الإثنين, 11 أغسطس 2025 01:11 PM

السويداء: دوافع تشكيل "إدارة ذاتية" برعاية الرئاسة الروحية وتداعياتها

السويداء: دوافع تشكيل "إدارة ذاتية" برعاية الرئاسة الروحية وتداعياتها

أثار تشكيل الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، للجان تتولى إدارة الملفات الخدمية والقانونية والأمنية في المحافظة، تساؤلات حول الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذه الخطوة، وما إذا كانت تحمل في طياتها نوايا انفصالية، أم تقتصر على تنظيم الشؤون الداخلية للمحافظة.

ما يسمى بـ"اللجنة القانونية العليا"، التي ستتولى إدارة شؤون المنطقة بعد خروج المؤسسات الحكومية منها، أعلنت عن نفسها في 6 آب الحالي، وتضم ستة قضاة وأربعة محامين. وتتمثل مهام اللجنة في إدارة شؤون السويداء في جميع القطاعات، والحفاظ على المؤسسات الحكومية العامة والخاصة، و"رفع الظلم والضرر عن كاهل المواطنين بكافة مكوناتهم ومحاربة الفساد"، وفقًا لبيان صادر عن المكتب الإعلامي للجنة القانونية العليا.

حاولت عنب بلدي الحصول على تعليق من المكتب الصحفي لمحافظة السويداء، إلا أنها لم تتلق ردًا حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

تنظيم أم استعصاء؟

قال الأكاديمي السوري من محافظة السويداء، الدكتور فايز القنطار، إن سبب تشكيل "اللجنة" هو الإشراف على الأوضاع الداخلية وترتيب البيت الداخلي في السويداء، في ظل غياب سلطة دمشق. وأضاف لعنب بلدي أن أهالي السويداء يرفضون وجود هذه السلطة (الحكومة السورية)، لذلك يعملون على تنظيم شؤونهم الداخلية بانتظار حل ما.

بالمقابل، أشار القنطار إلى أن السويداء الآن "محاصرة ومجوعة"، حيث لا دواء ولا ماء، متهمًا قوات الأمن العام بتدمير آبار الشرب التي تغذي مدينة السويداء، وتدمير كلية الزراعة والمرافق الحيوية من مطاحن ومعامل صغيرة ومستشفيات ونهب الصيدليات.

من جانبه، اعتبر الباحث في مركز "عمران للدراسات" أيمن الدسوقي أن إعلان "اللجنة القانونية العليا" وإجراءاتها لتنظيم الشؤون الإدارية في محافظة السويداء، تعبير عن حالة الاستعصاء في المحافظة في ظل غياب التوصل لحل مع الحكومة المركزية في دمشق. ووصف الدسوقي، في حديث إلى عنب بلدي، إعلان "اللجنة" بأنه تحدٍ لشرعية الحكومة ومحاولة فرض أمر واقع حوكمي ومأسسته واستثماره تفاوضيًا.

هل انتهت مناطق النفوذ؟

يأتي إنشاء "اللجنة القانونية العليا" في وقت تحاول فيه أوساط إقليمية ودولية، بالتوازي مع الحكومة السورية، إنهاء حالة النفوذ وتعدد أطراف السيطرة، وسط مفاوضات بين الأخيرة و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

قال الباحث أيمن الدسوقي إن مناطق النفوذ والحوكمة لكي تستمر لا بد لها من غطاء سياسي وموارد اقتصادية وترتيبات أمنية وجهة محلية قادرة على احتكار العنف وإدارة المنطقة، وفق ما أظهرته دروس السنوات السابقة من الثورة السورية. وأضاف أن سوريا لم تخرج بعد من معادلة مناطق النفوذ والحوكمة، بل يعاد تشكيلها، معتبرًا أن الحالة في السويداء توضح ذلك. وللخروج منها، لا بد من توافق دولي-إقليمي وتوافق محلي، وفق الباحث في مركز "عمران".

قال الأكاديمي فايز القنطار إن السويداء لا تطالب بالانفصال، متسائلًا أين ستذهب، وهي محشورة في زاوية وليس لديها منفذ مع دولة خارجية أو إقليمية وليس لها شاطئ.

عميدان من النظام السابق

وكلفت "اللجنة" العميد في النظام السابق، شكيب أجود نصر، قائدًا لقوى الأمن الداخلي في السويداء، والذي كان يرأس فرع الأمن السياسي في محافظة طرطوس. وبحسب "اللجنة"، ينوبه في "الأمن الداخلي" العميد في النظام السابق، أنور عادل رضوان، والذي كان مديرًا لمنطقة بانياس، التابعة لمحافظة طرطوس، غربي سوريا.

قال الباحث الدسوقي إن تكليف العميد السابق في نظام الأسد، شكيب أجود نصر، قائدًا لقوى الأمن الداخلي في السويداء ما هو إلا تفصيل في المشهد الكبير.

ومن الناحية الخدمية، شكلت "اللجنة القانونية العليا" المكتب التنفيذي المؤقت، ويضم ثمانية أعضاء، من ضمنهم مهندسون ومحامون وأطباء، وكلفت ماهر غالب العنداري أمينًا عامًا لمحافظة السويداء. ويهدف المكتب التنفيذي لإدارة الشؤون الخدمية، وتشكيل لجان فرعية تخصصية بالإغاثة وتقصي الحقائق والانتهاكات، ومتابعة شؤون المفقودين والمختفين قسرًا، ومتابعة شؤون "الشهداء" والجرحى، وقبول التبرعات وتوزيعها على المنكوبين.

كما يتولى الحفاظ على المؤسسات الحكومية العامة والخاصة والمصارف والمنشآت الاقتصادية، ومتابعة القضايا الصحية والإنسانية وعمل المشافي العامة والخاصة، ومهام إنسانية واجتماعية، لم يسمها.

ولم تعلق الرئاسة الروحية للطائفة، والتي يرأسها حكمت الهجري، على تشكيل اللجان، حتى لحظة إعداد الخبر، إلا أن شبكات محلية عاملة في السويداء، ومنها "الراصد" أكدت صحة البيانات.

قضاة محالون إلى التحقيق

نقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر مسؤول في وزارة العدل، لم تسمه، في 7 آب، قوله إن الوزارة أحالت القضاة المذكورين فيما سمي "اللجنة القانونية العليا" بالسويداء، إلى إدارة التفتيش للتحقيق. وقال المصدر إن أعضاء "اللجنة" باشروا بأعمال تخالف الواجبات المفروضة على القاضي بموجب أحكام قانون السلطة القضائية، ولا سيما المواد "78" وما يليها من قانون السلطة القضائية. وأشار إلى أن هذه القوانين لا تجيز للقاضي الجمع بين الوظائف القضائية وبين مهنة أخرى أو أي عمل تبعي آخر يؤديه بالذات أو بالواسطة، لافتًا إلى أنها حظرت على القضاة إبداء الآراء والميول السياسية والاشتغال بها.

واعتبر أن العمل الذي باشره القضاة سياسي ويتعارض مع المصالح الوطنية ويثير دعوات التفرقة والتقسيم، وباشروه بتكليف من جهة غير مجلس القضاء الأعلى، في إشارة إلى الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية.

السويداء خارج سيطرة الحكومة

وتعيش محافظة السويداء واقعًا عسكريًا وأمنيًا خاصًا، إذ لم تسيطر عليها الحكومة السورية التي تسلمت زمام الحكم عقب سقوط النظام السوري السابق، والأخير أيضًا لم يكن يسيطر عليها عسكريًا في السنوات الأخيرة.

ولفت الأكاديمي فايز القنطار إلى أن السويداء تعيش منذ أكثر من سنتين حالة غياب الدولة الحقيقة، واعتبر أن اتفاق أيار الماضي، لتعزيز مؤسسات الدولة، لم تنفذه دمشق، التي وصفها أنها تحينت الفرصة لتنفيذ "غزوتها المشؤومة التي شكلت شرخًا عميقًا في الوطنية السورية".

اتفاق أيار الماضي تم بين الحكومة السورية وفصائل محلية بالسويداء، وقضى بتفعيل الضابطة العدلية وتشكيل الجهاز الشرطي من أبناء السويداء.

وشهدت المحافظة توترات أمنية، بدأت في 12 تموز الماضي، عقب حالات خطف متبادلة بين أبناء حي المقوس ذو الغالبية البدوية، وفصائل محلية، موالية للشيخ الهجري، تطورت إلى اشتباكات متبادلة في اليوم التالي. وفي 14 تموز، دخلت قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى المدينة، بهدف فض النزاع، إلا أنها واجهت مقاومة داخلية، عقب ورود أنباء عن انتهاكات مارستها القوات الحكومية بحق مدنيين. ودخلت إسرائيل على الخط لتضرب نقاطًا للحكومة في السويداء، إضافة إلى استهداف مقرات حكومية خارجها، أبرزها مقر هيئة الأركان وبالقرب من القصر الجمهوري في العاصمة دمشق، في 16 تموز.

أعلنت الحكومة السورية انسحابها من مدينة السويداء، والتمركز في نقاط على الأطراف، لتبدأ الفصائل المحلية بارتكاب انتهاكات بحق سكان من البدو داخل المدينة، ما دفع المكون العشائري إلى إرسال أرتال للمشاركة بالاقتتال، والتي ارتكبت انتهاكات بحق مدنيين أيضًا. وفي 19 تموز، أعلنت الحكومة عن هدنة بين الجانبين، برعاية ودعم دولي، وانخفض التصعيد بعدها باستثناء خروقات محدودة بين الجانبين.

السويداء.. معركة الخاسرين في سوريا
مشاركة المقال: