الأحد, 13 يوليو 2025 10:12 PM

من تحت الأنقاض إلى التفوق في ألمانيا: قصة نجاح شابة سورية تحصل على أعلى علامة في الثانوية

من تحت الأنقاض إلى التفوق في ألمانيا: قصة نجاح شابة سورية تحصل على أعلى علامة في الثانوية

لم تكن طفولة تالا حمزة سهلة، فقد انتهت تحت القصف في دمشق، لكن مستقبلها بدأ ببزوغ نجمها في ألمانيا، حيث حصلت على شهادة "أبيتور" (الثانوية العامة الألمانية) بتقدير 1,0، وهو أعلى معدل ممكن.

كيف حولت الحرب واللجوء مسار حياتها؟ وكيف تحولت المعاناة إلى حافز للنجاح؟ في أحد أيام عيد الفطر عام 2016، بينما كانت عائلة تالا تحتفل في دمشق، سقطت القنابل فجأة، محولة يوم الفرح إلى لحظات من الرعب والخوف. تقول تالا: "تغير كل شيء في لحظة. لم يكن الخوف على أنفسنا فقط، بل أيضًا على أحبائنا. والدي وأخي كانا في الخارج، وخرجت أبحث عنهما مع والدتي".

مشاهد الموت والدمار، والناس العالقين تحت الأنقاض، لا تزال محفورة في ذاكرتها حتى اليوم. بعد أشهر قليلة، أصبح من المستحيل العودة إلى الحياة الطبيعية في سوريا. لذلك، قررت الأسرة الفرار إلى ألمانيا، وبدأت رحلة لجوء صعبة عبر السيارة والطائرة وحتى سيرًا على الأقدام، حتى وصلوا إلى مدينة "مولهايم" الألمانية في أواخر عام 2016.

الأب، الذي كان مهندس كهرباء، يعمل اليوم في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، والأم، التي كانت معلمة مدرسة ابتدائية، أصبحت موظفة دعم للاندماج. أما تالا، فقد أنهت مؤخرًا دراستها الثانوية في مدرسة "غوستاف هاينيمان" الشاملة، محققة إنجازًا مذهلاً: 873 نقطة، أي ما يعادل معدل 1,0، لتكون الأولى على دفعتها، متفوقة في مواد مثل الأحياء، الجغرافيا، اللغة الألمانية والرياضيات.

تالا تتذكر: "في بداية وصولي إلى المدرسة، لم أكن أتكلم الألمانية. كنت الطالبة الغريبة. لم يكن لدي أصدقاء، وتعرضت كثيرًا للتصحيح والسخرية." لكن نصيحة والدتها كانت حاسمة: "قالت لي: كوني قوية، وواصلي. فقررت أن أتعلم اللغة بأسرع وأفضل ما يمكن، وأن أندمج."

لم تكن العودة إلى سوريا خيارًا، ولهذا سأل أفراد العائلة أنفسهم سؤالًا وجوديًا: "أين تكون فرصة الموت أقل؟ في سوريا أم في طريق الهروب؟"، تقول تالا، مشيرة إلى أن الإجابة كانت واضحة. بدأت الرحلة مع والدها: من دمشق إلى لبنان بالسيارة، ثم إلى تركيا بالطائرة، فإلى اليونان عبر البحر بقارب مطاطي، ثم سيرًا على الأقدام حتى ألمانيا. استغرقت الرحلة 20 يومًا، وكانت مليئة بالتحديات والمخاطر.

بالنسبة لتالا، توقفت الرحلة في تركيا بعد حادث مؤلم لا تزال ترفض الحديث عنه حتى اليوم. تقول: "هل رأيتم صور القوارب المطاطية المكتظة؟ هذا كل ما سأقوله." قررت العودة إلى لبنان للالتحاق بوالدتها وشقيقها، بينما أكمل والدها الرحلة وحده إلى ألمانيا، على أمل أن يلحق به أفراد العائلة لاحقًا.

في تلك الأثناء، التقت تالا بطبيبة من منظمة "أطباء بلا حدود"، وقد وعدتها حينها بأنها ستجتهد في دراستها لتصبح طبيبة في المستقبل. وبعد سنوات من الصمت، قررت تالا العام الماضي مواجهة ماضيها من خلال كتابة كتاب بعنوان "بين أمواج الحياة"، نشرت فيه تجربتها مع الحرب واللجوء، محاولة أن تبوح بما لم تستطع نسيانه، وأن تسلط الضوء على معاناة اللاجئين في زمن يزداد فيه الخطاب الشعبوي وتكثر الأسئلة عن "الانتماء والمكان".

تقول: "من خلال قراءاتي العامة، أريد أن أظهر ما الذي مرّ به اللاجئون قبل أن يصلوا إلى هنا، وما معنى أن تكون لاجئًا فعلًا." اليوم، تتطلع تالا إلى دراسة الطب في جامعة هاينريش هاينه في دوسلدورف، وهي تميل بشكل خاص إلى الجراحة، لكنها لا تريد أن تحصر خياراتها منذ الآن.

ما تعرفه تمامًا هو هدفها الأساسي: "أريد أن أعمل مع منظمة 'أطباء بلا حدود'. أريد أن أذهب إلى الأماكن التي يموت فيها الناس لأنه لا يوجد من يساعدهم." وفي ختام حديثها، قالت تالا: "عندما أعود إلى تلك الأماكن، لن أكون الطفلة التي كانت تمسك يد والدتها وسط الركام، بل امرأة قوية، ناضجة، وطبيبة يمكنها أن تُحدث فرقًا".

مشاركة المقال: