الجمعة, 18 يوليو 2025 12:42 AM

جدل حول مراسيم رئاسية في سوريا: هل يملك المواطنون أدوات قانونية للطعن بها؟

جدل حول مراسيم رئاسية في سوريا: هل يملك المواطنون أدوات قانونية للطعن بها؟

نومان العباس – دمشق

أثارت المراسيم والقرارات الرئاسية الأخيرة الصادرة عن الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، نقاشاً واسعاً على المستويين القانوني والدستوري، خاصة فيما يتعلق بمدى توافقها مع الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع في آذار/ مارس 2025 كدستور لسوريا خلال المرحلة الانتقالية. يحدد هذا الإعلان الضوابط والصلاحيات المتعلقة بصلاحيات الرئيس ومجلس الشعب. فهل توجد آليات وأدوات قانونية في سوريا تتيح للسوريين الطعن بهذه المراسيم والاعتراض عليها؟

خارج الإطار الدستوري المعتمد

أصدر الرئيس الشرع مؤخراً المرسوم رقم (113) الذي ينص على إنشاء "صندوق سيادي" في سوريا، كمؤسسة ذات طابع اقتصادي تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، ومقرها في دمشق، وترتبط مباشرة برئاسة الجمهورية. كما أصدر الشرع المرسوم رقم (114) لعام 2025، القاضي بتعديل بعض مواد قانون الاستثمار رقم 18 لعام 2021 وتعديلاته، في خطوة أثارت تساؤلات قانونية حول مشروعيتها، خاصة أن صلاحية سن القوانين وتعديلها من اختصاص مجلس الشعب فقط، وليس من صلاحيات الرئيس الانتقالي.

أثار صدور المرسومين جدلاً واسعاً ومخاوف كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرهما البعض سابقة خطيرة في تجاوز الصلاحيات وتهميش دور المؤسسات الرقابية. كما أثار الإعلان عن الهوية البصرية للدولة جدلاً مماثلاً، إذ تنص المادة الخامسة من الإعلان الدستوري على وجوب إقرار الشعار والنشيد الوطني بقانون، وهو ما لم يحدث حتى الآن، مما يضع هذه الإجراءات خارج الإطار الدستوري المعتمد.

هل هناك آليات للطعن؟

يرى المحامي والناشط السوري في مجال حقوق الإنسان، ميشال الشماس، أن استمرار مخالفة القوانين والإعلان الدستوري "أمر خطير يهدم  الأساس الدستوري والقانون الذي تقوم عليها الدولة". ويقول "الشماس" لنورث برس، إنه "لا وجود لآليات قانونية أو دستورية للطعن في المخالفات القانونية، لعدم وجود محكمة دستورية". ويضيف أن اللجنة الدستورية قد أنهت مهمتها في صياغة الإعلان الدستوري، وأن الطعن في القوانين والمراسيم متروك لأعضاء مجلس الشعب القادمين الذين يحق لهم الطعن فيها. ويشير المحامي والناشط السوري في مجال حقوق الإنسان، إلى أنه بخلاف ذلك "لا يبقى أمامنا سوى نقد أية مخالفة عبر الصحف ووسائل الإعلام".

فيما يقول المحامي السوري عدي الشوا، لنورث برس، إن الفقرة الأولى من المادة 26 من الإعلان الدستوري تحدد بوضوح سلطة التشريع لمجلس الشعب والتي تنص: "يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية حتى اعتماد دستور دائم، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة". ويشير إلى "النص صريح ولا يحتاج أخذ و رد"، مما يجعل أي تعديل أو سن قوانين من قبل الرئيس غير قانوني.

إجراءات مخالفة وغير مبررة

في السياق نفسه، تعرب الصحفية السورية جلنار العلي، عن قلقها من الإجراءات المتخذة مؤخراً، واصفة إياها بأنها "مخالفة دون مبررات واضحة في ظل الانتقادات الحقوقية الواسعة التي رافقتها". وتقول "العلي" لنورث برس: "لم تكن هذه المرة الأولى التي ننصدم فيها بإجراءات مخالفة، دون أن يكون هناك أي تبرير لذلك". وتشير الصحفية السورية إلى بعض الخطوات السابقة مثل تحويل مؤسسة الطيران المدني إلى هيئة تابعة مباشرة للرئاسة، وإنشاء صندوق سيادي يعاني من مشاكل هيكلية واقتصادية دون توضيح أو رقابة واضحة، خصوصاً أن المراسيم الصادرة لا تحدد جهة الرقابة المسؤولة بشكل واضح.

وتضيف أن "الأهم في هذا كله هو مضمون البند الأول من المادة الرابعة، الذي ينص على أن التقارير الربع سنوية والسنوية تُقدّم فقط لرئاسة الجمهورية، بينما لم يُنص المرسوم بوضوح على الجهة التي ستتولى الرقابة على أعمال الصندوق."

توسيع صلاحيات الرئيس ودمج السلطات

تشير "العلي" إلى أن هذه المراسيم تعد دائمة ولا ترتبط بظروف طارئة، مما يستدعي توضيحات رسمية، وأنها تثير مخاوف من توسيع صلاحيات الرئاسة ودمج السلطات بدلاً من فصلها، مما قد يضعف دور مجلس الشعب الرقابي والتشريعي أمام تلك الصلاحيات. كما تشدد أن الإعلان الدستوري ورغم مرور الوقت، لم يُنفذ بالكامل في عدد من بنوده المتعلقة بالملكيات والحريات واحترام الأديان ومنع الفتن، بالإضافة إلى إصداره العديد من المراسيم التي تثير القلق من توسيع صلاحيات السلطة التنفيذية وحصر الرقابة.

وترى الصحفية السورية أن تشكيل مجلس الشعب هو المعيار الذي سيُظهر كيفية التعامل مع هذه المراسيم الدائمة"، مبينة أن الأمور ستصبح أكثر وضوحاً بعد ذلك فيما إذا كانت ستقونن تلك المراسيم بالمسار القانوني وكيف ستكون آلية الرقابة من قبل أعضاء مجلس الشعب عليها. أما من الناحية الاقتصادية، يرى الخبير الاقتصادي السوري مجدي الجاموس، أن "المرسومين يمثلان خطوة إيجابية في إعادة هيكلة القطاع العام وتحسين الواقع الاقتصادي". ويشترط "الجاموس" أن نجاحهما مرتبط بمدى الالتزام بالشفافية والرقابة الفعالة في إدارة هذه الصناديق، مشيراً إلى "وجود تجاوزات" في الصلاحيات القانونية التي تتطلب مراجعة.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: