يشهد ريف دير الزور الغربي ارتفاعًا ملحوظًا في حالات الإسهال المائي، بالتزامن مع تزايد حالات الكوليرا المشتبه بها منذ منتصف آذار الماضي، وقد تفاقم الوضع بشكل خاص في نهاية أيار وبداية حزيران الماضيين.
هذا الارتفاع دفع مستشفى "الكسرة" العام إلى تخصيص قسم خاص لعزل وعلاج المرضى، وذلك بدعم وتوجيه من منظمة "IMC" الدولية.
يضم قسم العزل أكثر من 30 مريضًا، ويركز الكادر الطبي على تقديم الرعاية الأولية، والتي تشمل تقييم مستوى الجفاف والتغذية، بالإضافة إلى مراقبة وجود الحمى لدى المرضى. وفي حال عدم تحسن الحالة، يتم إحالة الحالات التي تتطلب رعاية متقدمة إلى مراكز طبية أكبر في الرقة أو دير الزور، شمال وشرقي سوريا.
استقبل مستشفى "الكسرة" العام أكثر من 30 حالة منذ مطلع الأسبوع الماضي، قادمة من بلدات الزغير وحمار الكسرة وحمار العلي، بالإضافة إلى بلدة الكسرة بشكل أساسي، والهرموشية، وذلك بحسب الكادر الطبي الموجود داخل المشفى.
يتعامل الأطباء مع حالات الإسهال المائي على أنها اشتباه بالكوليرا، وقد تم إخطار المنظمات المعنية ومنظمة الصحة العالمية بهذا الشأن. وعلى الرغم من أن بعض المسحات أظهرت نتائج إيجابية تؤكد الإصابة، يواجه المستشفى تحديًا كبيرًا بسبب نقص "كيتات" فحص البراز اللازمة لتأكيد التشخيص بشكل قاطع، ما يجعل الاعتماد على الأعراض والمسحات الأولية ضروريًا.
وفي سياق الوضع الصحي بالمنطقة، أشار الصيدلاني خضر الدهوش إلى ارتفاع أسعار الأدوية ونقص بعض الأنواع، ما يدفعهم لتقديم العلاج الإسعافي، وتحويل الحالات التي تتطلب علاجًا خاصًا إلى المستوصفات والمستشفيات المدعومة التي توفر الدواء مجانًا. وتلقي هذه الظروف بظلالها على الأهالي، الذين يواجهون صعوبة في تحمل تكاليف العلاج المرتفعة.
إبراهيم الجميل، أحد المرضى، عبر عن هذا التحدي قائلًا: "أنا مريض، ولا أستطيع تحمل تكاليف العلاج الباهظة في الصيدليات الخاصة"، معربًا عن أمله في توفير الأدوية الأساسية مجانًا بشكل أكبر، ومؤكدًا أن "المرض لا ينتظر".
ويؤكد الكادر الطبي في مستشفى "الكسرة" على ضرورة تعزيز الوعي الصحي، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي في هذه المناطق للحد من انتشار المرض، خاصة مع استمرار تلوث مياه الشرب.
الطبيب أكرم خولاني، اختصاصي طب الأسرة، وعضو "الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة" (AAFP)، أوضح في تقرير سابق أن الكوليرا هي عدوى جرثومية تصيب الأمعاء الدقيقة نتيجة ابتلاع كمية كبيرة من الجراثيم. وأضاف أن بعض الجراثيم تُقتل بواسطة أحماض المعدة، بينما يستقر بعضها في الأمعاء ويتكاثر، منتجًا سمومًا تؤدي إلى طرح كميات كبيرة من الماء والأملاح، مسببة إسهالًا مائيًا شديدًا.
وأشار إلى أن العدوى تنتقل عبر تناول أطعمة مكشوفة أو مشروبات ملوثة، أو مياه غير صالحة للاستخدام، لا سيما عند تسرب مياه الصرف الصحي إلى شبكات الشرب أو تلوث الخزانات. وتظهر حوالي 20% من الحالات المصابة أعراضًا شديدة مثل الإقياء والإسهال، ما قد يؤدي إلى جفاف حاد يسبب الوفاة في نصف الحالات إذا لم يُعالج، بينما تنخفض الوفيات إلى أقل من 1% مع العلاج المناسب.
يشهد القطاع الطبي في ريف دير الزور، بالقسم الخاضع لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، نقصًا حادًا في جميع المستلزمات والخدمات. وبحسب مصادر من المنطقة، تفتقر المستشفيات والمراكز الطبية هناك إلى الأجهزة الطبية الأساسية، ما يعوق قدرتها على تشخيص وعلاج الأمراض بفعالية. كما يوجد فقدان شبه كلي للعديد من الأدوية الضرورية، ما يضع حياة المرضى على المحك ويجعل حتى أبسط العلاجات غير متوفرة. الأزمة لا تتوقف عند حدود المعدات والأدوية، بل تمتد لتشمل نقصًا حادًا في الكوادر الطبية المتخصصة، حيث يعاني الريف من شح في الأطباء والممرضين والفنيين.
عنب بلدي