في قصة ملهمة تجسد الإصرار والتحدي، حقق الطالب وسيم يونس، وهو من أبناء مخيمات النزوح في شمالي إدلب، إنجازاً باهراً بحصوله على العلامة الكاملة (280 من 280) في شهادة التعليم الأساسي لهذا العام. يعتبر وسيم مثالاً يحتذى به للطلاب السوريين الطموحين، الذين يواجهون ظروفاً معيشية صعبة وتحديات الحرب.
تعود أصول وسيم إلى قرية قسطون في ريف حماة الشمالي الغربي، حيث نزح مع عائلته في مطلع عام 2015 نتيجة لقصف قوات النظام بالبراميل المتفجرة والقذائف. استقرت العائلة في مخيم أطمة على الحدود السورية التركية، حيث عانوا من ظروف معيشية قاسية ونقص في الاحتياجات الأساسية.
سامر يونس، والد وسيم، صرح لـ”سوريا 24″ قائلاً: "كانت بداية النزوح صعبة للغاية، حيث عشنا في خيمة واحدة مع خمسة أطفال. كانت المدارس عبارة عن خيام تفتقر إلى المقاعد، وكان الطلاب يجلسون على الأرض ويعانون من البرد الشديد ونقص النوافذ. لكن وسيم أظهر تصميماً على التفوق منذ اليوم الأول له في الصف الابتدائي، وحافظ على المركز الأول في صفه كل عام حتى هذا العام".
درس وسيم في عدة مدارس داخل المخيم، حيث التحق بمدرسة الحكمة في المرحلة الابتدائية، ثم انتقل إلى مدرسة أطمة الريفية في المرحلة الإعدادية. وفي الصف التاسع، التحق بـ مدرسة الأحلام الخاصة، التي وصفها والده بأنها كانت "بمثابة العائلة، حيث اهتم المعلمون بالطلاب خارج الدوام الرسمي، وقدموا لهم الدعم المعنوي والتعليمي".
وأضاف سامر: "كانت المسافة بين المدرسة والمخيم، التي تقدر بكيلومترين، من أصعب التحديات التي واجهت وسيم في الصف التاسع. كان غالباً ما يضطر إلى المشي في برد الشتاء. ومع توقف المساعدات عن المخيم مؤخراً، زادت الأعباء علينا، لكننا استمررنا في دعمه حتى أنهى المنهاج وانتقلنا مجدداً إلى قريتنا لتقديم الامتحانات في جسر الشغور".
وسيم، بدوره، تحدث بابتسامة ممزوجة بالفخر قائلاً: "كنت أدرس لساعات طويلة ليلاً بعد أن ينام إخوتي الصغار، على الرغم من البرد وقلة الإمكانيات. لم أكن أرغب في ترك أي عذر يمنعني من تحقيق حلمي. أتمنى أن أتابع المرحلة الثانوية ثم البكالوريا، لكن المشكلة تكمن في أن أقرب ثانوية لقرانا في جسر الشغور تبعد 20 كيلومتراً، ولا تتوفر وسائل النقل، مما يجعل الاستمرار صعباً".
خلود برني، والدة وسيم والحاصلة على إجازة في اللغة العربية، أعربت عن فخرها الشديد بنجاح ابنها قائلة: "أشعر اليوم أن كل سنوات النزوح والتعب لم تذهب سدى، وأن وسيم كان على قدر المسؤولية منذ طفولته. رؤية نتيجته بالعلامة الكاملة عوضتنا عن قسوة الحياة في الخيمة، وجعلتنا ننسى برد الشتاء وصعوبات الدراسة. كنا أنا ووالده، سامر يونس الحاصل على شهادة في الاقتصاد، نتابعه منذ الصف الأول، واليوم نجني ثمرة هذا الجهد الطويل".
قصة وسيم ليست مجرد قصة نجاح فردي، بل هي دليل على أن الإرادة والعزيمة قادرتان على كسر قيود الخيمة وضيق المكان، وأن الحلم بالتفوق يمكن أن يتحقق حتى في أصعب الظروف، حيث تصنع الإرادة فارقاً أكبر من أي إمكانيات.