عنب بلدي – بيسان خلف
عاشت إسراء العمر وعائلتها نصف شهر أشبه بالكابوس، بعد أن منحتهم السلطات اللبنانية مهلة 15 يومًا لإخلاء مخيم "زحلة" للاجئين السوريين في لبنان. السلطات، التي اتخذت قرارًا بتفكيك المخيمات وإعادة سكانها إلى سوريا "طوعًا"، لم تمنح عائلة إسراء، القادمة من ريف حمص، الوقت الكافي للاستعداد للعودة إلى سوريا، ولم تقدم أي ضمانات لما ينتظرهم على الجانب الآخر من الحدود.
أعلنت "المصلحة الوطنية لنهر الليطاني" في لبنان عن تفكيك أجزاء من مخيم اللاجئين في منطقة زحلة- المعلقة، بعد إعطاء المقيمين فيه مهلة 15 يومًا للإخلاء. وأوضحت "المصلحة الوطنية" في بيان نشرته الوكالة "الوطنية اللبنانية" في 26 من حزيران، أن الجهات القائمة على المخيم رقم "004" في منطقة زحلة- المعلقة باشرت بتفكيك أجزاء من المخيم بعد انقضاء المهلة القانونية.
الدفع نحو المجهول
التقت عنب بلدي بإسراء وعائلتها في منطقة جديدة عرطوز، حيث تسكن العائلة مع ثلاث عائلات أخرى عادوا معًا من نفس المخيم، وقرروا السكن في منزل واحد ليتمكنوا من دفع إيجار نصف سنوي للمنزل. وقالت إسراء لعنب بلدي: "لم تكن عودة طوعية أبدًا، لقد دفعونا نحو المجهول. غادرنا سوريا عام 2014، ولا نعرف سوريا الآن، تبدو كبلد جديد بالنسبة لنا". وأضافت أن العودة إلى سوريا لا بد منها، "لكن لم تكن بتنسيق يضمن حقنا بالعودة الآمنة، وضمانات تكفل لنا حقوقنا ومستقبلنا في العيش والسكن".
تعرض منزل إسراء للقصف والدمار خلال الحرب في سوريا، ومثل بقية العائلات السورية، لا تملك ما يكفي لإعادة إعمار المنزل في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وما وصفته بـ"النزوح الثاني لكن داخل سوريا".
نزوح ثانٍ دون حماية
مع عائلة إسراء، تسكن عائلة خالد الحسن (أبو مصطفى) من بلدة المعضمية في ريف دمشق الغربي. ترك "أبو مصطفى" عمله كنجار في لبنان، وعاد إلى سوريا مع تفكيك المخيم، ليجد منزلًا نصف مدمر، ما اضطره إلى السكن مع عائلات في منزل بلا نوافذ ولا أثاث، والكهرباء فيه غائبة، والماء لا يصل إلا من صهاريج خاصة مقابل مبالغ لا تقوى العائلات على دفعها.
وصف "أبو مصطفى" تجربة عودته من لبنان إلى سوريا، خلال حديثه لعنب بلدي، بأنها "غير منصفة"، إذ تشبه العودة نحو المجهول. وقال: "نعيش على الصدقات من الجيران، أو بعض المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية. حتى الخبز لا نستطيع شراءه أحيانًا". ويعمل "أبو مصطفى" أحيانًا مع بعض رجال العائلات التي تسكن معه في المنزل بجمع مادة البلاستيك من حاويات القمامة. وقال بصوت منخفض: "لم نعد إلى وطن، بل نحن هاربون من بلاد خسرنا فيها كل ما نملك، وعدنا إليها بلا شيء، لا بيت، لا عمل، ولا حتى بطاقة خبز".
ورغم أن منظمات إنسانية محدودة تقدم مساعدات في سوريا، فإن غياب خطة حكومية شاملة لاستيعاب العائدين، وغياب شبكة حماية اجتماعية، يجعل معظم العائدين عرضة للتشرد مجددًا، ولكن هذه المرة داخل سوريا نفسها. معظم المناطق التي يعود إليها اللاجئون خصوصًا في أرياف حمص، دمشق، درعا، حماة، لا تزال تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية، فهي بلا مستشفيات، ولا مدارس عاملة بكامل طاقتها، وشبكات الكهرباء والمياه فيها خارجة عن الخدمة أو غير مستقرة.
حاولت عنب بلدي التواصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، للسؤال عن خططها ومشاريعها لتأمين فرص عمل للعائدين من المخيمات في لبنان ودمجهم في المجتمع، لكن لم تتلق ردًا حتى وقت كتابة هذا التقرير.
عودة بضغط سياسي
وقع اللاجئون السوريون في لبنان ضحية الضغط السياسي الممارَس على لبنان من أجل تفكيك المخيمات غير النظامية، بحسب ما ذكره العامل في منظمات إغاثية غير ربحية في لبنان جورج حنا.
وقال حنا، لعنب بلدي، إن هناك ضغوطًا من البلديات والأجهزة الأمنية على اللاجئين، إذ يجبرونهم على توقيع تعهدات بالعودة إلى سوريا، ثم يُفكك المخيم ويرحّلون خلال أيام، والمساعدات تنقطع فورًا، والرحلة إلى سوريا تكون على مسؤوليتهم. وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تعمل على سياسة التضييق على السوريين، من خلال اعتقالهم في حال لم يجدوا بحوزتهم أوراق الإقامة، و"هذا التضييق هو ترهيب لمن ما زالوا يعيشون في لبنان لإجبارهم على العودة إلى سوريا".
وارتفعت وتيرة العنصرية ضد السوريين في لبنان مع سقوط النظام في سوريا، والبدء بتفكيك المخيمات، كنوع آخر من الضغوط لإجبار كثير منهم على العودة التي يسمونها بـ"الطوعية".
تعاون مجتمعي ومؤسساتي
قالت الخبيرة الاجتماعية الدكتورة رند رنكوسي، إن عودة اللاجئين السوريين من لبنان تجري في ظل غياب الحد الأدنى من مقومات الاستقرار، ما يجعلها أشبه بـ"عودة قسرية غير معلنة". وأضافت أنه حين يعود اللاجئ إلى بيئة تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية، دون ضمانات أمنية أو برامج إعادة إدماج، فإن ذلك يهدد بخلق أزمة إنسانية جديدة داخل سوريا نفسها.
وأكدت رنكوسي أن هذه العودة، التي غالبًا ما تتم تحت ضغط الظروف الاقتصادية أو المضايقات في بلد اللجوء، "لا يمكن اعتبارها طوعية بالكامل، خصوصًا في ظل انعدام البدائل أمام العائدين".
الدعم الدولي والمحلي لعمليات العودة لا يزال غائبًا تقريبًا، ما يفاقم هشاشة العائدين ويزيد من احتمالات النزوح الداخلي مجددًا، بحسب رنكوسي.
وترى أنه يقع على عاتق وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بالتعاون مع المنظمات الإنسانية، سواء الدولية منها أو المحلية، العمل على برامج لتمكين ودعم العائدين من مخيمات اللجوء، إذ يمكن إشراكهم في عملية إعادة الإعمار لخلق فرص عمل لهم ولعائلاتهم.
رغم التحديات الكبيرة التي ما زالت تعاني منها سوريا، يمكن الحد من آثار العودة غير المنظمة عبر إنشاء مراكز استقبال مجتمعية مؤقتة، يديرها متطوعون محليون ومنظمات مدنية، لتقديم الدعم النفسي والمعلوماتي للعائدين، ريثما تُستكمل جهود الإغاثة الرسمية، بحسب رنكوسي.
وأشارت إلى نماذج محلية نجحت جزئيًا في بعض القرى السورية، حيث تعاون الأهالي مع منظمات إنسانية لتأهيل مدارس مهجورة كمراكز إيواء مؤقتة، أو لتقديم خدمات الرعاية الأولية. وأضافت: "هذه المبادرات تحتاج إلى دعم منظم من الحكومة والمانحين، ولكنها تُثبت أن المجتمع المحلي قادر على لعب دور محوري في تخفيف صدمة العودة".
وختمت بالقول، إن الحلول المستدامة تبدأ من الاعتراف بأن العودة الآمنة لا تعني فقط غياب الحرب والاقتتال، بل وجود بيئة حاضنة تحفظ الكرامة وتفتح أبواب الأمل من جديد.
خطة لإعادة أكثر من 200 ألف لاجئ
قال رئيس اللجنة الوزارية اللبنانية المكلفة بملف اللاجئين السوريين، ونائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، طارق متري، إن اللجنة أنجزت خطة جديدة لإعادة اللاجئين تقوم على مراحل عدة، وستعرضها على مجلس الوزراء في أقرب فرصة لأخذ موافقته على المضي قدمًا بها.
وأكد أن إنجاز المرحلة الأولى من عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا سيبدأ قبل بدء العام الدراسي، مطلع أيلول المقبل، مشيرًا إلى صعوبة تحديد الأعداد، وتوقع أن تتراوح بين 200 و300 ألف شخص، وذلك يتوقف على نجاح العملية.
ولفت متري، في تصريح لجريدة "الشرق الأوسط"، في 8 من حزيران الماضي، إلى أنه يضع بالحسبان أن عددًا كبيرًا من السوريين بدؤوا بالعودة إلى بلدهم، ولدوافع مختلفة، ولكن لا وجود لرقم دقيق لعدد العائدين.
وبحسب استطلاع رأي أجرته مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان التابعة للأمم المتحدة، أوضح متري أن قسمًا كبيرًا من اللاجئين السوريين أبدى استعداده للعودة.
وذكر متري أن الحكومة السورية لا تعارض عودة اللاجئين، وإن كانت قلقة من الظروف المعيشية والسكنية، وكل ذلك يجعل العودة الطوعية ممكنة وعلى مراحل.
آلية العودة ستنقسم بين منظمة وغير منظمة، بحيث يتم في الأولى تسجيل الأسماء وتأمين حافلات لنقل اللاجئين إلى سوريا، على أن يحصل كل منهم على مبلغ 100 دولار. أما بخصوص العودة غير المنظمة، فسيكون على النازح تحديد موعد مغادرته، وتأمين وسيلة التنقل، لكنه سيحصل أيضًا على 100 دولار، لافتًا إلى أن الأمن العام اللبناني سيعفي المغادرين من الغرامات المترتبة عليهم، نتيجة إقامات منتهية الصلاحية، مع شرط عدم العودة إلى لبنان.