الأحد, 20 يوليو 2025 04:56 PM

الصناعة السورية تحت وطأة المنافسة: تحديات وفرص في مواجهة الاستيراد

الصناعة السورية تحت وطأة المنافسة: تحديات وفرص في مواجهة الاستيراد

يواجه القطاع الصناعي السوري تحديات جمة في الوقت الراهن، أبرزها المنافسة الشرسة من المستوردات في السوق المحلية، وذلك في ظل ضغوط هيكلية واضطرابات اقتصادية مستمرة. هذه المنافسة تتجلى في عدة جوانب أساسية تؤثر على المشهد الصناعي.

أكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمد كوسا، من كلية الاقتصاد، لـ"الوطن" أن الأسعار والجودة هما نقطة البداية. المستوردات القادمة من دول ذات تكلفة إنتاج منخفضة أو المدعومة حكومياً تدخل السوق السورية بأسعار يصعب على المنتج المحلي منافستها، سواء في قطاع الإسمنت، كمثال لسلعة رائجة، أو غيره من الصناعات. وحتى مع جودة المنتج السوري (كما في بعض أنواع الإسمنت)، فإن ضعف التسويق ووفرة البدائل الأجنبية يقللان من فرصته في السوق.

أوضح كوسا أن الصناعة الوطنية تعاني من ارتفاع كبير في تكلفة الطاقة والمحروقات وعدم انتظام التوريد، بالإضافة إلى صعوبات في الحصول على المواد الأولية والأجهزة بسبب العقوبات الاقتصادية وتقييد التحويلات المالية. البنية التحتية الصناعية المتضررة خلال سنوات الحرب تزيد من أعباء التشغيل والصيانة، بينما تفاقم هجرة الكفاءات الفنية أزمة القطاع.

أشار الخبير الاقتصادي إلى أن سنوات ما بعد الانفتاح الاقتصادي شهدت سياسة استيراد شبه مفتوحة، مع انخفاض الرسوم الجمركية على المستوردات دون تدابير حمائية للصناعة السورية. هذا جعل السوق مفتوحة للمنتجات الأجنبية، مع غياب مبدأ "المعاملة بالمثل" مع بعض دول الجوار، مثل الأردن، مما أثر سلباً على الصناعات القادرة على المنافسة رغم الظروف الصعبة.

أضاف أن المشكلة لا تقتصر على الاستيراد النظامي، بل تتفاقم بسبب التهريب، حيث تتدفق سلع أجنبية بعيداً عن الرقابة الجمركية والصحية والفنية، مما يزاحم المنتج السوري بطريقة غير عادلة ويمنحه ميزة سعرية إضافية.

يُضاف إلى ذلك أزمة التمويل والاستثمار، حيث يواجه قطاع الصناعة صعوبة في الوصول إلى مصادر تمويل محلية أو خارجية، بسبب عدم الاستقرار وضعف الدعم الرسمي، وتعثر برامج تحديث وتطوير المصانع.

هذه التحديات تؤثر على عدة مستويات، منها انخفاض الإنتاج الصناعي وإغلاق العديد من المنشآت كلياً أو جزئياً، وارتفاع معدلات البطالة، واستنزاف الاحتياطيات من القطع الأجنبي نتيجة الاعتماد المتزايد على الاستيراد، وضعف الميزان التجاري وتراجع الصادرات الصناعية، وفقدان الخبرات والتراكم المعرفي الصناعي، وصعوبة مواكبة التطور التكنولوجي.

يرى الخبير كوسا أهمية تطبيق سياسات حماية ذكية، تشمل فرض رسوم جمركية مدروسة على المنتجات المستوردة التي تتوافر صناعاتها محلياً، خاصة الحرفية، دون التأثير السلبي على أسعار السلع للمواطن أو استيراد مستلزمات الإنتاج. كما يؤكد على مكافحة التهريب عبر تشديد الرقابة على الحدود.

بالمقابل، يجب دعم تنافسية الصناعة الوطنية بتوفير الطاقة بأسعار مدعومة وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج ومنح حوافز استثمارية حقيقية، وإطلاق حملات توعية لدعم المنتج المحلي، وتحسين الجودة والثقة لدى المستهلك. يجب أيضاً تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتقديم دعم خاص للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، لزيادة قدرتها على الابتكار ومواجهة المنافسة الأجنبية.

وختم بالقول إن التغلب على تحدي المستوردات يعتمد على رؤية اقتصادية شاملة تجمع بين الحماية العادلة والتطوير الهيكلي، وتستند إلى بيئة تشريعية واستثمارية محفزة، تضع الصناعة السورية على طريق التعافي والنهوض مجدداً.

هناء غانم

مشاركة المقال: