الخميس, 21 أغسطس 2025 01:10 AM

سياسة "حبس السيولة" تشتد: قيود على صرفيات الجهات العامة وتحويل ودائعها إلى المصرف المركزي

سياسة "حبس السيولة" تشتد: قيود على صرفيات الجهات العامة وتحويل ودائعها إلى المصرف المركزي

يشهد القطاع المصرفي في سوريا سلسلة من الإجراءات المتلاحقة التي تعكس توجه مصرف سورية المركزي نحو تعزيز سيطرته على السيولة وإدارتها المباشرة. فوفقًا لمعلومات "الوطن"، قام المركزي بتحويل ودائع القطاع العام من المصرف التجاري السوري إلى حساباته الخاصة، كما ألزم المصارف بالحصول على موافقات مسبقة لصرف الشيكات التابعة للجهات الحكومية، بما في ذلك شيكات لجان المشتريات.

تثير هذه السياسة، المعروفة بـ "حبس السيولة"، تساؤلات مهمة حول تأثيراتها على حركة الأموال في السوق، وقدرة المؤسسات العامة والخاصة على الوفاء بالتزاماتها، بالإضافة إلى تأثيرها المباشر على الاقتصاد الكلي وثقة المتعاملين بالجهاز المصرفي.

الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أوضح في حديثه لـ"الوطن" أن المصرف المركزي هو مؤسسة مالية وطنية تعتبر الجهة العليا المسؤولة عن إدارة السياسة النقدية وتنظيم القطاع المصرفي في الدولة. وأشار إلى أن المصرف لا يسعى لتحقيق الربح، بل يهدف إلى ضمان الاستقرار النقدي والمالي، ودعم النمو الاقتصادي، والحفاظ على قيمة العملة الوطنية.

واستعرض قوشجي الوظائف الأساسية للمصرف المركزي، والتي تشمل إصدار العملة الوطنية، ورسم وتنفيذ السياسة النقدية، وإدارة الاحتياطيات النقدية، والإشراف على النظام المصرفي، وتحقيق الاستقرار المالي من خلال التدخل في حالات الأزمات الاقتصادية أو المصرفية لضمان استمرارية النظام المالي، بالإضافة إلى عمله كـ "مُقرض الملاذ الأخير" للبنوك المتعثرة، ودعم التنمية الاقتصادية من خلال التحكم في السيولة وأسعار الفائدة، مما يسهم في تحفيز الاستثمار وخلق فرص العمل وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

وحول تأثير تحويل إيداعات القطاع الحكومي إلى المصرف المركزي على السيولة، أوضح أستاذ الاقتصاد أن هذا الإجراء يعتبر ذا تأثير مباشر على مستويات السيولة في المصارف الحكومية. فعند سحب هذه الإيداعات، ينخفض حجم السيولة المتاحة لدى المصارف، مما يحد من قدرتها على تلبية الطلبات اليومية للعملاء وتمويل الأنشطة الاقتصادية. وقد يخلق هذا الانكماش النقدي داخل الجهاز المصرفي حالة من التوتر المالي، خاصة إذا لم تُتخذ إجراءات تعويضية مناسبة.

وفيما يتعلق بانعكاسات القرار على التسهيلات الائتمانية والقروض، أشار إلى أن انخفاض السيولة الناتج عن هذا القرار يؤثر سلبًا على قدرة المصارف على منح التسهيلات الائتمانية. فتصبح المصارف أكثر تحفظًا في منح القروض، وتلجأ إلى تشديد شروط الإقراض أو رفع أسعار الفائدة لتقليل المخاطر وتعويض نقص السيولة. وهذا بدوره يضعف دور المصارف في دعم القطاعات الإنتاجية ويؤثر في النمو الاقتصادي المحلي.

وعن التدابير المتاحة في المصرف المركزي لتعويض نقص السيولة، يرى قوشجي أنه لتعويض النقص الناتج عن تحويل الإيداعات، يلجأ المصرف المركزي عادة إلى مجموعة من التدابير، مثل إعادة ضخ السيولة عبر آليات إعادة التمويل، أو خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للمصارف، أو تنفيذ عمليات السوق المفتوحة لشراء الأوراق المالية من المصارف بهدف تعزيز السيولة. كما يمكن أن يُقدّم حوافز لجذب الإيداعات الخاصة، مثل رفع أسعار الفائدة على الودائع أو تقديم منتجات مصرفية جديدة.

وحول تأثير القرار في ثقة المستثمرين والعملاء، قال قوشجي: قد يُفسّر هذا القرار من قبل المستثمرين والعملاء على أنه مؤشر إلى ضعف مرونة النظام المصرفي أو وجود ضغوط مالية على الحكومة. وقد يؤدي ذلك إلى تراجع ثقة المستثمرين المحليين في المصارف، وتوجههم نحو تقليل استخدام الخدمات المصرفية أو سحب ودائعهم. أما المستثمرون الأجانب، فقد يرون في هذا الإجراء نوعاً من المركزية المفرطة في إدارة السيولة، مما يثير مخاوف بشأن استقلالية القطاع المصرفي.

وفيما يتعلق بإمكانية استخدام هذه الإيداعات الحكومية وتحويلها إلى حسابات الرواتب عبر "شام كاش"، قال قوشجي: يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها إيجابية من حيث الرقمنة والشفافية، لكنها تثير تساؤلات حول جهوزية البنية التحتية التقنية. فإذا لم تكن المنصة مؤهلة بشكل كافٍ، فقد تحدث تأخيرات أو أخطاء في التحويلات، مما ينعكس سلبًا على ثقة الموظفين والجهات العامة. كما أن هذا التحول قد يُنظر إليه كنوع من التحكّم المركزي المفرط في تدفقات الرواتب، مما يضعف استقلالية الجهات العامة في إدارة مواردها.

ويرى الأستاذ الجامعي أن مثل هذه الإجراءات قد تؤثر في سمعة المصرف المركزي، وخاصة إذا لم تُرفق بخطة واضحة لتعزيز السيولة وضمان استقرار النظام المصرفي. وقد تُفسّر المؤسسات الدولية هذه الخطوة كعلامة على تَشدّد نقدي أو ضعف في السيولة العامة، مما يؤثر في تصنيف النظام المصرفي ويضعف ثقة المانحين والمستثمرين الدوليين.

وبالنسبة إلى تأثير تأخُّر المصارف العامة في صرف شيكات الجهات العامة، قال قوشجي: إن تأخّر المصارف العامة في صرف احتياجات الجهات العامة، بما في ذلك شيكات لجان المشتريات، يؤدي إلى تعطيل تنفيذ المشاريع الحكومية وتأخير دفع مستحقات الموردين. وهذا التأخير يخلق شللاً إدارياً ومالياً، ويؤثر في كفاءة الإنفاق العام، كما أنه يفتح المجال لفوات فرص وقف الصرف أو استرداد الأموال في حال وجود أخطاء أو تجاوزات، وتعزيز السيطرة على السيولة وتقليص دور المصارف.

محمد راكان مصطفى

مشاركة المقال: