الخميس, 14 أغسطس 2025 07:49 PM

تصعيد وتوتر في شمال شرق سوريا: هل تتجه الأمور نحو معركة بين الحكومة و"قسد"؟

تصعيد وتوتر في شمال شرق سوريا: هل تتجه الأمور نحو معركة بين الحكومة و"قسد"؟

في ظل تبادل الاتهامات بخرق اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) خلال الأسبوع الماضي، ومعلومات عن تعثر المفاوضات بين الجانبين، يزداد التوتر في شمال شرق سوريا.

في 12 آب، ذكرت دائرة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية أن دوريات عسكرية تابعة لـ"قسد" تسللت فجرًا نحو نقاط انتشار الجيش السوري في منطقة تل ماعز شرق حلب، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل جندي من الجيش السوري. في المقابل، اتهمت "قسد" القوات الحكومية بمحاولة استفزاز عناصرها في 11 آب، مشيرة إلى تحركات "مشبوهة" في عدة مناطق، خاصة بلدة دير حافر والقرى التابعة لها. وأكدت "قسد" في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي أن قوات الحكومة مستمرة بخرق وقف إطلاق النار، وأنها تلتزم "الصبر"، مهددة بالرد على الاستفزازات من منطلق "الدفاع المشروع".

مفاوضات متعثرة

اجتمع وفد من "الإدارة الذاتية" مع الحكومة السورية في 13 آب، بعد إلغاء الحكومة مشاركتها في مفاوضات باريس ردًا على مؤتمر "وحدة المكونات" الذي أقامته "الإدارة الذاتية" و"قسد" في الحسكة. وبحسب مصادر مطلعة في دمشق لصحيفة "الشرق الأوسط"، فإن الاجتماعات لم تنتهِ، ومن المحتمل أن تستمر زيارة الوفد حتى الخميس 14 آب. وقال مصدر مطلع من وزارة الخارجية السورية لعنب بلدي إن "قسد" طلبت من الحكومة السورية العودة لمفاوضات باريس وتهدئة العشائر بعد انتشار بيانات لشيوخ عشائر البوشعبان والناصر والبوجابر تعلن النفير العام ضد "قسد". إلا أن الحكومة السورية رفضت مطالب "قسد"، وأكدت أنه على "قسد" تسليم محافظتي الرقة ودير الزور قبل بدء التفاوض مع الحكومة، بحسب المصدر.

وفي السياق نفسه، قال مسؤول العلاقات العامة في "مجلس سوريا الديمقراطية"، حسن محمد علي، اليوم الخميس 14 آب، إن وفد شمال شرقي سوريا المفاوض مع دمشق "مُهيّأ لكافة الحلول التي تتناسب مع مصالح الشعب السوري"، وإنه "يجب أن تلعب دمشق دورًا يؤدي إلى الانفراج فالكرة في ملعبها"، بحسب حديثه إلى موقع "نورث برس". وأضاف علي أنه إذا تعاملت دمشق بعقلية مركزية صرفة، سيتعرقل مسار المفاوضات بين الطرفين. ويرى المحلل السياسي حسن النيفي أن المشهد يزداد سخونة فيما يخص العلاقة بين "قسد" والحكومة المركزية، وخاصة بعد اللقاء الذي انعقد في الحسكة ودعت "قسد" إليه كلاً من الهجري وغزال غزال، فيما اعتبرته الحكومة رسالة سلبية من جانب "قسد". وما هو مؤكّد، بحسب حديث النيفي إلى عنب بلدي، أن الأمور تمضي باتجاه التصعيد، ولكن هذا لا يعني أن الحرب باتت هي الخيار الوحيد، فعادة ما تكون الحشودات العسكرية هي أدوات ضغط سياسية في عمليات التفاوض، إضافةً إلى أن كلا الطرفين لا يمكنه المبادرة بالحرب في ظل تفاهمات وتدخلات دولية في المسألة السورية (أمريكا، أوروبا). ويعتقد النيفي أن أمامنا بعض الوقت يمكن من خلاله حدوث مستجدات تحول دون الدخول في حرب.

حشود عسكرية وتخريج مقاتلين

أفاد مراسل عنب بلدي في دير الزور بأن مناطق سيطرة "قسد" تشهد استنفارًا عسكريًا كاملًا. وبالمقابل، أرسلت وزارة الدفاع السورية تعزيزات عسكرية إلى سد تشرين ودير حافر في ريف حلب الشرقي. كما وصلت تعزيزات عسكرية إضافية من الفرقتين "60" و"76" التابعتين للوزارة إلى منطقة زلمة في ريف الرقة الجنوبي، بحسب ما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن وكالة الأنباء الألمانية (DPA).

وفي 13 آب، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إنه على "قسد" أن تتوقف عن المماطلة في عملية الاندماج بالجيش السوري وأن تلتزم باتفاق التكامل مع الحكومة السورية، بحسب "رويترز". وبالرغم من استمرار الحديث عن دمج مقاتلي "قوات سوريا الديمقراطية" مع الجيش السوري، تواصل "قسد" تنظيم دورات تدريبية جديدة لمقاتليها في مناطق شمال وشرق سوريا، فقد خرّجت أكاديمياتها العسكرية، على مدار الأسابيع الماضية، عدة دورات حملت أسماء قتلى سابقين فيها، شملت المقاتلين والمقاتلات على حد سواء، وتراوح عدد المشاركين بين 30 و60 شخصًا لكل دورة. وبالتوازي، افتتحت قيادة الأكاديميات العسكرية للتدريب المركزي في منطقة الفرات دورتين للأسلحة المتوسطة في الرقة، ضمتا 60 مقاتلًا من مختلف الوحدات، واستمرت لمدة ثلاثة أشهر، شملت برامج فكرية وسياسية، وتدريبات على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وتكتيكات إدارة المعارك وخطط الانتشار.

يرى الباحث العسكري في مركز حرمون للدراسات، نوار شعبان، أن مسار التفاوض القائم بين الحكومة السورية و"قسد" لا يعني أنّ الاستفزازات والمناوشات قد تتوقف، فالجبهة في شمال شرقي سوريا وإشكالياتها امتدت على سنوات، وهنا تكمن الحاجة إلى جهد إضافي يتمثل في أنه، وبخط موازٍ لمسار المفاوضات، يجب أن يكون هناك خط آخر يعزز التهدئة على مختلف الجبهات، لأنها تبقى جبهات جاهزة للاشتعال في أي حالة استفزازية من أي طرف. وبالتالي، وفق حديث شعبان إلى عنب بلدي، لا يمكن الربط بين تأجيل المفاوضات أو التصريحات الصادرة عن المسؤولين سواء من "قسد" أو من الحكومة السورية، وبين التصعيد على الأرض، فالتصعيد على الأرض كان قائمًا حتى بعد اجتماع العاشر من آذار، وهو ليس مسارًا منفصلًا تمامًا، لكنه إشكالية أخرى تحتاج إلى جهود أعمق. لكن ذلك لا يعني أنّ بعض هذه الإشكاليات قد لا تُستَخدم للضغط في موضوع المفاوضات، إلا أنّ ما حدث في الشيخ مقصود، وقبله في دير حافر، هي حوادث منفصلة عن خط المفاوضات، لأنّها، خطوط اشتباك أو تماس محتقنة، وأي استفزاز من أي طرف قد يؤدي إلى صراع عسكري أو اشتباكات أو تصعيد، بحسب شعبان.

تهديد بالتصعيد وإنذار باقتراب المعركة

لوحت دمشق وأنقرة بالتصعيد في ملف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في شمال شرقي سوريا، بعد تعثر المفاوضات الأخيرة بين دمشق مع "قسد". واتهم فيدان "قسد" بمواصلة تجنيد مقاتلين من خارج سوريا، والمحافظة على جاهزيتها العسكرية رغم المفاوضات، وفي لقاء جمع بين وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ونظيره التركي، هاكان فيدان، في أنقرة، الأربعاء 13 آب. فيدان قال إن مقاتلي حزب العمال الكردستاني القادمين من تركيا والعراق وإيران وأوروبا لم يغادروا سوريا، وأنه لا يوجد أي تطورات إيجابية بعد اتفاق "10 من آذار" ولا بعد العملية الجارية في تركيا (السلام مع حزب العمال)، تشير إلى أن المنظمة قد أزالت خطر العمل المسلح. وحذر الوزير من أن غياب تلبية المطالب الأمنية لتركيا في سوريا يجعل "الحفاظ على الهدوء أمرًا مستحيلًا".

المحلل السياسي أيمن الدسوقي، قال لعنب بلدي، إن احتمالية اندلاع عملية عسكرية شمال شرق سوريا تبقى قائمة في ظل الحشود الميدانية واستعصاء التفاوض السياسي، إلا أن المعركة ما تزال خيارًا مؤجلًا للاعتبارات التالية: ميل القوى الإقليمية والدولية إلى تهدئة الوضع السوري، عوضًا عن تأجيج موجة عنف جديدة سيما بعد أحداث السويداء، والخشية من تبعات أي عملية عسكرية سلبًا على التواجد الأمريكي في شمال شرق سوريا وخطط انسحابها. وإمكانية استفادة خلايا تنظيم "الدولة" لها لتعزيز وجوده الميداني إلى جانب تبعاتها على مسار حل "حزب العمال الكردستاني" في تركيا، واستمرارية التفاوض السياسي بين القوى المعنية رغم المواقف المتباينة. أي عمل عسكري، بحسب الدسوقي، سيسهم في تعقيد الموقف الميداني، وتعطيل التفاهمات المسبقة التي غطت ملفات عدة بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية، إلى جانب الخشية من تصدع جبهة الدول الداعمة للقيادة السورية جراء أي عمل عسكري ميداني.

ويرى المحلل السياسي حسن النيفي، أن خيار الحرب ليس الخيار الأمثل لدى جميع الأطراف السورية، فضلًا عن أن الحكومة الحالية تحاول تعزيز فرص الحل السياسي عن طريق التفاوض. وعلى الرغم من التململ التركي من مماطلات "قسد"، فإن قرار الحرب بالتالي ليس سوريا خالصًا أو تركيًا، بل لا بد من معرفة الموقف الأمريكي الذي يبدو أنه هو الحاسم، فالحرب على "قسد" لا يمكن اتخاذ قرارها من جانب تركيا أو دمشق بمعزل عن المواقف الأخرى وخاصة واشنطن ومن ثم الموقف الأوروبي، وفق النيفي. وبحسب مصدر إقليمي تحدث لموقع "ميدل إيست آي"، حذر مسؤولون أمريكيون "قسد" من أن التحالف الدولي قد لا يكون قادرًا على حمايتهم إذا قررت دمشق شن هجوم عسكري في حال عدم الالتزام باتفاق 10 من آذار. وصرحت مصادر أمنية لموقع "ميدل إيست آي" أنه رغم أن تركيا لن تتدخل بشكل مباشر ضد "قسد"، إلا أن القوات المسلحة التركية قد تقدم دعمًا غير مباشر لعملية محدودة ينفذها الجيش السوري. وأكدت المصادر أن الاستعدادات لهذه العملية قد اكتملت بالفعل.

مشاركة المقال: