الأحد, 10 أغسطس 2025 07:58 PM

مخيم "الهول": هل تتخلى "قسد" عن ورقتها الرابحة مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية؟

مخيم "الهول": هل تتخلى "قسد" عن ورقتها الرابحة مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية؟

عنب بلدي – أمير حقوق – يمثل مخيم "الهول" قضية سياسية محورية بين حكومة دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، حيث تعتبره الأخيرة مكسبًا استراتيجيًا، بينما تشير التطورات والتفاهمات بين دمشق وقوى إقليمية ودولية إلى احتمال فقدان "قسد" لهذه الميزة. يشهد المخيم، الذي يضم عائلات مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" في شرق محافظة الحسكة السورية، نشاطًا ملحوظًا على الصعيدين الداخلي والخارجي في الآونة الأخيرة.

تتجلى هذه التحركات في البدء بإخراج عائلات المقاتلين إلى داخل سوريا أو إلى العراق، بهدف تقليص عدد قاطني المخيم تدريجيًا، بالتزامن مع تصاعد التوترات الأمنية. وقد كشفت إدارة المخيم عن تحركات لخلايا تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، تقوم بأعمال حرق وتخريب واعتداءات جسدية داخل المخيم، مرجحة أن هذه الأعمال منظمة وتقودها خلايا التنظيم من خارجه، بالتزامن مع عودة العائلات والإفراغ التدريجي للمخيم.

خطر أم استثمار سياسي؟

أفاد مصدر عسكري في "قسد"، غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، بأن المخيم يشكل تهديدًا أمنيًا كبيرًا، حيث تقع هجمات مسلحة متكررة وعمليات قتل داخل المخيم، وتقوم قوى الأمن الداخلي التابعة لـ"قسد" بحملات أمنية دورية لملاحقة خلايا التنظيم. وأكد أن المنظمات الإنسانية العاملة في المخيم تتعرض لضغوط وتهديدات من قبل جماعات مسلحة، مشيرًا إلى وجود أفراد من عائلات مقاتلي التنظيم، ويعتقد بوجود نشاط لتجنيد وتدريب الأطفال على الفكر "المتطرف" داخل المخيم.

من جانبه، أوضح الصحفي والباحث السياسي سامر الأحمد أن المخيم كان يضم 70,000 شخص عند إنشائه، ثم انخفض العدد إلى 30,000 شخص، وهو في تناقص مستمر، معتقدًا أن الفساد بين مسؤولي الحراسة سهل تهريب العديد من قيادات التنظيم ورجاله، وأن هناك تقارير كشفت عن المبالغ التي يتلقاها مسؤولو الحراسة لتسهيل عمليات التهريب.

ويرى الأحمد أن المخيم "قنبلة موقوتة صغيرة" تهدد الشرق الأوسط، وتستفيد منها "قسد" ودول أخرى. ووصف العمليات الأخيرة داخل المخيم بأنها "تشويش وتمردات" تنتهي فورًا على الأرض، لكن "قسد" تستثمرها سياسيًا من أجل الحفاظ على الدعم الدولي. ويشدد على أن معالجة ملف المخيم ضرورية على المستوى السياسي، لسحب ورقة سياسية كبيرة من يد "قسد"، التي تحاول تحت ذريعة المخيم الحصول على دعم أمريكي والتذرع بعدم تسليم المنطقة أو تطبيق الاتفاق، ويرى أن هذه المعالجة ستؤثر على قضايا سياسية كثيرة.

إخراج دفعات متتالية

أعلنت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا عن اتفاق مع الحكومة السورية لتنظيم آلية تهدف إلى إخراج العائلات السورية من مخيم "الهول" في أواخر أيار الماضي. وبعد ذلك، بدأت قوافل محملة بالعائلات تتجه من داخل المخيم إما إلى مناطق سورية مثل ريف حلب، وإما إلى العراق، حيث أكدت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية أنها أعادت نحو 15,000 عراقي من المخيم، ضمن خطة لإغلاق ملف النزوح الخارجي.

وأكد المصدر العسكري في "قسد" التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية في دمشق لإجلاء المواطنين السوريين من مخيم "الهول"، ينص على وجود "آلية مشتركة" لإعادة العائلات السورية من المخيم إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية. وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد اجتماع ضم ممثلين عن "الإدارة الذاتية" والحكومة السورية ووفد من "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة، معتبرًا أن الاتفاق يأتي في إطار محاولات لتعزيز التعاون بين الطرفين، إلا أن هناك ملفات معقدة أخرى ما زالت قيد النقاش بينهما.

وأشار إلى وجود خطة لإفراغ المخيم من السوريين، وقد خرجت دفعات من العائلات السورية إلى مناطق مختلفة مثل دير الزور وحلب، وتتم هذه العودة بالتعاون بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والحكومة السورية، كما غادرت دفعات من العراقيين إلى مخيم "الجدعة" في محافظة الموصل. وتأتي عمليات الخروج ضمن برامج "العودة الطوعية" التي تشرف عليها منظمات دولية مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبالتعاون بين "قسد" والحكومات المعنية، وفق ما أوضحه المصدر.

اتفاقية بين دمشق وواشنطن

أشار الصحفي والباحث السياسي سامر الأحمد إلى إعلان العراق بالتعاون مع الأمم المتحدة عن خطة لإعادة العائلات، وأنه قد أعيدت بالفعل مئات العائلات، وأن الحكومة السورية بالتعاون مع منظمات دولية والولايات المتحدة بدأت بإعادة عائلات إلى مناطق سيطرتها، لتفريغ المخيم تدريجيًا. وأوضح أن الاتفاقية لعودة العائلات ليست بين حكومة دمشق و"قسد"، بل بين حكومة دمشق والولايات الأمريكية، وأن وفد الحكومة زار مخيم "الهول" منذ فترة برفقة "التحالف الدولي"، وليس برفقة "قسد"، مما يدل على الاتفاق بينهما، وهو أمر مهم، لأن أمريكا تصريحاتها واضحة بضرورة تسلم الحكومة سجون التنظيم وإنهاء مشكلة مخيم "الهول"، وأن هناك تفاهمات بين الحكومة السورية ونظيرتها العراقية بهذا الخصوص، بحسب الباحث الأحمد.

أوضاع إنسانية متردية

لا تقتصر مشكلات المخيم على التوترات الأمنية فقط، بل يعاني أيضًا من تردي الأوضاع الداخلية، خاصة الإنسانية سواء المعيشية أو السكنية، بحسب ما أوضحته المنظمات الدولية ومطلعون على واقع المخيم، معتبرين أن سكان المخيم بحاجة إلى دعم إنساني عاجل. وأفادت صحفية تعمل في وسائل إعلام "قسد"، فضلت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، بأن المخيم يوصف بأنه أقرب إلى معسكر احتجاز، حيث يعيش عشرات الآلاف في ظروف غير إنسانية، ويعانون من نقص في الخدمات الرئيسة مثل الرعاية الصحية والأدوية، وخصوصًا في فصل الشتاء حيث تغرق الخيام بمياه الأمطار. وأضافت أن "مئات الأشخاص، أغلبيتهم من الأطفال، توفوا في المخيم لأسباب متعددة مثل سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية".

وأشار الصحفي والباحث السياسي سامر الأحمد إلى أن الواقع الحالي ضمن مخيم "الهول" مؤلم، لأنه يقع في منطقة نائية صحراوية تبعد عن الحسكة حوالي 30 أو 40 كم، قرب الحدود العراقية، وأن سكان الخيام يعانون اليوم من موجات حر مرتفعة، بظروف صحية سيئة، بالتوازي مع قلة الموارد والمياه والمساعدات. وأضاف أن المنظمات الدولية عاجزة عن تأمين المستلزمات في ظل نقص الدعم الدولي، ونظرًا إلى العدد الكبير في المخيم.

لا علاقة للمخيم بنشاط التنظيم

ترافقت التوترات الأمنية التي حدثت بمخيم "الهول" مع عودة نشاط التنظيم في سوريا، خاصة في محافظات دمشق ودير الزور وإدلب وحلب. وربط بعض الخبراء والمحللين بين عودة التحركات ضمن المخيم واستئناف نشاط التنظيم. ويرى الباحث السياسي سامر الأحمد أن نشاط تنظيم "الدولة" حاليًا في سوريا لا علاقة له بالتحركات التي يشهدها مخيم "الهول" مؤخرًا، وأن نشاط تنظيم "الدولة" هو استراتيجية يتبعها التنظيم، وفق إعلاناته خلال الأسابيع والأشهر الماضية، عبر تصعيد هجماته ضد حكومة دمشق وضد "قسد" وفي المناطق الهشة بريف دير الزور.

ويضيف أن التنظيم يستغل حالة "الحنق الشديد" من السوريين العرب الموجودين تحت سلطة "قسد"، ويحاول التغلغل بهذه المناطق، ومهاجمة حواجز "قسد"، وأن معظم القتلى الذين سقطوا على حواجز "قسد" هم من المقاتلين المجندين إجباريًا من العرب، وبالتالي القصة معقدة استراتيجيًا، وبالتأكيد التنظيم هدفه هو تحرير عناصره. ويرى أنه مع توقيع تفاهمات (سورية- أمريكية- تركية- أردنية- عراقية) من أجل مراقبة ومتابعة خلايا التنظيم وتعقبهم واعتقالهم، أصبحت "قسد" خارج الحسابات في هذا الملف، وأنها لن تستمر طويلًا في الحصول على أولوية الدعم الدولي لمحاربة التنظيم، وفق الباحث الأحمد.

وأكد وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، خلال مقابلة له، أن خطر تنظيم "الدولة" لا يزال قائمًا في سوريا، وأن الوزارة تواصل العمل لمكافحته بكل الوسائل المتاحة، مشيرًا إلى التنسيق مع وزارة الداخلية، وتبعه تحذير من مسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة بأن التنظيم أظهر نشاطًا متجددًا في سوريا واستعاد قوته، واستقطب مقاتلين جددًا وزاد من عدد هجماته، ما يزيد خطر عدم الاستقرار في سوريا.

مشاركة المقال: