الخميس, 17 يوليو 2025 02:34 AM

بصمت وعزيمة: نساء ريف دير الزور يقاومن لتعزيز الأمن الغذائي

بصمت وعزيمة: نساء ريف دير الزور يقاومن لتعزيز الأمن الغذائي

منذ طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، تواصل نساء ريف دير الزور الغربي العمل الدؤوب دون توقف، متحديات مشقة الحقول وظروف الحياة الصعبة. ففي الحقول التي ترويها السواقي اليدوية، تتكرر يوميًا مشاهد لأمهات وشابات يعملن بصمت وإتقان في زراعة الأرض وحصادها، مساهمات بذلك بشكل مباشر في تحقيق الأمن الغذائي.

على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة حول حجم مشاركة المرأة في القطاع الزراعي، إلا أن الواقع الميداني يعكس صورة مختلفة تمامًا، حيث يظهر أن حضور المرأة في الزراعة ليس مجرد مشاركة شكلية، بل هي الركيزة الأساسية للعملية الزراعية بأكملها، بدءًا من البذرة وصولًا إلى الحصاد.

جهد يومي ومشقة مستمرة

جوريه السلطان، وهي مزارعة من ريف دير الزور، تروي لمنصة سوريا ٢٤ تجربتها الشخصية في العمل الزراعي، والتي بدأت منذ نعومة أظفارها: "تعلمت الزراعة من أمي وجدتي، ولم يكن أمامي خيار آخر. كانت الأرض مصدر رزقنا وكرامتنا. لا أنسى فرحتي عندما أرى باكورة جهدي تنضج أمامي".

وتضيف: "نواجه تحديات جمة: حرارة الشمس الحارقة في الصيف، والبرد القارس في الشتاء، وأحيانًا أمطار غزيرة تغرق تعب شهور، ومع ذلك نواصل العمل. لقد تعلمت الصبر والاعتماد على النفس. الأرض لا تخيب أبدًا من يصدق معها".

تحديات تواجه المرأة الزراعية

المرأة العاملة في الزراعة ليست فقط ضحية للإرهاق الجسدي، بل هي أيضًا ضحية لواقع اجتماعي واقتصادي قاسٍ يزيد من أعبائها دون أن ينصفها:

  • تفاوت الأجور: غالبًا ما تتقاضى المرأة أجرًا أقل من الرجل على الرغم من قيامها بنفس العمل.
  • انعدام الحماية الاجتماعية: غياب التأمين الصحي، وعدم وجود نظام تقاعد أو ضمانات مهنية.
  • صعوبة الوصول إلى الموارد: من التمويل إلى التدريب الزراعي، وحتى استخدام الآليات الحديثة.
  • القيود الاجتماعية: في بعض المجتمعات، يُنظر إلى عمل المرأة في الزراعة كجزء من الواجب المنزلي، وليس كمهنة تستحق التقدير.

شراكة زوجية وتوزيع أدوار

بعيدًا عن التقسيم التقليدي للعمل، تظهر شراكات نسائية تعيد تعريف التعاون الأسري داخل الحقول. زكية السرحان، التي تعمل جنبًا إلى جنب مع زوجها في إحدى المزارع، تقول لمنصة سوريا ٢٤: "أنا أقوم بجمع المحاصيل، وزوجي يعتني بالري والآليات. لكل منا دوره، ونحن نكمل بعضنا البعض. الزراعة علمتنا التفاهم والعمل بروح الفريق".

وتشير زكية إلى أهمية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية: "نعمل لساعات طويلة، لكننا نحاول الحفاظ على هذا التوازن. الأهم من ذلك أننا نثق ببعضنا البعض، وهذه الثقة تمكننا من تجاوز الظروف الصعبة".

صوت المرأة في وجه الغياب الرسمي

ما تفتقده هؤلاء النساء ليس المهارة أو العزيمة، بل الدعم الحقيقي، سواء على مستوى الحقوق، أو الأجور، أو الاعتراف بدورهن في الاقتصاد الوطني. فالقطاع الزراعي بدون المرأة سيظل ناقصًا، بل ومهتز البنية. ورغم الفجوات والتحديات، تثبت نساء ريف دير الزور أنهن قادرات على الصمود والإنتاج حتى في أقسى الظروف. فهن لا يزرعن البذور فحسب، بل يزرعن الأمل، ويسهمن في بناء استقرار غذائي قد يشكل الحصن الأخير أمام انهيار اقتصادي محتمل. وفي ظل قلة الفرص وغياب المساواة، تبقى المرأة في القطاع الزراعي عنصرًا لا غنى عنه، ليس فقط في الإنتاج، بل في حماية المجتمعات الريفية، لتؤكد أن يدًا نسائية تبني بصمت، لكن بصوتها تحيي الأرض.

مشاركة المقال: