الإثنين, 26 مايو 2025 02:09 AM

هل تنجح "الليرة الجديدة"؟ جدل حول استبدال العملة في سوريا وتحديات الواقع الاقتصادي

هل تنجح "الليرة الجديدة"؟ جدل حول استبدال العملة في سوريا وتحديات الواقع الاقتصادي

تصاعد الجدل في الأوساط الاقتصادية السورية خلال الأسابيع الأخيرة حول إعلان الحكومة المؤقتة نيتها اعتماد عملة جديدة، عقب تصريح وزير المالية محمد يسر برنية عن اقتراب إصدار ليرة سورية جديدة. التصريحات ترافقت مع نقاشات حادة بين الخبراء والمحللين حول جدوى هذه الخطوة في ظل الأزمات الاقتصادية المتراكمة.

التقييم النقدي وإعادة تقويم العملة

جاء الحديث عن طباعة العملة الجديدة في وقت يشهد فيه الاقتصاد السوري تضخمًا مفرطًا وتآكلًا في قيمة الليرة، إذ بلغ معدل التضخم أكثر من 119% في الربع الأول من عام 2023. وتُطرح فكرة تقويم العملة كخطوة رمزية لتحسين الثقة بالسوق المحلي وضبط التعاملات النقدية. وتتضمن بعض المقترحات حذف الأصفار من الليرة الحالية، أو طباعة عملة بلاستيكية جديدة (نيوليرة)، على أمل تسهيل العمليات المالية والتقليل من التعامل بالأوراق النقدية المتداولة بكثرة.

الليرة باقية مؤقتًا والمرحلة انتقالية

قال الباحث الاقتصادي يونس الكريم في تصريح خاص لمنصة سوريا 24، إن استمرار التداول بالليرة السورية بعد ستة أشهر من التغيير السياسي لا يُعدّ استقرارًا، بل هو نتيجة طبيعية لمرحلة انتقالية لم تكتمل بعد. وأوضح أن العقوبات الاقتصادية، ووجود كوادر إدارية من النظام السابق، وتكلفة طباعة العملة، وانتشار السيولة خارج القطاع المصرفي، كلها عوامل تُبقي العملة القديمة قيد التداول. وحذر الكريم من أن الاستبدال غير المنظّم قد يسهم في تمرير أموال مشبوهة داخل المنظومة المصرفية الجديدة، مطالبًا بوضع آليات رقابة صارمة. كما أكد أن إعلان الحكومة عن تغيير شعار العملة يحمل رسائل رمزية تعكس نهاية نفوذ روسيا وإيران في السياسة النقدية السورية.

الطباعة ليست أولوية

ويشير عدد من الخبراء في الاقتصاد السوري إلى أنّ حذف الأصفار أو طباعة عملة جديدة لا يشكلان أولوية، مشددًا على أن معالجة مظاهر التضخم دون إصلاحات هيكلية في الإنتاج والتشغيل والتصدير سيجعل الخطوة شكلية. ويرى أصحاب هذه النظرية أن نجاح استبدال العملة يتطلب اقتصادًا متعافيًا، وسيطرة على معدلات التضخم، وثقة بالمصارف، فضلًا عن إدارة جيدة لمنع التلاعب بالسوق. ويشيرون إلى أن سوريا بحاجة لمعالجة الركود الاقتصادي بشكل أساسي قبل التفكير بإجراءات نقدية تجميلية.

شروط تقنية لاستبدال ناجح

أوضح عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق علي كنعان لمنصة سوريا 24 أن استبدال العملة يحتاج إلى توافر عدة شروط، منها أن تعادل الفئة النقدية الواحدة ما لا يقل عن دولار واحد، وأن يكون حجم الكتلة النقدية متوافقًا مع الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى ضرورة السيطرة الحكومية على كامل الكتلة النقدية المطبوعة داخل وخارج البلاد.

صندوق النقد الدولي: خطوة حساسة تتطلب الاستقرار

أكد تقرير لصندوق النقد الدولي أن عملية استبدال العملة من أصعب القرارات الاقتصادية، ولا تُنفذ إلا في ظل وجود سياسة نقدية مستقلة، واحتياطي كافٍ من العملات الأجنبية والذهب. وأوصى الصندوق بتطبيق استراتيجية استبدال تدريجية، على غرار ما جرى في العراق عام 2003، لضمان الانتقال السلس ومنع الفوضى المالية. العملة مرآة للسيادة السياسية أوضح الكريم أن التلميح باختيار الإمارات وألمانيا كوجهة محتملة لطباعة العملة يحمل بعدًا سياسيًا، ويُظهر رغبة الحكومة الجديدة بفك ارتباطها المالي عن موسكو وطهران. كما أشار إلى ضرورة بناء ثقة الشارع السوري بالليرة الجديدة عبر مؤسسات ذات مصداقية ورقابة دولية.

الفئات الكبرى… بين الضرورة والتحذير

تباينت آراء الخبراء حول ضرورة إصدار فئات أكبر من 5000 ليرة. فبينما يرى البعض من خبراء الاقتصاد أن إصدار فئات أكبر يساعد في تخفيف الضغط على التداول ويقلل من تلف الأوراق النقدية، يحذّر آخرون من آثار التضخم إذا لم يُسحب ما يعادلها نقدًا من السوق، مشددًا على ضرورة أن تكون هذه القرارات مبنية على بيانات دقيقة.

التريث خطوة نحو الثقة

أكد يونس الكريم أن الاقتصاد لا يُبنى بالشعارات أو بالقرارات العاجلة، بل بالتخطيط المدروس. وقال إن إعادة بناء الثقة بالليرة الجديدة تتطلب إصلاحًا حقيقيًا في المؤسسات المالية، واستقلالًا نقديًا، وحوكمة شفافة تضمن للمواطن والمستثمر على حد سواء أن العملة الجديدة ستكون أكثر من مجرد ورقة، بل رمزًا لمرحلة اقتصادية مستقرة.

مشاركة المقال: