الثلاثاء, 5 أغسطس 2025 10:36 AM

إبراهيم الأمين يرثي زياد الرحباني: هل حان وقت الوداع؟

إبراهيم الأمين يرثي زياد الرحباني: هل حان وقت الوداع؟

يكتب إبراهيم الأمين عن الفقد الذي تحول إلى عادة، وربما نمط حياة، بسبب المكان الذي اختاره لنفسه. يرى أن المهم في الفقد هو المكان والرفقة.

جيل كامل بدأ وعيه على الحياة وهو يعثر على زياد الرحباني في تفاصيل يومياته، معجبًا ومنبهرًا، وشاعرًا بأن هناك من ينطق بأفكاره. هذا الإعجاب يمنحهم حق التدخل في حياته، تدخلًا بلا حدود يصل إلى حد التقمص، وهو ما كان يتعب زياد ويصيبه بالوحدة. كان يعتقد أن الهروب والانزواء يساعدانه على منع الآخرين من التشارك فيه.

زياد، ككل البشر، كان يحب الدلال والاهتمام، ويرتاح لاهتمام المقربين، ويكون ممتنًا لحسن تعامل الناس معه. كان فيه طفل لم يرد أن يُفطم، وكان هاتفه آخر الليل سبيله إلى النوم، عندما يسمع أمه تسأله عن يومه. مشكلة الأمين مع رحيل زياد أنها لحظة كانت محجوزة منذ وقت، والمشكلة ليست في إعلان النبأ، بل في أن الخانة البيضاء على جدار الفقد لم يُكتب اسمه فيها بعد، وهو أصعب ما يمكن للمرء أن يفعله.

كان زياد يهرب إلى الصمت علاجًا للقرف والعجز والتعب، وكان الصمت عنده فرصة للنطق بالآلة العجيبة التي اسمها البيانو. لا شيء في الدنيا ينافس حضن الأم، إلا علاقة زياد بمفاتيح آلته السحرية. عندما يرتفع صوت الموسيقى، تعرف أنه لم يستسلم. لكن زياد، في رحلته الأخيرة، ابتعد عن صندوق العجائب الخاص به، فارتفع الغبار فوقه، إيذانًا بالرحيل.

زياد، واحد من الذين لم ينجح العالم كله في قمعه. كان حراً إلى درجة تجعل الآخرين يتعبون من حريته، ومن قدرته على إحداث الفوضى في المكان، وهو لم يتوقف يوماً عن قول كل يفكر فيه، أو كل ما يعتقد أن عليه قوله. بالنسبة إلى الأمين، جاء موت زياد في زمن الموت المفتوح، وهو موت له معنى، ولا يشبه موت الميتين أصلاً، وهذا ما يجعل رحيله صاخباً. مشكلة الأمين في حالة زياد ليست في فكرة أن يغيب شخص بات له أثره في أشياء كثيرة، تخص فكره وعمله وعائلته وحياته ولحظات عزلته.

مشكلته، في أنه لا يجيد فصل الأحداث عن بعضها، فكيف وهو يعاني أصلاً من مرض التبلد، فلا يجيد البكاء، ولا رفع الصوت احتجاجاً أو غضباً، بل كل ما تعلمه هو اللجوء إلى الصمت، مثل مسكن، بانتظار علاج يبدو بعيد المنال.

أتعب الأمين الرحيل والفقد كثيراً، وتتعبه صور الكثيرين من الذين رحلوا في السنوات الأخيرة، وتنهكه لحظات تفقد من رحلوا أخيراً. ويحفظ لزياد، كما لكل هؤلاء، أنهم لم يرحلوا من دون فعل الصواب. لكنه، مثل بقية البشر، كاره للفقد، ورافض لفكرة أن هناك صفحات ستطوى. تعب كثيراً من الفقد، ولا يجد مكاناً يحصي فيه وجع الفراق، وتعبه يزيد، لأن كل هؤلاء، ومنهم زياد، ما رحلوا من دون أثر.

لكنه، فهم للمرة الأولى ما قاله الجواهري عن دنيا قاهرة، وقاسية: لم يبقَ عندي ما يبتزّه الألم حسبي من الموحشات الهم والهرم وعندما تطغى على الحران جمرته فالصمت أفضل ما يطوى عليه فم!

عن أخبار سوريا الوطن.

مشاركة المقال: