابحة الوحيدة التي يمكن أن يلعبها" الحزب لضمان بقائه على الساحة السياسية ولـ "تعزيز نفوذه السياسي"، بعدما فقد الكثير من قوته ونفوذه جراء الصراع العسكري مع إسرائيل العام الماضي. فلم تقتصر الهجمات الإسرائيلية على تدمير ترسانته العسكرية فحسب، بل طالت أيضاً قياداته وعلى رأسهم حسن نصر الله، زعيم حزب الله الذي قُتل في غارة إسرائيلية في سبتمبر 2024. كما أن حزب الله فقد نفوذه في سوريا بعد سقوط نظام الأسد الذي كان حليفه الأول له في المنطقة. وحتى إيران التي كانت لعدة عقود الراعي الرئيسي لحزب الله لم تعد قادرة على دعمه بالقدر نفسه بسبب قطع الطريق البري عبر سوريا.

إشراك إيران؟

يرى المحلل السياسي اللبناني روني شطاح أن نزع سلاح حزب الله ليس مستحيلاً، لكنه صعب التحقيق. ويستدل على أمثلة ناجحة في بلدان أخرى، مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي والقوات المسلحة الثورية الكولومبية ومنظمة إيتا الإسبانية. ويضيف شطاح أن حالة حزب الله تستلزم إجراء محادثات دولية بمشاركة إيران، داعمه الرئيسي، كشرط أساسي، قائلاً: "يمكن القول إن إيران تولت قيادة حزب الله. ولهذا السبب قام علي لاريجاني، المسؤول الإيراني الرسمي عن الأمن بزيارة لبنان مؤخراً". ويشدد الخبير على أن نزع سلاح الحزب يمكن تحقيقه "من خلال التزام الولايات المتحدة أو فتح قنوات اتصال أخرى".

الموقف من إسرائيل

تؤكد ميرين عباس في مقابلة مع DW أن غالبية اللبنانيين تؤيد نزع سلاح حزب الله، لكنها تشير إلى أن "سلامة أراضي لبنان لا تزال مهددة من وجهة نظر معظم المواطنين، خاصة من إسرائيل التي ينتهك جيشها سيادة البلاد بشكل متكرر". فمنذ وقف إطلاق النار في نوفمبر انتهكت إسرائيل الاتفاقية مراراً، كما حدثت العديد من عمليات القتل المستهدف. وهي "لا تزال متواجدة في خمسة مواقع على الأراضي اللبنانية، وهذا بالطبع يمنح حزب الله شرعية كبيرة"، حسبما تقول الخبيرة في مؤسسة فريدريش إيبرت. في المقابل، تتهم إسرائيل حزب الله بعدم الالتزام بالاتفاقات ومواصلة التخطيط لشن هجمات.

آراء الشارع

تتباين آراء اللبنانيين حول مسألة نزع سلاح حزب الله. تعارض إحدى النساء، التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، نزع السلاح، مشيرة إلى أن الجيش اللبناني يتلقى هو الآخر دعماً عسكرياً من الخارج، لكن الدعم الذي يتلقاه الجيش الإسرائيلي أكبر بكثير. "لهذا السبب أنا ضد نزع سلاح حزب الله، فالجيش اللبناني النظامي يفتقر ببساطة إلى الموارد اللازمة للدفاع عن البلاد".

يرى آخر أن هناك أولويات أخرى يجب أن تهم بلده في الوقت الحالي: "الدولة مفلسة، لذا يجب أن يكون نزع السلاح في نهاية عملية إعادة الإعمار وليس في بدايتها". ويشير لبناني آخر إلى الوضع في جنوب البلاد، قائلاً إن الأهالي هناك يتعرضون لضغوط إسرائيلية منذ عقود، "لذلك يشعرون بأمان أكبر إذا ما احتفظ حزب الله بأسلحته". لكنه يؤيد نزع سلاح الحزب، معتبراً أنه "عندها لن يكون لإسرائيل ذريعة لشن حرب جديدة". وكانت إسرائيل قد بررت العمل العسكري ضد حزب الله في خريف 2023 بقصف صاروخي من لبنان على مناطق سكنية إسرائيلية، كان الحزب قد نفذه بعد وقت قصير من هجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي شنته حماس على أسرائيل.

“تقوية أجهزة الدولة”

يؤكد الخبير في الشؤون اللبنانية ميرين عباس على أهمية "تقوية أجهزة الدولة" اللبنانية على جميع المستويات، مشيراً إلى أن "استراتيجية سيادة موثوقة يجب أن تبدأ من أضعف نقاط لبنان: الشرعية والكفاءة. وهذا يشمل إصلاح النظام السياسي نحو نظام علماني واستعادة السيادة المالية وتقليل الاعتماد على التمويل الأجنبي واستعادة دور الدولة كمزود رئيسي للخدمات الأساسية". لكن عباس يشير إلى أن هذا أمر صعب، لا سيما فيما يتعلق بالجيش الذي ينظر إليه بأنه "أضعف من حزب الله". ويرى الخبير "حاجة ملحة" إلى بقاء قوات بعثة الأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) في جنوب لبنان، في إشارة إلى المناقشات الجارية حول تمديد وجودها، موضحاً أن "الجيش اللبناني لا يستطيع وحده القيام بالمهام المطلوبة هناك، سيكون ذلك فوق طاقته".

ويختتم الخبير اللبناني روني شطاح بأن لبنان يعاني من مشكلة أساسية وهي الانقسام الطائفي الحاد المقترن بتفكير طائفي، مؤكداً أن "هذا سيستمر في المستقبل وسيواصل إضعاف البلاد". ومع ذلك، يجب على حزب الله أن يتطور ليصبح "حزباً سياسياً بحتاً"، وإلا سيكون هناك خطر حدوث هجمات إسرائيلية أخرى، بالإضافة إلى خطر حدوث انقسام إضافي في المجتمع "بشكل لم نشهده من قبل".

مشاركة المقال: