شهدت سوريا خلال الأسبوع الأخير من شهر تموز عمليات أمنية مكثفة نفذتها قوات الأمن الداخلي، أفضت إلى اعتقال عدد من القياديين البارزين في النظام السابق، وذلك في مناطق حلب واللاذقية وحمص. تأتي هذه الإجراءات بعد أيام من إعلان لجنة التحقيق عن نتائج تقريرها المتعلق بأحداث الساحل السوري في 22 تموز، والتي اندلعت مطلع آذار الماضي، ووُصفت بأنها الأعنف منذ سنوات.
أسفرت المواجهات عن مقتل المئات من العسكريين والمدنيين، وتخللتها عمليات حصار وهجمات مسلحة واسعة النطاق، وتبادل الأطراف المتنازعة الاتهامات بارتكاب انتهاكات خطيرة. وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد شكّل لجنة خاصة لتوثيق هذه الأحداث، والتي أكدت أنها توصلت إلى قوائم تضم مئات المشتبه بهم، من بينهم عناصر من مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، وآخرون من القوات الحكومية، الأمر الذي وضع السلطات أمام تحدي التعامل مع هذه النتائج بحيادية وشفافية.
أبرز العمليات
في حلب، ألقت قيادة الأمن الداخلي القبض على اللواء الطيار عماد نفوري، الرئيس السابق لأركان القوى الجوية، أثناء محاولته استخراج أوراق مزوّرة بهدف الفرار خارج البلاد. يُذكر أن اسم نفوري ارتبط بقصف العديد من المدن والبلدات، وخلفت طلعاته الجوية مئات الضحايا، مما جعله من بين أبرز المطلوبين.
وفي اللاذقية، اعتقلت قيادة الأمن الداخلي مالك علي أبو صالح، قائد ما سُمي بـ "غرفة عمليات الساحل"، الذي قام بالتخطيط لهجمات استهدفت مواقع الجيش والقوى الأمنية خلال أحداث آذار. كما تم توقيف الوضاح سهيل إسماعيل، المتهم بقيادة هجمات مسلحة في جبلة ومحيطها. ووفقًا لتصريحات قائد الأمن الداخلي في المحافظة، العميد عبد العزيز هلال، كشفت التحقيقات عن وجود تنسيق مباشر بين هذه المجموعات وقيادات عسكرية سابقة، من بينهم ماهر الأسد وسهيل الحسن، بالإضافة إلى دعم لوجستي من "حزب الله" اللبناني.
أما في حمص، فقد ألقت القوات الأمنية القبض على أحمد عابد الفرج، أحد عناصر الميليشيات التابعة للنظام السابق، والمتورط في عمليات قتل وتعذيب ممنهجة بحق المدنيين.
تحقيق السيطرة في الساحل
اعتبر الخبير العسكري العقيد أحمد حمادي أن هذه الاعتقالات تمثل تحولًا في مقاربة الأجهزة الأمنية، ويرى أن الحكومة انتقلت إلى مرحلة "العمل الميداني الدقيق"، الذي يعتمد على الرصد وجمع المعلومات قبل التنفيذ. وأضاف أن اعتقال شخصيات مثل نفوري وأبو صالح يعزز ثقة السكان في قدرة الدولة على إحكام السيطرة، كما يثبت أن العدالة تشمل الجميع، بغض النظر عن مناصبهم السابقة. ويرى الخبير العسكري أن هذه الإجراءات تمهّد لمرحلة جديدة تهدف إلى تقليص نفوذ المجموعات المسلحة وإعادة الاستقرار إلى الساحل، بعد الانتهاكات التي شهدها في آذار الماضي.
لا يقتصر تأثير هذه العمليات على الساحل وحده، بل يتجاوز ذلك إلى المشهد السوري عمومًا، حيث تتابع القوى السياسية والعسكرية داخل سوريا وخارجها خطوات السلطات بعد إعلان نتائج لجنة التحقيق، ويزداد الاهتمام مع سلسلة الاعتقالات الأخيرة التي طالت قياديين بارزين. تحاول الدولة عبر هذه الإجراءات إظهار قدرتها على فرض القانون ومحاسبة المتورطين، بحسب الخبير العسكري، لكن تحقيق الاستقرار يحتاج إلى تحويل الملفات إلى مسار قضائي واضح، وهذا المسار وحده يمكن أن يضمن العدالة ويمنع عودة الفوضى.
نتائج تحقيق الساحل
جاءت هذه الاعتقالات بعد أيام قليلة من إعلان لجنة التحقيق في أحداث الساحل تقريرها النهائي، الذي وثّق مقتل 1426 شخصًا، واتهم 265 فردًا من مجموعات مسلحة متمردة و298 عنصرًا من القوات الحكومية بارتكاب انتهاكات واسعة. التقرير سلّم رسميًا للرئيس السوري أحمد الشرع، وتضمن جداول بأسماء المشتبهين، دون الكشف عنها للرأي العام. ورغم أن وزارة الداخلية لم تعلن بشكل مباشر عن ارتباط عمليات الاعتقال بنتائج التقرير، فإن التزامن الزمني بين الحدثين يوحي بوجود صلة، سواء عبر استجابة غير معلنة للتوصيات، أو محاولة لإظهار جدية الدولة في محاسبة المتورطين من مختلف الأطراف.