الجمعة, 8 أغسطس 2025 11:47 PM

زيارة هاكان فيدان إلى دمشق: تعاون أمني واستراتيجي بين تركيا وسوريا

زيارة هاكان فيدان إلى دمشق: تعاون أمني واستراتيجي بين تركيا وسوريا

في خطوة مفاجئة، زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، العاصمة السورية دمشق في 7 آب/أغسطس، حيث استقبله الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني. تعتبر هذه الزيارة الثالثة لفيدان منذ سقوط النظام السابق، وتضمنت أجندة واسعة تشمل ملفات التجارة والاستثمار والطاقة والنقل، بالإضافة إلى القضايا الأمنية التي كانت محور المباحثات.

أكد فيدان، في تصريحات بعد اللقاء، عزم أنقرة ودمشق على تعزيز التعاون في مختلف المجالات، مشدداً على دعم تركيا لتطلعات الشعب السوري ومساندته في بناء مستقبل أفضل. وأشار إلى استعداد تركيا لدعم الحكومة السورية في إدارة وتأمين المخيمات في شمال شرقي البلاد، بهدف تعزيز الاستقرار ومحاربة التنظيمات الإرهابية.

يرى محللون أن الزيارة تحمل أبعاداً أعمق، خاصة في ظل التطورات المتسارعة في الشمال السوري والتوترات المتعلقة بملف "الجزيرة السورية".

زيارة أمنية في ثوب سياسي

اعتبر المحلل السياسي التركي مهند حافظ أوغلو، في حديث لمنصة سوريا ٢٤، أن الزيارة ليست مجرد لقاء دبلوماسي، بل "زيارة أمنية تُقدَّم بثوب سياسي". وأوضح أن أنقرة تسعى من خلالها إلى إنهاء ملف "الجزيرة السورية" بأسرع وقت ممكن، في ظل تصاعد التهديدات الأمنية على الحدود الجنوبية لتركيا.

أشار حافظ أوغلو إلى أن التحضيرات التركية تتضمن خيارين: عملية عسكرية بالتنسيق مع دمشق، أو تحرك منفرد إذا لزم الأمر، بهدف منع أي تهديدات أمنية ناتجة عن نشاطات إرهابية داخل الأراضي السورية. وأضاف أن بقاء مناطق الجزيرة السورية تحت سيطرة النظام السوري يشكل تهديداً مباشراً للأمن الداخلي التركي ويؤثر سلباً على الاستقرار.

كما رأى أن المباحثات في دمشق تركز على الملفات الأمنية، وتعزيز التعاون السياسي في الموقف من إسرائيل، وصياغة سياسة خارجية منسقة بين البلدين، مرجحاً اتفاق دفاع مشترك قد يُعلن قريباً.

وفي تحليله للأبعاد الإقليمية، أوضح حافظ أوغلو أن التحركات التركية تهدف إلى "قطع الطريق على إسرائيل وإيران"، اللتين لا ترغبان في استقرار سوريا وتسعيان لإبقاء الوضع متأزماً لخدمة مصالحهما. ويرى أن تركيا تعتبر تعزيز استقرار سوريا ضرورة أمنية وطنية.

سياق سياسي وأمني متشابك

تأتي زيارة فيدان بعد تصريحات للمتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، عمر تشليك، الذي انتقد محاولات التحايل على الاتفاق المبرم بين دمشق و"قسد"، والمتضمن نزع سلاح الأخيرة وتسليم آبار النفط ودمج مقاتليها ضمن الجيش السوري خلال عام. واعتبر تشليك أن هناك "مماطلة واضحة" ومحاولات تستهدف وحدة سوريا وسيادتها.

كما أكد مصدر في وزارة الدفاع التركية أن "قسد" لا تلتزم بالاتفاقية، وأن الاشتباكات الأخيرة بينها وبين القوات الحكومية في محيط منبج وحلب تضر بالوحدة السياسية وسلامة الأراضي السورية.

دعم مشروع "سوريا الجديدة" وتنسيق إقليمي

يرى الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، أن الزيارة تحمل رسالة دعم واضحة من أنقرة للرئيس أحمد الشرع ولسياساته في بناء ما يسميه "سوريا الجديدة". وأوضح أن التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد تتراوح بين مشاكل داخلية وتهديدات إسرائيلية متزايدة.

وحسب علوش، تهدف الزيارة إلى تنسيق الموقف مع دمشق بشأن ملفات عالقة، وعلى رأسها الوضع في الشمال السوري، حيث تسعى تركيا لخفض التوتر مع الحكومة المركزية، وترسيخ مشهد أمني مستقر يمنع أي محاولة لتجاوز الاتفاقيات القائمة.

وأشار علوش إلى "تشكل تحالف الأقليات"، الذي يُنظر إليه على أنه محاولة لمواجهة النظام الجديد في دمشق. وتعتبر تركيا استقرار سوريا مصلحة استراتيجية لها، وأن علاقتها مع الحكم الجديد تكتسب أهمية متزايدة في رؤيتها الأوسع للمنطقة، من خلال الحد من التدخلات الخارجية، خاصة الإسرائيلية.

كما أكد أن التعاون العسكري والأمني بات ركيزة أساسية في الشراكة الناشئة بين البلدين، مشيراً إلى أن دمشق طلبت رسمياً دعماً من أنقرة في مكافحة الإرهاب وتعزيز القدرات الدفاعية. ويخلص علوش إلى أن الزيارة قد تمثل خطوة متقدمة نحو تعميق التعاون الثنائي وتعزيز الاستقرار السوري على المدى الطويل.

نحو مرحلة جديدة؟

بين الرسائل الأمنية الواضحة التي تحدث عنها مهند حافظ أوغلو، والرؤية الإقليمية الأوسع التي طرحها محمود علوش، تبدو زيارة هاكان فيدان إلى دمشق محاولة لفتح صفحة جديدة في العلاقات السورية–التركية، قائمة على مزيج من الحسابات الأمنية والمصالح السياسية.

وإذا ما تحققت المؤشرات التي تحدث عنها الطرفان، فإن المرحلة المقبلة قد تشهد تحولات مهمة في مسار التعاون بين أنقرة ودمشق، بدءاً من الشمال السوري، مروراً بالتنسيق الأمني، وصولاً إلى اتفاقات استراتيجية قد تغيّر شكل التحالفات الإقليمية.

مشاركة المقال: