عنب بلدي – كريستينا الشماس
واجه السوريون أسبوعًا استثنائيًا مع موجة حر لاهبة اجتاحت معظم المحافظات، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 47 درجة مئوية، وهي مستويات قياسية غير معتادة، خاصة بالنسبة لسكان دمشق الذين عانوا من الحرارة الشديدة بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء، مما جعل الاعتماد على أجهزة التبريد أمرًا صعبًا.
خلال الفترة الأخيرة، كان من المألوف رؤية العائلات تتجمع أمام محلات بيع المثلجات في مناطق دمشق، بالإضافة إلى التوجه نحو المناطق الخضراء المفتوحة والريف المجاور.
"مشوار المثلجات" للهروب من الحر
قال أحمد المصري، المقيم في منطقة الدويلعة بدمشق وأب لثلاثة أطفال، بابتسامة ساخرة، إن محلات "المثلجات" أصبحت الملاذ الوحيد له ولعائلته للتخفيف من حرارة الجو. وأضاف أن الذهاب لتناول "المثلجات" هو محاولة للهروب من منزله الذي أصبح خانقًا بسبب انقطاع الكهرباء الذي لا يتجاوز ساعتين مقابل ست ساعات من الانقطاع.
ويرى خلدون الفارس، صاحب "سوبر ماركت" في منطقة باب شرقي، أن الأهالي يقبلون على شراء "المثلجات" وألواح الثلج والعصائر بكثرة كحل وحيد لمواجهة موجة الحر. وأوضح أن أصحاب الدخل المحدود لا يملكون حلولًا أخرى لأنها قد تكون مكلفة وتتجاوز قدرتهم المادية.
لجأت "أم محمد الشامي"، المقيمة في حي القيمرية وجدة لثلاثة أحفاد، إلى تحضير العصائر الطبيعية في المنزل، معتبرة أن ذلك أوفر من شراء "المثلجات" يوميًا، إلا أنها تعترف بأن هذا الحل لم يكن كافيًا لمنزلها الذي يتعرض للشمس من جميع الجهات حتى الساعة الخامسة بعد الظهر. وأضافت أن الكهرباء سيئة للغاية، حيث لا تتجاوز ساعة ونصف مقابل أكثر من خمس ساعات من الانقطاع، وأنها لا تملك سوى مروحة تعمل على البطارية، ولكنها تنفد بعد ساعتين من انقطاع الكهرباء.
استخدام الأقمشة المبللة بالماء
يروي جورج سلمان، المقيم في حي باب شرقي، معاناته مع موجة الحر وانقطاع الكهرباء التي لا تصل إلى حيه إلا أربع ساعات في اليوم. ويقول إن التحدي لا يقتصر على الطقس فقط، بل يشمل النوم دون وسائل تبريد، لذلك لجأ إلى تبليل ملابسه وفراش نومه بالماء.
أما لامار الديب، الموظفة في أحد البنوك الخاصة، فذكرت أنها تقضي معظم الليل تتنقل بين الغرف بحثًا عن نسمة هواء، حيث لا تستطيع النوم إلا لساعات قليلة قبل أن يوقظها حر الصباح. واستخدمت والدة لامار قطعًا من القماش المبللة بالماء ووضعتها على النوافذ لخفض درجة حرارة الغرف، إلا أن هذه الحيلة لم تنجح في مواجهة الحر الشديد، بحسب قول لامار.
رغم التحذيرات.. لا خيار سوى العمل
على الرغم من تحذيرات المديرية العامة للأرصاد الجوية من التعرض لأشعة الشمس خلال فترات الذروة، إلا أن السعي وراء الرزق كان أقوى عند بعض الأهالي من حرارة الجو. تحدى عمار لطفي، الشاب الذي يعمل في توصيل الطلبات للمنازل، حرارة النهار التي تجاوزت 40 درجة مئوية، قائلًا: "من الساعة 12 حتى 4 ظهرًا الشوارع نار، وكل مشوار كأنه جولة في فرن". يحاول عمار شرب أكبر كمية ممكنة من الماء، لكن التعب يسيطر عليه في نهاية اليوم، خاصة مع صعوبة النوم ليلًا بسبب استمرار انقطاع الكهرباء.
ويضطر ناصر محمد، بائع البسكويت الخمسيني الذي يملك "بسطة" صغيرة في حي الطبالة بدمشق، لتغطية بضاعته بقطع قماش مبللة بالماء في محاولة لحماية البسكويت من التلف السريع والذوبان تحت الشمس الحارقة. يروي ناصر أن تأمين لقمة العيش أصعب بالنسبة له من تحمل حرارة الشمس، فعائلته المكونة من أربعة أشخاص لديها احتياجات يجب أن يؤمنها مهما كانت الظروف قاسية عليه.
"الأمبيرات لم تصمد" والكهرباء على حالها
لم يشعر سكان دمشق بزيادة في ساعات التغذية الكهربائية، على الرغم من بدء توريد الغاز الأذربيجاني إلى سوريا عبر تركيا منذ 2 آب الحالي. وعلى الرغم من الوعود بتحسن ساعات التغذية من 8 إلى 10 ساعات يوميًا، إلا أنها لم تتجاوز 5 ساعات في أحسن الأحوال.
يرى العديد من السكان أن العامل المشترك بين معاناتهم في فصلي الصيف والشتاء هو انقطاع الكهرباء. وعلى الرغم من تركيب البعض لألواح الطاقة الشمسية والاشتراك في "الأمبيرات"، إلا أنها لم تصمد أمام موجة الحر. "بالشتا منبرد وبالصيف منحترق، والمشكلة نفسها، غياب الكهرباء"، هكذا عبر رائد النداف، الذي يعيش في منطقة الدويلعة، عن استيائه من وضع الكهرباء. وعلى الرغم من تركيب رائد لألواح الطاقة الشمسية، إلا أنها لا تعمل أكثر من ساعتين في حال قام بتشغيل المكيف.
وظن شادي فريح، المشترك في خط "أمبيرات"، أنه سيكون بعيدًا عن أزمة انقطاع الكهرباء، لكن حتى هذه الخدمة الخاصة والمكلفة لم تصمد أمام ضغط التشغيل. أوضح شادي أن انقطاع "الأمبيرات" وصل إلى أكثر من 6 ساعات متواصلة، وعند تواصله مع الشركة لمعرفة الأسباب، تبين أن المولدات تعطلت لأنها لم تتحمل ضغط التشغيل، وبعد إصلاح العطل أصبحت تأتي كل نصف ساعة مقابل ربع ساعة قطع. واختتم شادي قائلًا: "لم أستفد من اشتراكي في (الأمبيرات) التي أصبحت تنقطع ليلًا نهارًا كحال الكهرباء، وفي حال الوصل لا تكفي المروحة وحدها لتلطيف حرارة الجو".