الإثنين, 11 أغسطس 2025 01:11 PM

وزارة الداخلية السورية: بين تحديات أمنية وانتهاكات تهدد ثقة المواطنين

وزارة الداخلية السورية: بين تحديات أمنية وانتهاكات تهدد ثقة المواطنين

عنب بلدي – موفق الخوجة | وسيم العدوي | محمد كاخي

يشكل الملف الأمني هاجسًا رئيسيًا لدى السوريين، خاصة بعد سقوط النظام السوري السابق وما تلاه من انفلات أمني تجسد في عمليات خطف وسرقة وانتشار عصابات متنوعة. لطالما ارتبطت الأجهزة الأمنية في عهد النظام السابق بالخوف والقمع، وهو ما تجلى بوضوح خلال سنوات الثورة السورية.

بعد سقوط النظام، يثار التساؤل حول قدرة الدولة الجديدة على ضبط الملف الأمني، مع تحقيق بعض النجاحات في مكافحة المخدرات التي ازدهرت في عهد ماهر الأسد، وملاحقة فلول النظام السابق. ورغم الخطوات الإيجابية التي اتخذتها وزارة الداخلية لإعادة هيكلتها، إلا أنها لا تزال تعاني من ضعف الأداء، مما أدى إلى انتهاكات من قبل عناصرها بحق المدنيين، وهو ما يعزوه باحثون إلى ضعف البنية وعوامل نفسية ناتجة عن الحرب السورية المستمرة منذ نحو 14 عامًا.

في هذا الملف، ترصد عنب بلدي أداء وزارة الداخلية السورية خلال الأشهر الثمانية التي أعقبت سقوط النظام، وتستعرض دوافع وأسباب تكرار الانتهاكات، وتناقش هيكلية الوزارة والخطوات اللازمة لتحسينها، بالتعاون مع باحثين وخبراء.

الملف الأمني.. إنجازات وانتهاكات

يتأرجح أداء وزارة الداخلية بين المقبول والضبط المحدود للملف الأمني، رغم العقبات والفراغ الذي خلفه سقوط النظام السوري المفاجئ، وفي المقابل، تُرتكب انتهاكات بحق المدنيين على يد عناصر الأمن في سوريا. من أبرز هذه الانتهاكات ما حدث في السويداء جنوبي سوريا في منتصف تموز الماضي، وقبلها في الساحل السوري غربي البلاد.

بدأت أحداث الساحل في 6 آذار الماضي، بعد هجوم شنته مجموعات وصفتها الحكومة السورية بـ "فلول النظام" على نقاط وحواجز تابعة لإدارة الأمن العام وقطع عسكرية تابعة لوزارة الدفاع. وعلى إثر ذلك، نفذت إدارة الأمن العام وقوات وزارة الدفاع عمليات تمشيط وتفتيش في قرى الساحل السوري، شهدت انتهاكات بحق المدنيين، بعضها على أيدي القوات الحكومية، وفقًا لتحقيق أجرته وكالة "رويترز". وخلال هذه الأحداث، قُتل أكثر من 1400 شخص من الطائفة العلوية على أساس مذهبي، بحسب لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الحكومة السورية.

وفي 14 تموز الماضي، أرسلت الحكومة السورية قوات من وزارتي الدفاع والداخلية إلى محافظة السويداء لإنهاء اقتتال بين فصائل محلية ومسلحين من البدو. وأعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، عن قلقه إزاء تقارير تلقاها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تشير إلى انتهاكات وتجاوزات شملت إعدامات وقتلًا تعسفيًا، وعمليات اختطاف، وتدمير الممتلكات الخاصة ونهب المنازل، مشيرًا إلى أن "من بين الجناة المبلّغ عنهم أفرادًا من قوات الأمن وأفرادًا تابعين للسلطات".

ووثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مقتل ما لا يقل عن 814 سوريًا بينهم 34 سيدة و20 طفلًا، وستة أشخاص من الطواقم الطبية، وشخصان من الطواقم الإعلامية، في محافظة السويداء منذ اندلاع التوترات في 13 تموز الماضي.

الانتهاكات تتعلق بعملية الدمج

يرى الباحث في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان، أن هذه الانتهاكات مرتبطة بعملية الدمج وإعادة تأطير العناصر المنضوية في وزارتي الداخلية والدفاع، مؤكدًا أن الدمج غير مكتمل وملفات السلوك الداخلي غير مكتملة، كما أن العقيدة العسكرية غير واضحة. ويشدد على ضرورة العمل على الهيكلية الداخلية للوزارتين من الأسفل إلى الأعلى، وضبط العناصر عن طريق إعادة دمجهم وفرزهم، وضبط هيكلية سلسلة الأوامر التي يتلقونها.

مخاوف من عودة رهاب الأمن

ترتبط الأجهزة الأمنية في ذاكرة السوريين بممارسات النظام السوري السابق، التي أسهمت في تدمير سمعتها عبر القمع والتعذيب والقتل داخل المراكز الأمنية. وبعد تسلم "هيئة تحرير الشام" والفصائل التي رافقتها خلال معارك "ردع العدوان"، تباينت ممارسات العناصر الأمنيين بين المعاملة الحسنة والانتهاكات التي وصلت إلى القتل تحت التعذيب، بحسب شبكات حقوقية. من أبرز الحوادث في هذا السياق، قضية يوسف اللباد، الذي عاد من ألمانيا إلى سوريا ثم توفي في إحدى غرف الحراسة التابعة لوزارة الداخلية في دمشق. وبالرغم من رواية الداخلية التي تنفي قتله، إلا أن الشكوك ما زالت تدور حول ممارسات "خشنة" أدت إلى وفاته. كما تعرض سوريون لممارسات "عنيفة" خلال تنفيذ مهام أمنية، مثل حادثة عبد القادر ثلجي، الذي داهم منزله عناصر من الأمن. وقدّم وزير الداخلية، أنس خطاب، اعتذاره للعائلة وأكد توقيف رئيس الدورية والعناصر المرافقين له، إلا أن الأسئلة ما زالت مفتوحة حول إمكانية ضبط هؤلاء العناصر والحد من تجاوزاتهم. وتتهم منظمات حقوقية وزارة الداخلية بعمليات اعتقال تعسفي على خلفيات متعددة، بعضها يتعلق بحرية الرأي.

نجاح في محاربة "الفلول" والمخدرات

في المقابل، حققت وزارة الداخلية نجاحات في ملفات أمنية متعددة، منها القبض على عناصر وضباط النظام السوري السابق، ومكافحة المخدرات، والحد من هجمات مجموعات لا تتبع للحكومة. وتمكنت قوات الأمن العام في حمص من حماية أحياء وادي الذهب وعكرمة والزهراء والنزهة من هجوم حاولت بعض المجموعات تنفيذه. كما استطاعت الوزارة ضبط الكثير من معامل إنتاج أقراص "الكبتاجون"، وضبطت 121 طنًا من المواد الأولية لتصنيع المخدرات، و320 مليون حبة "كبتاجون". بالإضافة إلى ذلك، ألقت "الداخلية" القبض على عدد من المتهمين بجرائم حرب المرتبطين بالنظام السوري السابق، مثل وسيم الأسد وموفق حيدر وميزر صوان ونبيل دريوسي.

الوضع الأمني "مقبول"

يرى الباحث نوار شعبان أن الوضع الأمني في سوريا "مقبول إلى حد ما"، رغم وجود الانتهاكات، مشيرًا إلى أن فترة النزاع كانت طويلة وتحتاج إلى جهد "ضخم" لإعادة ضبط عناصر وزارتي الداخلية والدفاع وفق هيكليات وعلوم عسكرية وأمنية لتفادي هذه التجاوزات. ويرى أن هذه الإجراءات تضمن تفادي أي فرصة لخلق البيئة التي تسمح بهذه الانتهاكات، خاصة وأن العناصر الأمنيين لا تزال لديهم أحقاد شخصية.

عوائق أمام الانضباط

يرى الباحث أن العوائق التي تمنع هذا الانضباط كثيرة، أهمها الأحقاد السابقة والمتولدة حديثًا بفعل "نزعة الرعب الطائفية والتخريبية" لدى الأطراف التي يواجهها هؤلاء العناصر، ما يخلق بيئة لهذه الانتهاكات. وفي هذه الحالة، يتعيّن على الدولة أن تسمو فوق التصرفات الطائفية والتخريبية التي تستهدف عناصرها، وأن تحرص على عدم الانجرار نحو الرد على انتهاكات الخصوم بانتهاكات مماثلة. ويؤكد أن هذا الموضوع يشكّل تحديًا لوزارتي الدفاع والداخلية لضمان انضباط الكوادر الأمنية والعسكرية، ودفعها للانتقال من حالة الثورة إلى مرحلة بناء دولة قوية تقوم على القانون والمؤسسات.

عوامل تؤثر على التقييم

يرى الباحث في مركز "عمران للدراسات"، معن طلاع، أن هناك عدة نظريات ومداخل لتقييم أداء الفاعل الأمني، ويجب ربطها بمجموعة من المؤشرات. ويشير إلى أن وزارة الداخلية بدأت تهتم بشكل متزايد بالتنظيم المرتبط بإعادة الهيكلة، ومدونة السلوك، وذهنية وفلسفة العمل الأمني الداخلي. كما يلفت إلى تزايد ملحوظ بعودة المنشقين للاستفادة من خبراتهم. بالمقابل، يرى أنه على الرغم من مضي وزارة الداخلية في هذه الإجراءات، فإن السياق المحلي والإقليمي يفرض عليها أجندة وأولويات عابرة للقضايا التنظيمية والتقنية. من جانبه، أشار وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، إلى الصعوبات التي واجهتها الوزارة خلال الفترة الماضية، بما في ذلك تحديث الهياكل التنظيمية وتعزيز الكفاءات الأمنية، مؤكدًا توجه الوزارة لإشراك نقابة المحامين في صياغة وتعديل القوانين المتعلقة بعملها.

15 يومًا فقط.. تدريبات لا تكفي

سارعت وزارة الداخلية بعد سقوط النظام السابق إلى فتح باب الانتساب لجهاز الشرطة، ضمن خطة شاملة تهدف إلى إعادة بناء القطاع الأمني ورفده بعناصر جدد مدربين لتلبية الاحتياجات المتزايدة في الحفاظ على الأمن. وباشرت بتوزيع المنتسبين الجدد على مختلف المراكز الشرطية، بما يشمل الشرطة المدنية، وشرطة المرور، ووحدات الأمن العام. وبحسب بيانات طلب الانتساب، حُددت شروط للقبول تتعلق بالعمر والحالة الجسدية والتحصيل الدراسي، وخلو السيرة الجنائية. ويباشر العنصر عمله بعد خضوعه لدورة مكثفة وسريعة، مدتها 10 إلى 15 يومًا في كليات الشرطة، يتدرب فيها على الجوانب العسكرية والشرطية، وتنمية المهارات الإنسانية والتواصل الفعال مع المواطنين. وكان وزير الداخلية السابق في حكومة دمشق المؤقتة، علي كدة، قال إن سوريا بحاجة لأكثر من 50 ألف عنصر أمن، ويجري تخريج 800-1000 عنصر في كل دورة.

يرى الباحث معن طلاع أن الجهاز الأمني معني بتقديم خدمة أمنية والتزام بقواعد المهنة والسلوك والحرفية، وهذا يحتاج إلى مجموعة من الدورات والإجراءات التي تطور الموارد البشرية في وزارة الداخلية. ويرى أن الزج بعناصر الأمن في الساحة السورية بالحد الأدنى من التدريب والمعرفة، أمام الحالة الاستثنائية في سوريا كان مقبولًا إلى حد ما. بالمقابل، وبعد مضي أكثر ثمانية أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، يجب أن تكون الوزارة وضّحت خطة التدريب، على أن تكون موحدة. وتواصلت عنب بلدي مع وزارة الداخلية، عبر متحدثها الرسمي، نور الدين البابا، ومسؤولها الإعلامي، مصطفى العبدو، للاستفسار عن خطوات وزارة الداخلية، وللسؤال عن وجود تدريبات محتملة مستقبلًا، إلا أنها لم تتلقّ ردًا حتى لحظة تحرير الملف.

أربعة محاور للتدريب المثالي

تأتي التدريبات ضمن ما يعرف بالوظيفة التعليمية والتأهيلية للموارد البشرية في قطاع الأمن والدفاع، وهي بحالتها المثالية يجب أن تحتوي على أربعة محاور رئيسة، بحسب الباحث معن طلاع. المحور الأول يتعلق بمفهوم الوظيفة الأمنية، بينما المحور الثاني هو العقيدة الأمنية، ويتمثل الثالث بالتدريبات اللازمة أمنيًا والتي يجب أن يتمتع بها كل عنصر، أما المحور الرابع فهو التخصص.

محوران إضافيان

يقترح الباحث في مركز "عمران" إضافة محورين رئيسين إلى جانب المحاور الأربعة السابقة. يتعلق المحور الأول بحقوق الإنسان والسلوك الأمني والحفاظ على القيم الإنسانية وما تتطلبه من إجراءات وقوانين مع الاطلاع على الإجراءات والقوانين سواء الدولية أو المحلية، ويرتبط المحور الثاني بتعزيز الثقافة العامة لعنصر الشرطة.

السلاح والزي..

خطوات تحتاج إلى إعادة نظر

يستخدم عناصر وزارة الداخلية في سوريا سلاحًا واحدًا في كل مهامهم الأمنية هو "كلاشنكوف"، وهو نفس السلاح الذي تستخدمه المؤسسة العسكرية في وزارة الدفاع، على خلاف المتبع عادة من استخدام أسلحة خفيفة مثل المسدسات أو البنادق الخفيفة. ويرتبط نوع السلاح المستخدم لدى قوى الأمن الداخلي بحسب نوع المهام، وفق ما أوضحه الباحث معن طلاع، إذ إن هناك مهام أمنية تحتاج إلى أسلحة متطورة وأجهزة تجسس وكشف وتعقب ومناظير ليلية وغيرها من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، فيما إذا كانت المهمة مرتبطة بمكافحة الإرهاب. وبالنسبة للشرطة الجنائية، هناك سلسلة من أنواع الأسلحة يمكن اقتناؤها وأيضًا بالنسبة للشرطة المدنية، لها سلاحها الخفيف.

مرتبط بالميزانية والضبط

ترتبط مسألة التسليح في وزارة الداخلية بعدة عوامل، الأول يتعلق بميزانية الدولة، التي هي اليوم لا تملك صناعات عسكرية، لافتًا إلى أن ما تبقى من مواقع عسكرية من مخازن أسلحة وتسليح ضُربت وأُخرجت عن الخدمة. كما يعتقد أن ملف التسليح مرتبط بضبط السلاح، مهما كان نوعه، باعتبار أن الشرطة هي قوة تنفيذية لتطبيق القانون، ما يعني أن انفلات السلاح وعدم ضبطه في الدولة يشكل تحديًا أمامها.

الزي الأمني.. قرار اتخذ على عجل

تعتمد وزارة الداخلية لباسًا بلون أسود لعناصرها في الأمن العام، والذي ألحق الأمن الداخلي به، بينما يرتدي عناصر الشرطة اللون الأزرق، إلا أنها لم تحدد لباسًا معروفًا لبقية الأقسام والتخصصات، كما يرتدي بعض العناصر ألبسة عسكرية مموهة. يرى طلاع أن هناك استعجالًا في إقرار الزي المعتمد لدى وزارة الداخلية ويحتاج إلى مراجعة، بأن تكون فيه لمسة سورية متضمنًا معايير مرتبطة بالإحساس بالقوة والأمان، مشددًا على ضرورة أن يكون هناك لباس موحد. وأوضح أن هناك مدارس في اختيار الزي الشرطي، إذ تذهب بعضها باتجاه الألبسة الرشيقة الأقرب إلى الرياضية، وذات ألوان محددة منسجمة مع اللون العسكري، في حين أن هناك مدرسة أخرى ترى بأنها امتداد للمدرسة العسكرية بغض النظر عن اللون.

انتحال صفة أمنية

اللباس الأسود، المنتشر بكثرة، إضافة إلى الألبسة العسكرية والتي تباع بالأسواق، أدى إلى ظهور جماعات تنتحل صفات أمنية، وتنفذ عمليات سلب وخطف، بالرغم من إعلان الحكومة السورية، تخصيص بطاقات أمنية، ومهمة اعتقال (إذن رسمي) تحمله أي قوة منفذة لأمر القبض على أي سوري. أحد سكان ضاحية قدسيا، قال إن مجموعة حاولت مداهمة وتفتيش منزله، واستخدمت أسلوبًا غير لائق معه، وعند تقديمه شكوى لمخفر منطقة قدسيا، أخبروه بأن الدورية لا تتبع للأمن العام، وأنهم لم يرسلوا أحدًا للمداهمة، وحذروه من المجموعات التي ترتدي زي الأمن العام لمحاولة السرقة والخطف. وفي 3 آب الحالي، انتشر مقطع مصور يظهر أشخاصًا انتحلوا صفة أمنية بهدف سرقة أموال سائح برتغالي على طريق حلب- اللاذقية، وتمكنت الداخلية من القبض عليهما لاحقًا، وإحالتهما إلى التحقيق.

ثلاث خطوات لمعالجة الخلل

يمكن معالجة الخلل في موضوعي اللباس والسلاح بثلاث خطوات رئيسة، بحسب الباحث طلاع. تتمثل الخطوة الأولى بإقرار الاحتياجات اللوجستية لعموم سوريا، وهذا يحتاج إلى سلسلة ورشات لا تقديرات شخصية، وفق طلاع. وتحتاج هذه الخطوة إلى تفعيل الأجهزة الأمنية في المحافظات وتقدير احتياجاتها اللوجستية، سواء في البنى أو الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية وأجهزة التحليل الجنائي. وتتعلق الخطوة الثانية بضبط السلاح وتنظيمه وأرشفته، بينما ترتبط الخطوة الثالثة بتنظيم الألبسة انطلاقًا من فكرة الطالب ضابط الشرطة والضابط المتخرج وطبيعة الوظيفة الأمنية المسندة إليه سواء كان مكافحة المخدرات أو حرس حدود أو مكافحة الجريمة المنظمة والتهريب.

يفترض أن يكون هناك تمييز في الألوان، لأنها جزء من مفهوم العلاقات المدنية الأمنية، إذ يجب أن يعرف المواطن، من لباس الشرطة، تخصصه ووظيفته.

معن طلاع

باحث في مركز "عمران للدراسات"

خطوات لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية

انطلقت بذرة جهاز الأمن الحالي في سوريا، في 10 حزيران 2020، حين الإعلان عن تأسيس الأمن العام في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" ومظلتها السياسية حكومة "الإنقاذ". وكانت انطلاقة الجهاز من حاجة المجتمع لمنظومة أمنية موحدة لحفظ الأمن، والإسهام في بناء وتنمية المجتمع، بحسب المتحدث باسم الجهاز وقتها، ضياء الدين العمر. وذكر العمر أن الجهاز لا يتبع لأي فصيل عسكري، ويعمل بشكل مستقل، رغم الجدل الدائم بشأن تبعية الجهاز لـ"تحرير الشام".

بذرة الشمال تتوسع

تشكل الجهاز حينها من عدد من الوحدات والمكاتب مهمتها جمع البيانات والمعلومات عن المجرمين، والرصد ومتابعة الأحداث، والمراقبة وتنفيذ مهام التوقيف والتحقيق. واستطاع خلال فترة وجوده في مناطق شمال غربي سوريا أن يحقق نقلة نوعية في ضبط الأمن بالمنطقة من خلال أقسامه المختلفة، ركز خلالها على إظهار حالة عالية من المؤسساتية في إصداراته وتصريحاته، وضبط آليات تحوّل المعلومة إلى مهمة اعتقال بإذن موقع من المدعي العام وصولًا إلى تقديم القضية إلى القاضي وصدور الحكم بحق المتهم. وعقب السيطرة على محافظة حلب، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة "الإنقاذ"، فتح باب الانتساب لإدارة الأمن العام عبر الالتحاق بكلية الشرطة، وتبعتها لاحقًا إعلانات انتساب في سائر المحافظات عقب سقوط النظام السوري. وفي 24 كانون الثاني الماضي، قال المدرب في أكاديمية الشرطة بدمشق هشام هلال، إن أعداد طلبات الانتساب للوزارة تجاوزت 200,000 طلب في كل المحافظات، وذلك لتغطية حاجة "الجهاز" إلى عناصر في الأراضي السورية كافة، بعد أن تم تسريح عناصر شرطة النظام السابق. وفي 12 آذار 2024، أسفر اجتماع قائد "هيئة تحرير الشام" سابقًا، "أبو محمد الجولاني" (الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع) مع عسكريين ومدنيين وشخصيات في حكومة "الإنقاذ" و"مجلس الشورى" عن ضم "جهاز الأمن العام" لوزارة الداخلية.

وخلال الأشهر الماضية، عملت الوزارة على إعادة هيكليتها، بعد مشاورات مع حقوقيين وباحثين، إذ أعلن المتحدث باسم الداخلية، نور الدين البابا، خلال مؤتمر صحفي حضرته عنب بلدي، عن دمج جهازي الشرطة والأمن العام، وتجهيز بطاقات شخصية بهوية بصرية جديدة، وتأسيس مكتب للشكاوى، واستحداث إدارة للسجون والإصلاحيات.

مخاوف من تراجع الثقة بالأمن

في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها سوريا، يرى الباحث والمحلل السياسي والأمني فراس علاوي، أهمية الإسراع في عملية إعادة هيكلة المنظومة الأمنية لوزارة الداخلية بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، لضمان الاستقرار الداخلي وتعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات الرسمية. قد يؤدي التأخر في إعادة الهيكلة، وفقًا لعلاوي، إلى مخاطر متعددة، أبرزها "ضعف الاستجابة للأزمات، وتنامي الجريمة المنظمة، وتراجع الثقة الشعبية بقوى الأمن العام، والعزلة الدولية بسبب عدم التوافق مع المعايير الدولية في حقوق الإنسان والأمن". وأي تباطؤ بعملية ضبط أداء العناصر في تراتبية وظيفية محددة وقوانين واضحة وصارمة، يمكن أن يتسبب أيضًا في عدم القدرة على ترسيخ الوضع الأمني نتيجة الخلل الحاصل في الموارد البشرية واللوجستية، ومن المهم أيضًا وجود تراتبية ظاهرة للعيان ومطبقة في وزارة الداخلية.

ومن أبرز القواعد التي ينبغي لجهاز الأمن العام السوري تطبيقها، بحسب ما يراه علاوي: "التصدي للأحداث الأمنية دون توليد نقمة شعبية، وتحقيق الشفافية في الإجراءات لجهة توضيح أسباب التدخل الأمني، واحترام حقوق الإنسان وتجنب الاستخدام المفرط للقوة، وتعزيز التواصل الفعال مع الإعلام لتقديم رواية رسمية واضحة، والاستناد دائمًا إلى الوساطة المجتمعية عبر الوجهاء والقادة المحليين لتخفيف التوتر، وتدريب الأمن على استيعاب الحشود والأزمات بطريقة احترافية وإنسانية، وتوظيف أفراد من خلفيات متنوعة لتمثيل المجتمع بشكل أفضل".

التواصل الفعال مع المواطنين

في إطار التصدي للأحداث الأمنية، يجب على الوزارة اتباع نهج شفاف وإنساني، يراعي حقوق الإنسان ويعتمد على التشبيك مع المواطنين، بما يضمن معالجة الأزمات، قال علاوي، إضافة إلى السعي للتكيف مع التغيرات الاجتماعية والديموغرافية من خلال تطوير سياسات أمنية مرنة، وتوظيف كوادر مؤهلة، وتحديث برامج التوعية بما يتماشى مع تطلعات المجتمع السوري. وحذر علاوي من أن التحديات الأمنية المستقبلية ستكون أكثر تعقيدًا، وهي متنوعة مثل الهجرة والنزوح الداخلي، والاحتجاجات الاجتماعية، والكوارث الطبيعية وتغير المناخ، والجرائم العابرة للحدود مثل الاتجار بالبشر، والمخدرات، والهجمات السيبرانية، والتطرف، مما يتطلب استعدادًا استباقيًا وتدريبًا عالي المستوى، ولهذا من المهم مواصلة تطوير مهارات قوى الأمن والشرطة على إدارة الأزمات.

الشراكة مع أجهزة الأمن الصديقة

في السياق ذاته، اعتبر علاوي أن تعزيز الشراكة بين الداخلية وأجهزة الأمن بالدول الصديقة في تقديم الخدمات الأمنية يمكن أن يمثل خطوة تحول استراتيجية في عمل الوزارة، تتيح تبادل الخبرات وتطوير حلول مبتكرة، إلى جانب ضرورة توفير التقنيات الحديثة، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، لتحسين الكفاءة التشغيلية لقوى الأمن واتخاذ القرارات الأمنية المبنية على معلومات دقيقة وغير مضللة. ويعتبر علاوي أن من أهم ما يجب أن تتصدى له الوزارة مستقبلًا بعد استتباب حالة الأمن والاستقرار، "إنشاء وحدات متخصصة في الأمن السيبراني، وتحليل البيانات، والتواصل المجتمعي، بهدف حماية المواطنين من الجرائم المعلوماتية، وإحداث فرق استجابة تعزز من الجاهزية والتفاعل الإيجابي مع المجتمع". ويبقى العنصر الأهم في نجاح وزارة الداخلية بعملها هو تعزيز الثقة مع المواطنين والتعاون معهم في مواكبة التطورات، والمشاركة في بناء منظومة أمنية حديثة، فعالة، ومبنية على الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة.

10 خطوات لتأهيل "الداخلية"

اقترح المحلل والباحث الأمني والسياسي فراس علاوي، 10 خطوات لإعادة تأهيل وتدريب عناصر وزارة الداخلية: تجنيد عناصر الشرطة والأمن العام وفق معايير اختيار دقيقة تشمل السلامة الجسدية والنفسية، والخلفية الأخلاقية، والمستوى التعليمي، ومهارات التواصل، وإقامة دورات لتأهيل الضباط والاهتمام بالتراتبية بينهم. تحقيق الشفافية في الإعلان عن الرغبة بتجنيد العناصر والتقديم على التطوع عبر بوابة إلكترونية مركزية تتيح التقديم لجميع المواطنين المؤهلين. إخضاع العناصر لاختبارات متعددة المراحل مثل الفحص النفسي، والاختبارات المعرفية، واختبار اللياقة البدنية. التأهيل الأخلاقي والقيمي، ويتمثل بإلحاق العناصر بدورات في الأخلاق المهنية، والنزاهة، وأخلاقيات استخدام السلطة، ومشاركتهم في ورشات لتعزيز ثقافة احترام المواطن وحقوق الإنسان. تعريف العناصر بحقوق المواطنة، وإشراكهم في تدريبات نظرية وتطبيقية على الإعلان الدستوري السوري والقوانين المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، وتدريبهم على سيناريوهات واقعية للتعامل مع المواطنين بمهنية واحترام. تدريب العناصر الفني واللوجستي على العتاد والمعدات، واستخدام أدوات الاتصال، والأسلحة النارية، ومركبات الأمن، وإطلاعهم عبر مدربين مختصين على إدارة المواقف الأمنية بالاعتماد على تقنيات غير قاتلة وتقليل التصعيد. تدريب العناصر على التحليل الجنائي والتقني، والاهتمام بالبحث الجنائي وأسس جمع الأدلة والتحقيق، واستخدام نظم المعلومات والأمن السيبراني، وعلى عدد من التخصصات المتقدمة حسب الحاجة مثل: مكافحة المخدرات، الأمن الجنائي، الأمن السيبراني، أمن السير، الشرطة المجتمعية. إيفاد العناصر أو عدد منهم إلى بعثات تدريبية خارجية، والتعاون مع دول ذات تجارب ناجحة في إصلاح المؤسسات الأمنية، ورصد احتياجات المجتمع التي تحتاج إلى اهتمام من قبل قوى الأمن، وتكليف الخبرات من الضباط بقيادة فروع قوى الأمن العام سواء المركزية بدمشق أو المحافظات. تقييم العناصر وتطوير أدائهم بشكل مستمر، وتعزيز الرقابة الداخلية والخارجية المستقلة على العناصر، ويمكن أن يتم ذلك من خلال إحداث هيئة مستقلة لمراقبة الأداء والتجاوزات. إحداث نظام تحفيزي، ومنح مكافآت على الأداء الإيجابي، ووضع آليات واضحة للمساءلة والمحاسبة.

مشاركة المقال: