يضع وقف النار الذي تم التوصل إليه في السويداء، بجهود أمريكية قادها وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الشخصي للرئيس دونالد ترامب إلى سوريا ولبنان توم برّاك، جميع الأطراف المعنية أمام اختبار حقيقي.
يمثل الاتفاق في السويداء جزءاً من اتفاق أوسع لوقف النار بين إسرائيل والنظام الجديد في سوريا، وذلك عقب الغارات الإسرائيلية على دمشق وما تلاه من دخول مقاتلي البدو إلى أحياء في مدينة السويداء. وبعد الاتفاق الجديد الذي وصفه روبيو بأنه "اختراق" بين سوريا وإسرائيل، انسحب مقاتلو البدو من المدينة، وتولت قوات الأمن الداخلي التابعة للحكومة السورية المسؤولية في مناطق من المحافظة.
رافق برّاك تنفيذ الخطوات الأولى من الاتفاق بعقد اجتماعات في عمان مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ووزير الخارجية السوري أحمد الشيباني، بالإضافة إلى اجتماع منفصل مع قائد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) مظلوم عبدي.
من الواضح أن برّاك يسعى جاهداً لاستعادة الهدوء، بعد أن أظهرت الأحداث أن سوريا لا تزال غير مستقرة، وأن معالجة قضية الأقليات تتطلب مقاربة مختلفة من دمشق، حتى لا تستغلها إسرائيل لتقديم نفسها كـ "حامٍ" للمكونات السورية الدينية أو العرقية.
ركزت واشنطن منذ سبعة أشهر على دعم أركان الحكم الجديد، مع إعطاء الأولوية لصياغة سلام بين دمشق وتل أبيب. وبدت هذه الاستراتيجية الأمريكية الوحيدة، مع إهمال تفاصيل المشهد الداخلي، بما في ذلك طريقة التعامل مع الأقليات. ولم تتوقف واشنطن عند أحداث الساحل السوري، لتجد نفسها أمام تحديات السويداء.
ذكر برّاك في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" أن تحقيق تقدم نحو الديمقراطية والحكومة الشاملة ليس جزءاً من المعايير التي تعتمدها واشنطن في علاقاتها مع دمشق، منتقداً المحاولات الأمريكية السابقة لـ "بناء الأمم" والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط.
أدت أحداث السويداء إلى تغيير كبير في آراء برّاك، حيث أقر بأن سوريا تمر بمرحلة حرجة، مؤكداً على أهمية السلام والحوار الفوري، وأن البلاد "عند مفترق طرق حاسم".
عندما رأى برّاك أن الأمور تتجه نحو الانهيار مع استمرار المعارك في السويداء وتصعيد إسرائيل لعمليات القصف، وعودة سوريا إلى الحرب الأهلية، أدرك أن فرص السلام بين سوريا وإسرائيل ستتلاشى، وأن المنطقة ستدخل في دوامة جديدة من الحروب.
الخلاصة التي توصل إليها برّاك هي أن تحقيق الاستقرار في السويداء يحظى بأهمية استثنائية، ويبدو أن هذا الهدوء مبني على تفاهمات شاركت فيها إسرائيل، مع الأخذ في الاعتبار الخطوط الحمر التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعلى رأسها جعل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح. ويتضح ذلك من خلال إرسال دمشق قوات أمن داخلي خفيفة التسليح إلى محافظة السويداء، على عكس الأسبوع الماضي عندما أرسلت الجيش المجهز بالدبابات.
يسعى برّاك للتوفيق بين الخطوط الحمر الإسرائيلية، مع التأكيد على الوقوف إلى جانب النظام، ويكرر دعوته إلى "جميع الأطراف لإلقاء السلاح فوراً"، بعد حصوله على التزام من الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بـ "حماية الأقليات" ومحاسبة "المنتهكين" من أي طرف.
لكن هل يتمكن برّاك من دفع سوريا وإسرائيل إلى استئناف الاتصالات بهدف إبرام اتفاق أمني؟ هذه المهمة تتطلب جهداً أكبر وأشمل من واشنطن، ومقاربة جديدة لتعزيز السلام الداخلي في سوريا، مع فهم أعمق للتحديات التي يواجهها النظام الجديد، والتي لا يمكن الاستهانة بها أو معالجتها بالخيار العسكري فقط.