يواجه الفلاحون في الشمال السوري أوضاعًا معيشية صعبة نتيجة للجفاف والتغيرات المناخية، بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية وارتفاع تكاليف الإنتاج. وقد انعكس هذا الوضع بشكل مباشر على أسعار الخضروات والمنتجات الزراعية الصيفية، وذلك في ظل انهيار اقتصادي عام يؤثر على جميع السوريين.
تشهد أسواق الشمال السوري ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الفواكه والخضار، مما يضعف القدرة الشرائية للمواطنين. وتزداد التحديات أمام سكان المنطقة في ظل الدمار الواسع والركود الاقتصادي الذي تعيشه. ووفقًا لمراسل حلب اليوم، فقد وصل سعر الكيلو الواحد من البندورة إلى حوالي 15 ليرة تركية (ما يعادل 36 سنتًا)، وهو سعر مرتفع جدًا مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطنين والأسعار المعتادة في مثل هذا الوقت من العام.
كما وصل سعر كيلو الخيار الواحد إلى ما بين 15 و 20 ليرة تركية، وسعر كيلو البطيخ الأصفر إلى 20 ليرة تركية. أما البطيخ الأحمر، فقد انخفض سعره مؤخرًا إلى 6 – 7 ليرات للكيلو الواحد. في حين بقي سعر الذرة الصفراء ثابتًا عند 20 ليرة للكيلو. ويباع التين بنحو 50 ليرة تركية (ما يعادل 1.25 دولارًا أمريكيًا)، و’العجور’ أو ‘القتة’ بنحو 25 ليرة تركية، ويبلغ سعر كيلو الكوسا أيضًا حوالي 20 ليرة تركية.
يقول أبو محمود العبد، وهو تاجر خضار في إدلب شمال غربي سوريا، إن السبب الرئيسي في هذا الارتفاع يعود إلى انخفاض المعروض مقابل الطلب. وأشار إلى أن الإنتاج الزراعي في سوريا قد تراجع بشكل كبير بسبب الحرب، وخاصة في هذه المنطقة التي شهدت تهجيرًا للسكان والاستيلاء على أراضيهم، بالإضافة إلى الجفاف الذي يضرب المنطقة هذا الموسم.
من جانبه، أوضح أبو محمد، وهو مزارع من ريف إدلب الشرقي، أن ارتفاع سرعة الرياح خلال فصل الصيف الحالي قد أضر بمواسم الخضار في المنطقة، وهو ما يضاف إلى المشاكل الأخرى التي تعاني منها الزراعة. فالخضروات تحتاج إلى رياح معتدلة وجو حار ضمن المعدلات الطبيعية، إلا أن الصيف الحالي شهد ارتفاعات كبيرة في درجات الحرارة مع رياح نشطة، مما تسبب في تراجع كبير في مختلف المواسم.
ويضاف إلى ذلك الجفاف الذي أصاب المنطقة في فصل الشتاء، والذي لا تزال تبعاته مستمرة حتى اليوم. فالمزروعات تحتاج إلى الندى في الصباح الباكر حتى تنمو بشكل جيد، وهو ما لا يمكن تعويضه بالري وحده، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء واضطرار المزارعين إلى اللجوء إلى الطاقة الشمسية.
يشير أبو محمد إلى أن تكاليف الري بالطاقة الشمسية قد تبدو مجانية، إلا أنها تتطلب الكثير من الأموال لإنشائها. فعلى سبيل المثال، دفع هو ما يعادل نحو 15 ألف دولار أمريكي ليتمكن من ري مزروعاته، وهو ما يعني بالضرورة ارتفاع أسعار المنتجات حتى يتمكن من تغطية التكاليف.
كما ارتفعت تكاليف الإنتاج بسبب زيادة أسعار الأسمدة والمبيدات الحشرية والمحروقات وتكلفة النقل، وذلك في ظل تدهور البنية التحتية. ويؤكد العبد، تاجر الخضار، أن هذا الوضع يسبب زيادة في الأعباء المالية على الأسر السورية، وخاصة الأسر ذات الدخل المحدود والأسر التي تكافح للعودة من رحلة التهجير الطويلة، وذلك في ظل ارتفاع معدلات الفقر وتراجع الأمن الغذائي.
ويرى العبد أن على الحكومة دعم الإنتاج الزراعي من خلال توفير متطلباته بأسعار معقولة، مثل الأسمدة والمبيدات، وفي مقدمة ذلك توفير مياه الري. وفي حين يساهم الإنتاج المحلي بشكل كبير في توفير احتياجات السوق، يتم تصدير بعض الأنواع إلى الخارج، كما تعتمد السوق المحلية على الاستيراد بشكل كبير أيضًا. إلا أن عودة حركة التبادل التجاري بين المدن والبلدات السورية كان لها دور بارز في تزويد الأسواق بتلك المنتجات.
وتتمتع سوريا بتنوع كبير في المناخات، مما يتيح إنتاج مجموعة واسعة من الخضار والفواكه، مثل التفاح والبرتقال والعنب والرمان والعديد من الحمضيات والفواكه الاستوائية. كما تتم زراعة أنواع متعددة من الخضار مثل البطاطا والبندورة والفلفل والكوسا والباذنجان، وهو ما يساهم في تأمين احتياجات السوق من هذه السلع الأساسية.
يذكر أن تجارة الخضار والفواكه في سوريا قد شهدت انتعاشًا مع انخفاض واضح في الأسعار في عموم سوريا، عقب سقوط الأسد، لكن الوضع في الشمال السوري لم يتغيّر.