في مواجهة الظروف الصعبة والتحديات التي يمر بها المجتمع السوري، يبرز العمل التطوعي كركيزة أساسية للتعافي الوطني وأداة فعالة لتعزيز التكاتف والوعي الجماعي. إنه يتجاوز مجرد التبرع بالوقت ليصبح فعلاً حضارياً يعيد صياغة العلاقة بين الفرد ومجتمعه، ويمنح الثقافة دوراً محورياً في توجيه السلوك وبناء الهوية.
استضافت المكتبة الوطنية في دمشق اليوم اجتماعاً تطوعياً واسع النطاق ضم فريقاً من دمشق وريفها، وذلك بدعوة من مدير ثقافة ريف دمشق، محمد ارحابي، وبمشاركة شباب ومهنيين من مختلف التخصصات. شكل اللقاء فرصة لعرض المبادرات الفردية، وتقييم القدرات، ووضع تصور لمشروع تطوعي شامل يستهدف جميع فئات المجتمع.
حضور وزاري
في لفتة ذات دلالة معنوية وتشجيعية، حضر وزير الثقافة، محمد صالح، الاجتماع بشكل مفاجئ، مؤكداً أن العمل التطوعي هو عنوان المرحلة، وأن الوزارة تعتبر الشباب طاقة حيوية قادرة على بناء الإنسان قبل العمران. وأشار إلى أن ثقافة العطاء تشفي، وأن كل مبادرة تزرع الثقة، وأن كل مركز يعاد افتتاحه يمثل منصة للمقاومة الفكرية في مواجهة الهجمات الرقمية والإعلامية التي تستهدف الهوية السورية.
من جانبه، أوضح مدير ثقافة ريف دمشق، محمد ارحابي، أن التطوع هو جوهر الشراكة المجتمعية التي تعيد للثقافة دورها التنويري. وأضاف أن العمل جارٍ على تقسيم الفريق حسب التخصصات لتمكينه من تنفيذ عدد من المبادرات في مجالات التعليم، والدعم النفسي، والفنون، والحرف اليدوية، والتأهيل، وذلك بالتعاون مع مؤسسات محلية لإعادة الحياة إلى المراكز الثقافية.
مبادرات متنوعة وواعدة
خلال الاجتماع، قدم المتطوعون عرضاً لخبراتهم ومشاريعهم، واقترح العديد منهم مبادرات في مجالات تعليم اللغات، والخياطة، والعزف، وتنظيم الأنشطة للأطفال، ودعم النساء المعيلات، والتصميم الصوتي والبصري. كما تم تسليط الضوء على مبادرة هذه حياتي التي تعمل في الأردن وشمال سوريا والسودان، والتي تحمل طابعاً تنموياً يتجاوز الحدود الجغرافية.
أكد ارحابي أن رؤية وزارة الثقافة تقوم على بناء فريق تطوعي فعال يشكل قاعدة وطنية للمبادرات الثقافية، ويسهم في ترسيخ الهوية السورية عبر جهود جماعية تنبع من المجتمع وتعود إليه. وأضاف أن تشكيل هذا الفريق من المتطوعين يمثل خطوة استراتيجية تهدف إلى تزويد المراكز الثقافية بطاقات شابة ومؤهلة، قادرة على تنفيذ أنشطة متنوعة تراعي خصوصية كل منطقة، وتسهم في دعم المجتمع المحلي عبر التعليم، والفنون، والدعم النفسي، والحرف، والمرافقة القانونية.
وأضاف: إن هذه الرؤية نابعة من إيمان الوزارة بأن التطوع ليس مجرد عمل رمزي، بل هو قيمة تأسيسية في مسار بناء الوعي، وأن المشاركة المجتمعية هي السبيل لإعادة إحياء المؤسسات الثقافية، وصياغة خطاب جامع يعكس التنوع السوري ويعزز ثقافة الحوار والانتماء. كما تسعى الوزارة من خلال هذه الخطوة إلى تحويل المراكز الثقافية إلى منصات حيوية تستوعب الاختلاف وتنتج المعرفة وتعيد الاعتبار للدور الريادي للثقافة في توجيه الوعي ودعم التعافي الوطني.
وأشار إلى أنه سيتم منح المتطوعين شهادات تطوعية رسمية، بالإضافة إلى فتح باب التدريب والتأهيل وفقاً لاحتياجات كل منطقة وفئة مستهدفة.
ثقافة تنير الطريق
إن اجتماع الفريق التطوعي لم يكن مجرد فعالية تنظيمية، بل خطوة تعكس إرادة مجتمعية تنهض من بين التحديات، وتؤكد أن الشباب السوري قادر على استعادة المسار الوطني عبر ثقافة تنير الطريق. يجب أن تكون المراكز الثقافية اليوم أكثر من مجرد مبانٍ، بل ساحة لتشكيل الوعي، وترسيخ الفكر، وتعزيز المسؤولية. فالمعركة اليوم لم تعد عسكرية، بل فكرية وثقافية وأخلاقية، نحو تعزيز المسؤولية الوطنية.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة