درعا – محجوب الحشيش: يواجه قطاع إنتاج العسل في محافظة درعا جنوبي سوريا تحديات كبيرة، حيث شهد الموسم الحالي انخفاضًا ملحوظًا في كل من الإنتاج والجودة. ويعزى هذا التراجع بشكل أساسي إلى الجفاف الذي ضرب المنطقة نتيجة قلة الأمطار خلال فصل الشتاء الماضي، مما أدى إلى عدم تفتح الأزهار وشحّ في المراعي التي يعتمد عليها النحل في غذائه.
أدى تراجع الإنتاج إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار العسل، وسط مخاوف متزايدة لدى السكان من تدهور جودة العسل بسبب اعتماد المربين على تغذية النحل بالسكر كبديل عن الرحيق الطبيعي.
تراجع حاد في الإنتاج
أكد أحمد السموري، وهو مربي نحل يمتلك 50 خلية في حوض اليرموك، أن إنتاج العسل كان ضعيفًا للغاية بعد قطاف العروة الربيعية لهذا الموسم. وأوضح أن إنتاج الخلية الواحدة لم يتجاوز ستة كيلوغرامات، مقارنة بـ 15 كيلوغرامًا أو أكثر في المواسم السابقة. وأرجع السموري هذا التراجع إلى قلة الأزهار في المراعي بسبب نقص الأمطار، مشيرًا إلى أنه قام بترحيل خلايا النحل إلى محافظات سورية أخرى، إلا أن الجفاف كان عامًا في جميع أنحاء البلاد.
من جانبه، قدّر محمد العمار، وهو مربي نحل يمتلك 100 خلية ونائب رئيس "الجمعية النوعية لتربية النحل" في مدينتي نوى وإزرع، تراجع الإنتاج بنسبة 30% مقارنة بالمواسم السابقة. وأشار إلى أن العوامل المناخية أثرت بشكل كبير على إنتاجية العسل وتكاثر النحل، واصفًا هذا الموسم بأنه "الأقسى" على النحل، حيث لم تشهد المنطقة تفتحًا للأزهار أو الأشواك، وحتى الأشجار البرية لم تكن في حالة جيدة.
وأضاف العمار أن الجفاف لم يؤثر فقط على إنتاج العسل، بل أثر أيضًا على تكاثر النحل، حيث لم يشهد الموسم الحالي عملية "الطرد" التي تتشكل من خلالها خلايا جديدة.
وبحسب تقديرات مديرية زراعة درعا، يبلغ عدد خلايا النحل في المحافظة حوالي 45,000 خلية، وتتركز تربية النحل بشكل خاص في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي لقربها من وادي اليرموك وكثرة المربين فيها.
معوقات تواجه مربي النحل
أشار النحّال محمد العمار إلى أن العديد من المعوقات دفعت المربين إلى بيع عدد من خلاياهم، بل إن بعضهم هجر المهنة تمامًا. ومن أبرز هذه المعوقات التكلفة العالية لترحيل الخلايا، والتي تتأثر بشكل كبير بأسعار المحروقات. فقد وصل سعر ليتر المازوت إلى 9000 ليرة سورية (حوالي 90 سنتًا أمريكيًا)، وسعر البنزين إلى 12,000 ليرة سورية (حوالي 1.2 دولار). (يُذكر أن الدولار الأمريكي الواحد يعادل حوالي 10,000 ليرة سورية وفقًا للسعر الرائج حاليًا).
ويحتاج المربي إلى ترحيل خلايا النحل لأكثر من محصول، حيث يتم ترحيل النحل داخل محافظة درعا بين المناطق الدافئة مثل وادي اليرموك خلال فصل الشتاء، ثم إلى مراعي الكينا واللوزيات وغيرها في فصل الربيع. كما يرحّل المربون خلاياهم إلى الساحل السوري في موسم إزهار الحمضيات، وإلى ريف دمشق في موسم إزهار اليانسون وحبة البركة، وإلى شمال شرقي سوريا في موسم القطن.
وأوضح أحمد السموري أنه قام بترحيل خلايا النحل إلى محافظة حمص وسط سوريا في أيار الماضي، ثم إلى محافظة القنيطرة في الجنوب. وتبلغ تكلفة كل عملية ترحيل نحو مليوني ليرة سورية كحد أدنى (تعادل 200 دولار).
وأضاف العمار أن المصاعب لا تقتصر على تكلفة ترحيل النحل، بل تشمل أيضًا خطر السرقة الذي يدفع المربي إلى استئجار حارس، مما يزيد من التكلفة. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك تحديات أمنية تعوق حركة المربي، خاصة في مناطق شمال شرقي سوريا، مما يدفعه إلى عدم المغامرة بترحيل خلاياه إلى هذه المناطق.
وأشار إلى ارتفاع أسعار الخشب، حيث يبلغ سعر الخلية الواحدة 350,000 ليرة (نحو 35 دولارًا)، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية ونقص بعضها. وأكد أنه لم يتمكن من العثور على جهاز لفحص الحموضة في سوريا أو حتى في لبنان، وأن بعض الأدوية مفقودة أو مرتفعة الثمن.
تدهور جودة العسل
أكد العمار أن جودة العسل انخفضت بسبب اعتماد المربين على تغذية النحل بمحلول السكر خوفًا من نفوق القطيع. وميّز بين من يغذي النحل للحفاظ على حياته وبين من يغش العسل عن طريق طبخه في مواد ذات لزوجة وإضافة منكهات إليه وبيعه على أنه عسل منتج من خلايا النحل.
وقد ارتفعت أسعار العسل في السوق المحلية في محافظة درعا، حيث وصل سعر الكيلو إلى 250,000 ليرة، بعد أن كان لا يتجاوز 150,000 ليرة خلال العام الماضي.
يُذكر أن مربي النحل في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي تعرضوا لخسائر في مطلع العام الحالي بسبب منع الجيش الإسرائيلي الذي توغل في المنطقة المربين من الوصول إلى أماكن وجود خلاياهم، وفقًا لشهادات مربين.