موفق الخوجة | لمى دياب | محمد كاخي – مع سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، انحلّ الجيش السوري تلقائيًا، وفرّت معظم القيادات المتورطة في دماء الشعب السوري إلى خارج البلاد، مما أحدث فراغًا في مؤسسة الجيش. وخلال مؤتمر النصر في 29 كانون الثاني الماضي، أُعلن عن حل الفصائل العسكرية التي حاربت ضد نظام الأسد، بهدف دمجها في هيكلية واحدة تحت وزارة الدفاع. وتعتبر هذه الفصائل المندمجة النواة الأساسية للجيش السوري الجديد، بتوجهاتها وولاءاتها المختلفة، الأمر الذي يثير اهتمامًا واسعًا لما يحمله من تطورات لتحقيق الاستقرار والأمن وتعزيز الوحدة الوطنية.
تتجه وزارة الدفاع نحو إنشاء جيش سوري جديد تطوعي بعقيدة وطنية، مع نظام واضح لمنح الرتب العسكرية يعتمد على التدريب والكفاءة لبناء قوات مسلحة احترافية، وهو ما يمثل تحولًا جوهريًا في هيكلية وهوية الجيش. إلا أن المؤسسة العسكرية، التي تتبنى منهجًا هجينًا بين الشرق والغرب، على عكس الجيش السابق الذي كان ضمن المعسكر الشرقي، تواجه سباقًا مع الزمن لوضع الأسس، وسط مخاطر داخلية وخارجية.
يناقش هذا الملف هيكلية الجيش السوري الجديد، الذي لا يزال في طور التشكيل والتأسيس، ويستعرض خطواته المتخذة، بالتعاون مع باحثين وخبراء، ويبحث في مكامن الضعف والقوة.
الهيكلية والعقيدة..
جمع الشرق والغرب
أفاد الباحث المختص بالشؤون العسكرية، رشيد حوراني، بأن وزارة الدفاع عملت على تشكيل المؤسسة العسكرية والجيش الجديد بعد حل جيش النظام السابق، وفق أسس تراعي ظروف المرحلة وما مرت به سوريا. وأوضح أنها اعتمدت على فريقين، الأول من الخبرات المحلية من الفصائل الثورية، والثاني من الخبرات الخارجية التي تأتي من تركيا في المقدمة، وهذا يعكس الزيارات العسكرية المتبادلة للكوادر العسكرية لكلا البلدين.
وكان وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصره، قد أعلن عبر تغريدة له على “إكس” في 22 تشرين الأول الحالي، عن إرسال بعثات من الطلاب الضباط للدراسة في الكليات العسكرية في تركيا والسعودية. ويهدف إرسال البعثات إلى التعاون الأكاديمي والعسكري، وتنمية الكفاءات وتأهيل كوادر تمتلك المعرفة على أحدث منظومات الأسلحة وأساليب الحرب الحديثة، وفقًا للوزير أبو قصرة.
وأشار الباحث حوراني إلى أن هيكلية الجيش تمت وفق الأسس المعمول بها في جيوش العالم، واعتمدت الهيكلية على التنظيم الفرقي (فرقة، لواء، كتيبة)، ولكنها عملية ليست كاملة بسبب ظروف البلد، ونقص القوى البشرية نظرًا إلى وجود عدد كبير من السوريين في الخارج، ووجود مناطق جغرافية خارج سيطرة الدولة.
خلال حفل تخريج لعناصر الفرقة 56 في الجيش السوري – 1 حزيران 2025 (وزارة الدفاع)
من روسيا إلى الغرب و”الناتو”
وفقًا لتعريف العقيد الركن والباحث العسكري خالد المطلق، تعد العقيدة العسكرية بمثابة الدستور غير المكتوب الذي يرسم توجهات القوات المسلحة في أي دولة، وتشكل الأساس الذي يقوم عليه بناء الجيوش الحديثة. وأوضح العقيد في صحيفة “إيلاف” أنها تحدد أساليب توظيف القوة العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية، متأثرة بجملة من العوامل كالتاريخ والثقافة والجغرافيا والتطور التكنولوجي وحجم الموارد المتاحة.
أوضح الباحث والصحفي في “المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع” (مسداد)، معتز السيد، أن العقيدة العسكرية العالمية تنقسم إلى مدرستين رئيستين، هما العقيدة الشرقية (الروسية) والعقيدة الغربية (الناتو). وتسعى القيادات السورية الجديدة بتوجيه حكومي معلن لتبني عقيدة وطنية هجينة، ترتكز على الولاء للدولة وليس للحزب أو الفرد، مع استيعاب مزايا العقيدة الغربية، من حيث الكفاءة التكنولوجية وسرعة النشر والمناورة والمتانة البشرية والمجتمعية للعقيدة الشرقية.
ويتطلب ذلك تحديث المناهج التدريبية وإدخال العلوم العسكرية الحديثة، مع الحفاظ على عنصر المقاومة الميدانية وعقيدة القتال طويل الأمد. وتشدد جميع الخطط الجديدة على تعزيز دور الذكاء الاصطناعي واستخدام المسيّرات في الاستطلاع والهجوم، والهدف من ذلك الوصول إلى جيش محترف قادر على التدخل سريعًا بأي منطقة سورية والحفاظ على حدود الوطن، وفق السيد.
بينما لفت الباحث المختص بالشؤون العسكرية رشيد حوراني إلى أنه يجب أن تكون علاقة الجيش الجديد طيبة مع الشعب السوري بعكس النظام السابق، إضافة إلى دوره في تكريس السلم الأهلي، وهذا ما صرح به وزير الدفاع السوري عدة مرات.
وظيفة الجيش وما بعد العقيدة
يرى المحلل العسكري العميد أحمد حمادة أن الجيش السوري يحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد تحديد العقيدة القتالية، أولًا، العقيدة القتالية الصحيحة، وثانيًا، التنظيم والخبرات والأسلحة والتدريب العالي والتراتبية القتالية في الجيش. وأوضح أن المدارس الشرقية والغربية عرّفت العقيدة القتالية بأنها مجموعة من النظم والتعليمات والعقائد التي تجعل هذا الجيش يقوم بقتال عدو، أو بتحقيق أهدافه المأخوذة من الناموس الكلي للوطن، أي أن العقيدة القتالية تحدد أهداف هذا الجيش، ولماذا يقاتل.
وبالإضافة إلى العقيدة القتالية، يحتاج عناصر الجيش الجديد إلى التدريب العالي، إذ لا يمكن لأي مقاتل أن يقاتل إلا إذا اكتسب مهارات وخبرات ومعارف كثيرة، يستطيع توظيفها في أرض المعركة، إن كانت برية أو بحرية أو جوية، وكذلك في مختلف الأنواع من الدفاع والهجوم والمعارك التصادمية والجبال والمدن والمناطق الخاصة والغابات، وكل منها يحتاج إلى تكتيك معيّن وإلى قتال معيّن وإلى أسلحة معيّنة.
وتبقى العقيدة القتالية والروح المعنوية العالية لأي مقاتل هي الفيصل في كسب المعركة، فقد تُحدث فرقًا كبيرًا، أو توازنًا ما بينها وبين العتاد عالي الدقة والمقاتل، أضاف حمادة. وبالنسبة لوظيفة الجيش، فهي ليست فقط الدفاع، فبالرغم من تسمية “وزارة الدفاع” التي مهمتها الدفاع عن الأراضي السورية والحفاظ على هذه الأراضي وبسط سيطرة الدولة على كل الأراضي السورية، فإن هذه القوات تستطيع أن تنقلب من الدفاع إلى الهجوم إذا كان هناك هجوم خارجي، أو هناك عدو داخلي، أو غير ذلك. وهذا أمر يتم تدريب العناصر والفرق عليه، لتأخذ وظائف متعددة وليس فقط وظيفة دفاعية، وهذه الوظيفة تنطلق من الحاجات الملحة للحفاظ على الدولة، أو على الثورة وعلى الأرض والحدود.
ما دور الضباط المنشقين؟
أعقب اندلاع الثورة السورية في عام 2011 انشقاقات في صفوف جيش نظام بشار الأسد، وانخرط العديد منهم في “الجيش السوري الحر” أو بقوا مبتعدين عن الدخول في مجموعة مسلحة. وبعد سقوط النظام شكّلت وزارة الدفاع لجانًا مختصة لاستقبال طلبات الضباط المنشقين وتنظيم بياناتهم وفق الرتب والاختصاصات ومعايير محددة، إلى جانب استدعاء المنشقين والمسرَّحين لأسباب أمنية أو سياسية.
تولي وزارة الدفاع أهمية لإعادة دمج الضباط المنشقين لما يمتلكونه من خبرات عسكرية ومعرفية متراكمة، وبدأت الدفاع بتعيين عدد منهم في مواقع قيادية ضمن خطة شاملة للاستفادة من كفاءاتهم في بناء الجيش السوري الجديد، مع دراسة مستمرة لإجراء تعيينات إضافية وفق الحاجة ومتطلبات المرحلة المقبلة. ووفق الوزارة، بلغ عدد العاملين من الضباط المنشقين ضمن صفوف الجيش السوري أكثر من 2000 ضابط من أصل 3500 تمت مقابلتهم.
من جانبه، أشار الباحث المختص في الشؤون العسكرية رشيد حوراني إلى أنه تم تعبئة 85% من الضباط المنشقين في الإدارات والوحدات العسكرية التي تتناسب مع تخصصاتهم العسكرية، وسيكون دورهم في التنظيم والتدريب. بينما يرى الباحث والصحفي في “المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع” (مسداد) معتز السيد، أن هناك مشكلة في استيعاب بعض المنشقين ممن قضوا خارج الخدمة لفترات طويلة، أو تجاوزوا السن القتالية أو فقدوا التأهيل الدوري، الأمر الذي يجعلهم في مكانة شبه رمزية وليست قيادية فعليًا، ويقتصر دورهم على المساهمة بالتدريب والتطوير وتوجيه خبراتهم للمجال الإداري واللوجستي والإشراف العملياتي.
التمثيل النسائي في الجيش
تطوعت المرأة السورية في الكليات العسكرية لأول مرة في عام 1981، وجاء ذلك خلال خطاب الرئيس السوري الأسبق، حافظ الأسد، في حفل تخريج الدورة الثالثة مظلات. وانضمت المتطوعات للتدريب في الكلية الحربية الخاصة بالضباط الذكور خلال عامي 1981 و1987 حتى افتتاح الكلية العسكرية للإناث، ولم تظهر أي أدوار قتالية لهن قبل عام 2011.
وخلال سنوات الثورة السورية حدثت تغيرات كبيرة، وأدى النقص الحاصل في الكوادر البشرية لزيادة وتيرة تطويع الفتيات. وحول وجود النساء في الجيش السوري الجديد، بيّن المكتب الصحفي لوزارة الدفاع، أن الوزارة ترى أن للمرأة دورًا محوريًا في المجتمع السوري عبر جميع المجالات، ويجري العمل على تطوير برامج تأهيل وتدريب تتيح لها المشاركة في المهام الطبية والإدارية والفنية.
في هذا الصدد، فتحت وزارة الدفاع باب التعاقد مع الكوادر الأكاديمية من خريجي الهندسات والكليات والمعاهد لانخراطهم في العمل ضمن صفوف الوزارة. أما وجودها ضمن الوحدات المقاتلة فهو ليس ضمن خطة الوزارة حاليًا. بينما يرى الباحث والصحفي في “المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع” (مسداد) معتز السيد، أن تمثيل النساء في الجيش السوري الجديد يكاد يكون شبه معدوم، باستثناء حالات محددة مثل بعض المهام الإدارية أو بعض الوظائف المساندة.
وفتح باب التطوع مؤخرًا في محافظة اللاذقية للنساء، وتعد خطوة أولى، خصوصًا مع بدء المفاوضات بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على آلية دمج الجيش. وبات هناك سؤال يطرح حول إمكانية نقل أو استيعاب هذه الكتلة من النساء المقاتلات إلى الوحدات النظامية، إذ يمكن الاستفادة من كوادر نسائية مدنية مدرّبة في مجالات الإسعاف والطب وتكنولوجيا الاتصالات العسكرية والمشاركة في وحدات مدنية عسكرية، تدعم القواعد الخلفية للجيش، وفق السيد.
أما الباحث المختص في الشؤون العسكرية رشيد حوراني، فأشار إلى أن نظام الأسد كان يطوع الفتيات في الجيش كـ”ديكور”، وتخصصاتهن لا تستدعي أن يحملن رتبة عسكرية، فمثلًا مهندس ميكانيك يمنحه رتبة، أما اليوم فأصبح الأمر مباشرًا، ويتم توظيف صاحب الكفاءة العلمية بوظيفته دون رتبة، بمن فيهم النساء، ومن الممكن أن تشغل النساء الأدوار الإدارية والتكنولوجية.
تدريبات بالذخيرة الحية للقوات الخاصة التابعة للفرقة 42 في الجيش السوري – 27 تموز 2025 (وزارة الدفاع)
تحديات الدمج
أيديولوجيا “قسد” والجهاديون الإسلاميون
تنتظر هيكلة الجيش السوري الجديد عدة ملفات متشابكة، فالمؤسسة التي اعتمدت في بنيتها على فصائل متعددة، وكانت متناحرة فيما بينها في وقت من الأوقات، ثم تجمعت في بوتقة واحدة بعد سقوط النظام، ما زالت أمامها قضايا بالغة الحساسية والتعقيد. أبرز هذه الملفات، اندماج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ضمن جيش متعدد المشارب والخلفيات العقدية، لا سيما بوجود مقاتلين أجانب ضمن القوات التي تسيطر على شمال شرقي سوريا، وما عرف بتسمية “المهاجرين” ضمن فصائل المعارضة.
إضافة إلى ذلك، العقيدة الجهادية الإسلامية، التي كانت تعتنقها الكثير من فصائل المعارضة، أبرزها “هيئة تحرير الشام” (نواة الجيش السوري الحالي) فضلًا عن الخلفيات المتشددة لدى الكثير من “المهاجرين” وحتى بعض “الأنصار” (المقاتلون السوريون). بالمقابل، تستند “قسد” والفصائل المنضوية تحتها إلى أسس يسارية وقومية، هي أقرب إلى اللادينية، كما تضمّ مقاتلين أجانب، معظمهم من أكراد تركيا. وفي هذا الصدد، تثار الأسئلة حول إمكانية دمج الكيانين، ذوي الاتجاهات الفكرية المتناقضة، ضمن مؤسسة عسكرية واحدة وطنية.
المقاتلون الأجانب.. نقاش محلي ودولي
ملف المقاتلين الأجانب هو أحد أعقد الملفات أمام الإدارة السورية الجديدة، ونال نصيبًا من النقاشات والمفاوضات بين الحكومة وأطراف دولية، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. محليًا لم يشكل المقاتلون الأجانب توترات على صعيد واسع بعد سقوط النظام، باستثناء اتهامات طالتهم بالضلوع في أحداث الساحل والسويداء، التي تخللتها أعمال عنف طائفية. وعلى المستوى الدولي، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية شروطًا تتعلق بوجود المقاتلين الأجانب ضمن مفاصل الدولة الحديثة، في بداية مسار التطبيع بين دمشق وواشنطن، إلا أن الأخيرة وافقت على دمجهم مشترطة الشفافية.
وفي الأيام القليلة الماضية، برزت قضية المقاتلين الأجانب، بعد حادثة مخيم المقاتلين الفرنسيين، بقيادة عمر أومسن في إدلب شمالي سوريا، والتي سرعان ما انتهت باتفاق بين الحكومة وفصيل “الغرباء”، إلا أن الحادثة تشي بأن بعض هؤلاء ما زالت لديهم تطلعات “فوق وطنية”. وبالرغم من أن أعدادهم غير كبيرة، مقارنة بالعدد الإجمالي للجيش، إذ تشير تقارير إعلامية إلى أن أعدادهم تقارب 5000 عنصر من جنسيات متعددة، فإنهم شكلوا ثقلًا وازنًا خلال سنوات الثورة، وفي عملية “ردع العدوان” التي أطاحت بحكم الأسد. ودمجت الحكومة السورية المقاتلين الأجانب ضمن فرق عسكرية، أبرزها فرقتا “82” و”84″ وفق ما رصدته عنب بلدي. وينحدر المقاتلون الأجانب من عدة جنسيات، أبرزها من بلاد القوقاز والجمهوريات الروسية، إضافة إلى أقلية “الأويغور” الصينية، الذين ينضوون ضمن “الحزب الإسلامي التركستاني”.
“قسد”.. ثلاث فرق نحو الاندماج
ضمن الاتفاق بين الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قسد”، مظلوم عبدي، في 10 آذار الماضي، يجري العمل على دمج مؤسسات الأخيرة العسكرية والمدنية ضمن مؤسسات الدولة. ومنذ بدء مساء المفاوضات، برزت عدة عقبات على الواجهة، منها تمسك “قسد” بالاحتفاظ بهيكليتها ودمجها كتلة واحدة ضمن الجيش، بينما تصر الحكومة على دخولها كأفراد.
في 7 تشرين الأول، جرى اللقاء الثاني بين الشرع وعبدي، إضافة إلى لقاء آخر مع وزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، نتج عنه حديث مبدئي عن دمج ثلاث فرق ضمن الجيش الجديد. وبحسب حديث سابق للباحث السياسي بسام السليمان، اشترطت الحكومة السورية تقديم قوائم بأسماء الفرق الثلاثة، مؤكدًا وضع قيادات بالاتفاق بين الجانبين، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن ذلك يشي بتنازل من دمشق عن اشتراط الدخول كأفراد.
بالمقابل، أشار السليمان حينها إلى وجود تيارات ضاغطة، من حزب “العمال الكردستاني” (PKK) التي تتهم “قسد” بالتبعية له، لعرقلة مسار التفاوض. “قسد” نشأت عام 2015، وتشكل “وحدات حماية الشعب” و”حدات حماية المرأة” العمود الفقري لها، وهي تشكيلات ذات خلفيات يسارية، ولها بعد قومي تركي، بامتداد واضح إلى حزب “العمال الكردستاني”. كما أن “قسد” والتشكيلات التابعة لها تحتوي على مقاتلين غير سوريين، معظمهم من تركيا، وأعداد أخرى من العراق وإيران.
من جانبه، ربط قائد “قسد” في تصريحات سابقة لوكالة “رويترز” نشرتها في 19 كانون الأول 2024، خروج المقاتلين الكرد الذين جاؤوا إلى سوريا من أنحاء الشرق الأوسط لدعم قواته بالتوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار مع تركيا. وبعد اتفاق 10 آذار، لم يتم التطرق إلى مصير هؤلاء المقاتلين، الذين جاؤوا بدوافع قومية.
عرض عسكري للواء خالد بن الوليد – 27 كانون الأول 2024 (رويترز)
توزيع الوحدات القتالية
خطة تضمن سرعة الاستجابة والجاهزية
قبل اندلاع الثورة السورية، صاغت الاستراتيجية العسكرية السورية في عهد الأسد خطتين رئيستين لمواجهة التهديدات المحتملة. تمثّل السيناريو الأول في احتمال نشوب حرب مع إسرائيل، وهو ما استدعى تمركز نصف الجيش السوري تقريبًا بشكل دائم في جنوبي البلاد، مع دعم هذه القوات بوحدات إضافية من مناطق أخرى. أما السيناريو الثاني، فافترض حربًا على جبهتين، ضد إسرائيل في الجنوب، وضد قوات أمريكية محتملة قادمة من العراق شرقًا.
ولمواجهة هذا الاحتمال، ركزت الخطط الدفاعية على حماية المراكز السكانية والاقتصادية والسياسية الأهم في البلاد، وهي دمشق وحماة وحمص وحلب، إضافة إلى الجبهة مع إسرائيل، في حين تم تجاهل الصحراء الشرقية شبه الخالية من السكان باعتبارها منطقة يمكن التخلي عنها دون قتال واسع.
أفاد المكتب الصحفي في وزارة الدفاع السورية بأن انتشار الجيش السوري الجديد يتمركز ضمن خطة تنظيمية مدروسة تغطي مختلف المحافظات، بما يضمن سرعة الاستجابة والجاهزية الميدانية. وتم في التوزيع الجغرافي مراعاة وجود قواعد رئيسة في المناطق الاستراتيجية، مع إنشاء نقاط انتشار وتجنيد في مراكز المحافظات.
ويرى المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد أنه من غير المحمود أن تكون القوات موزعة كما كانت في عهد الأسد، لأنها كانت موزعة للسيطرة على المناطق والسكان المحليين فيها، وضمان السيطرة على أي انتفاضة أو تمرد على النظام القديم. ويعتقد الأسعد أن التوزع الجديد يجب أن يكون استنادًا إلى الاتجاهات الأربعة التي هي أكثر احتمالًا لتوغل قوات مشبوهة، وهجوم خارجي على البلد، وهناك أسس تكتيكية وأسس استراتيجية يعتمد عليها انتشار هذه القوات.
فيما يرى المحلل العسكري العميد أحمد حمادة أن تنظيم القوات العسكرية اليوم مأخوذ من توزيع القوات بناء على ما يواجه البلاد في المرحلة الحالية، كوجود قوات في شرق الفرات وفي حلب وفي دمشق، لأنه حتى الآن لم يتم إعداد الجيش بشكل طبيعي، ولم تتحدد وظيفته وعقيدته القتالية، ولم يصنف عدوه بعد، وبالتالي توزيع اليوم يتماشى مع وجود فلول النظام، وقوات انفصالية في بعض المواقع، لذلك توجد هذه القوات من أجل ضبط هذه الحركات الانفصالية أو فلول النظام وللحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
ما بعد التشكيل.. الميثاق والتوزيع
أصدرت وزارة الدفاع السورية ميثاقًا للمجندين في الجيش السوري الجديد، بعد إعلان الوزارة، بشكل شبه كامل، اندماج الفصائل في الجيش. ويهدف هذا الميثاق، الذي أصدرته الوزارة في 30 أيار الماضي، إلى “ترسيخ قيم الانضباط والالتزام واحترام القانون وصون الحقوق والحريات لبناء جيش وطني محترف”. وتتمثل مهمة الجيش الأساسية في “حماية الوطن والمواطن، والدفاع عن سيادة البلاد، ووحدة التراب، والتصدي لكل ما يهدد الأمن والاستقرار”.
“ميثاق المجندين” واجبات أساسية للعسكري، هي:
- الدفاع عن الوطن وسيادته ووحدة أراضيه.
- التضحية في سبيل أمن الوطن والمواطن.
- حماية المدنيين ولا سيما النساء والأطفال في جميع الظروف.
- الالتزام بتنفيذ الأوامر المشروعة.
- احترام القوانين المدنية والعسكرية.
- صون الممتلكات العامة والخاصة، والتعامل مع المواطنين بكرامة دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الانتماء.
- مراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني في التعامل مع العدو من قتلى وجرحى وأسر في أثناء تنفيذ المهام.
- احترام التسلسل العسكري والانضباط الداخلي.
أكد وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، أن تصرفات أي عامل في القوات المسلحة تنعكس بالضرورة على الجيش بأكمله، وكان من الضروري إعداد لائحة تتضمن الواجبات والمحظورات التي ترسم قواعد السلوك والانضباط العسكري، والتي يجب على كل العاملين في الجيش احترامها والالتزام بها.
أعلنت وزارة الدفاع السورية، ابتداء من مطلع العام الحالي، عن سلسلة من الخطوات التنظيمية الغاية منها استعادة الانضباط العسكري، ودمج الفصائل المسلحة تحت مظلتها، وتشكيل هيكلية موحدة تُعيد تفعيل المؤسسة العسكرية بوصفها العمود الفقري للسيادة الوطنية. وعقدت اجتماعات مع أكثر من 130 وحدة عسكرية وفصيلًا، بالإضافة إلى لجان عليا لتنظيم بيانات الموارد البشرية، كما عملت على صياغة نظام داخلي حديث للوزارة يعيد ضبط العلاقة بين الإداري والعسكري.
ورافق ذلك الإعلان رسميًا عن إلغاء التجنيد الإجباري، والانتقال إلى نموذج جيش طوعي- اختياري، قائم على معايير دقيقة لاستيعاب المتقدمين مع اهتمام متزايد باستقطاب حملة الشهادات العلمية والتقنية لتعزيز البنية المعرفية والتكنولوجية للجيش. كما ألغت كل المسميات السابقة للفصائل، ودمجتها ضمن 25 فرقة عسكرية، يجري العمل على تثبيتها وتوزيعها جغرافيًا في المحافظات. واستحدثت دائرة التوجيه المعنوي، وأُنشئت نحو عشر كليات جديدة لتأهيل الضباط وضمان استيعاب الكفاءات العائدة أو المنضمّة حديثًا.
نظام داخلي يضبط السلوك العسكري
أوضح المكتب الصحفي في وزارة الدفاع السورية أن الوزارة شكلت لجنة بقرار من وزير الدفاع، تضم ضباطًا منشقين وقانونيين وحقوقيين لإعداد “كرّاس” يتعلق بالنظام الداخلي للجيش العربي السوري وأنظمة الخدمة. وتعمل الوزارة، وفقًا لأحكام الإعلان الدستوري والقوانين العسكرية النافذة، وقواعد السلوك والانضباط العسكري، إضافة إلى اللوائح التنفيذية والقرارات الصادرة عن وزارة الدفاع التي تنظم شؤون الخدمة والانضباط والإدارة.
أشار المحلل العسكري العميد عبد الله الأسعد إلى أن الأسس التنظيمية لوزارة الدفاع تُسجل ضمن أنظمة الخدمة. هذه الأنظمة هي التي تحدد الأطر والأسس العسكرية، والتسلسل العسكري للضباط، والممنوعات والمحظورات، وقواعد الأنظمة العسكرية والقاعدة السلوكية، وهو ما أعلنت عنه وزارة الدفاع السورية سابقًا. وأضاف العميد الأسعد أن التسلسل العسكري من أهم النقاط التي ينبغي مراعاتها، والتقيّد بالنظام والسلوك العسكري، لأن قوة الجيش في انضباطه، ويجب أن يحوز القائد طاعة مرؤوسيه التامة دون تردد أو تمرد.
أوضح المحلل العسكري العميد أحمد حمادة أن من المفترض أن تكون لكل مؤسسة عسكرية أنظمة خدمة، كالقوى الجوية والبحرية والبرية، ولكن الكل يتبع للقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، التي تقوم بتوزيع المهام والوظائف القتالية. وتشرف إدارة العمليات في هيئة الأركان على تنفيذ هذه اللوائح عن طريق قادة الفرق، وقادة الفيالق، وقادة الألوية، والوحدات الفرعية والرئيسة.
وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة يلتقي طلابًا من الوزارة قبل ابتعاثهم إلى تركيا والسعودية – 22 تشرين الأول 2025 (وزارة الدفاع)
نقاط القوة والضعف في الجيش الجديد
أشار الباحث والصحفي في المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع (مسداد) معتز السيد، إلى أن نقاط القوة لدى وزارة الدفاع تكمن في أنها عملت على توحيد القيادة والسيطرة من خلال دمج الفصائل والمجموعات المسلحة في هيكلية واحدة تحت إشراف مركزي، ما يضمن ضبط السلاح ويعيد احتكار القوة للدولة، ويمهد لاستعادة الحد الأدنى من التماسك المؤسساتي لأي مؤسسة عسكرية. وأدرجت جميع العناصر والكوادر في قاعدة بيانات موحدة ما سيسهل من عمليات التخطيط الاستراتيجي، ويضمن الشفافية في توزيع المهام والترقيات، ويتيح سرعة رصد النواقص وسد الثغرات. وأصدرت قواعد سلوك جديدة، تشدد على احترام حقوق الإنسان، والنظام العام، والتزام الأوامر المشروعة، ما يعكس رغبة الوزارة في ربط الجيش بأخلاقيات وضوابط مهنية مواكبة للعصر.
بينما تتمثل نقاط القصور في عدة نقاط، وفق السيد، هي: وجود الولاءات المناطقية والفئوية لدى بعض الفصائل التي تحتفظ بجزء من هويتها التنظيمية ومن استقلاليتها العملية، مما يؤخر مشروع بناء الجيش الذي يطمح له السوريون. وعملية دمج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لا تزال عالقة، إذ إن هناك مطالب خاصة بآليات الدمج والحفاظ على مكتسباتها الخاصة مقابل شروط القيادة المركزية. وتوجد أزمة لدى الجيش السوري تكمن في التسليح، نتيجة تدمير البنية الاستراتيجية السابقة بفعل الحرب والضربات الإسرائيلية، وسط غياب شريك إقليمي ثابت لتسليح الجيش بشكل نوعي ومستدام.
الخبير ديفيد تشوتر:
لا استقرار بوجود جماعات مسلّحة مختلفة
في ظل نشوء مؤسسة عسكرية، تقوم على أنقاض جيش منحل، تبقى التساؤلات مطروحة حول طبيعة هذا الجيش الذي سيحوي المتناقضَين، من اليساريين العلمانيين، والأصوليين الجهاديين. يعتقد الخبير البريطاني في شؤون الدفاع وإصلاح قطاع الأمن الدكتور ديفيد تشوتر (Dr. David Chuter) أن البداية يجب أن تكون مما اعتبره الهدف الأهم، المتمثل باستقرار الدولة. وأضاف أنه لا يمكن لأي دولة أن تكون مستقرة إذا كانت هناك جماعات مسلحة مختلفة تتبع لزعامات مختلفة، خاصة إذا كانت لديها أيديولوجيات متباينة. وأضاف أن الأولوية هي أن تكون هذه القوات ضمن هيكل قيادة موحّد، يحظى بثقة من جميع الأطراف، حتى وإن كانت هذه الثقة محدودة.
الخطوة التالية، وفق الخبير الأمني، تشوتر، هي نزع القدرة لتلك القوات على التصرف بشكل مستقل تدريجيًا، وتعويدها على كونها جزءًا من منظمة واحدة. وأشار إلى أن الخطأ الأساسي، والذي يُرتكب كثيرًا، هو محاولة المضي بسرعة وبخطوات بعيدة في هذا الاتجاه، إذ يرى أن المعيار الأهم هو الوصول إلى وضع لا تُعتبر فيه الاشتباكات أو الأعمال العدائية بين القوات المختلفة أمرًا مُرجّحًا. ويعتقد أن هذا الأمر الأهم، مقارنة بمسائل العقيدة أو العقيدة العسكرية، والتي يمكن معالجتها لاحقًا.
كما لفت إلى مسألة تتعلق بالمقاتلين الأفراد أنفسهم، فيما إذا كانوا يريدون الاستمرار في الحياة العسكرية، مشيرًا إلى أن الكثير من هؤلاء الأفراد يرغبون فقط في العودة إلى ديارهم وبدء حياة جديدة، بعد انتهاء النزاعات، كما أن هنالك آخرين ربما خدموا سابقًا في الجيش، أو اكتسبوا ميلًا نحو الحياة العسكرية خلال القتال. وفي هذا السياق، يرى تشوتر أن من المهم اتخاذ قرار دقيق بشأن أمرين: الأول، ضمان تمثيل معقول لجميع الأطراف، بحيث لا يُنظر إلى الجيش الجديد على أنه تابع لطرف أو جماعة بعينها، في حين أن الأمر الثاني يتعلق بالتأكد من عدم وجود جماعات مسلحة من المقاتلين السابقين تجوب البلاد دون رقابة.
وتشير التجارب السابقة إلى أن من الأفضل الإبقاء على أكبر عدد ممكن من هؤلاء داخل الجيش الجديد، حيث يمكن مراقبتهم، بدلًا من تركهم خارجه، حيث يصعب تتبّعهم، بحسب تشوتر. وفي جميع الأحوال، ستكون لدى الحكومة الجديدة مشكلة مع الجماعات المسلحة، مهما كانت الإجراءات المتّبعة، بحسب تشوتر، وهو ما حصل مؤخرًا في قضية فصيل “الغرباء” الفرنسي، شمالي سوريا.
برأيي، فإن الأولوية هي تجنب المزيد من القتال أو انهيار الدولة، وذلك عبر إيجاد وسيلة لدمج الجماعات المسلحة المختلفة ضمن هيكل مشترك، وجعل العودة إلى القتال أمرًا صعبًا قدر الإمكان، بل وتقديم حوافز لها للتعاون.
أما الصعوبة الحقيقية، فتكمن في أن الأجانب، بأفكارهم الذكية، سيأتون إلى البلاد حاملين الأموال، وسيحاولون فعل الكثير بسرعة كبيرة.
د. ديفيد تشوتر
خبير أمني مستقل
وكان الخبير في شؤون الجماعات الجهادية عباس شريفة، أشار في تقرير سابق، إلى أن مصير المقاتلين الأجانب في سوريا يتعلق بأحد ثلاثة خيارات، الأول هو مغادرتهم إلى موطنهم الأصلي أو بلدان أخرى، والثاني بقاؤهم واندماجهم في المجتمع السوري. أما الخيار الثالث فيتعلق بالمقاتلين الأكثر تعصبًا، ورجح مغادرتهم إلى ساحات قتال أخرى، أو محاربتهم.