من خيمة لجوء في ألمانيا إلى قاعات الأبحاث الطبية، يكتب الشاب السوري عبد الرحمن عثمان فصلاً جديدًا في حكاية اللجوء والطموح. فبعد أن قضى ثلاث سنوات في مخيم “لباخ” للاجئين، تمكن من تعلم اللغة الألمانية، وإتمام دراسته، ثم اجتياز شروط القبول الصارمة في كلية الطب بجامعة سارلاند – إحدى أعرق الجامعات في البلاد.
ضمن سلسلة “خريجون في الواجهة”، التي تسلط الضوء على قصص نجاح استثنائية لخريجي الجامعة. ورغم أنه لا يزال طالبًا، نجح عبد الرحمن في نشر ست دراسات طبية في مجلات علمية دولية محكّمة، بينها Annals of Medicine and Surgery، ثلاث منها ككاتب أول. هذه المساهمات البحثية لم تكن مجرّد أوراق علمية، بل تجسيد حيّ لإرادة شاب لم يستسلم للظروف، واختار أن يرد على الألم بالعلم.
يروي عبد الرحمن أن نقطة التحول في حياته كانت يومه الأول في الجامعة، حين قال له أحد الأساتذة بعد المحاضرة: “لقد أظهرت شجاعة تفوق أغلب الحضور… تابع طريقك.” جملة بسيطة، لكنها كانت الشرارة التي دفعت به للاستمرار، والاجتهاد، وتجاوز كل الصعوبات.
وإلى جانب دراسته، ساهم عبد الرحمن منذ عام 2019، بإشراف شقيقه فادي عثمان، في تأسيس مشروع “ملتقى الشرق والغرب” داخل الحرم الجامعي – وهو برنامج اجتماعي وثقافي يدعم الطلبة الدوليين، ويوفر لهم بيئة شاملة للاندماج والدعم الأكاديمي. وفي عام 2024، كرّمت وزارة المالية والعلوم في ولاية سارلاند المشروع بجائزة رسمية، بحضور ممثلين عن الوزارات، الجامعات، والمؤسسات الأكاديمية.
عبد الرحمن اختار ألا يرشّح نفسه للجائزة رغم مشاركته النشطة، دعمًا لأخيه الذي كُرّم أيضًا، مؤمنًا أن العمل من أجل الآخرين “واجب إنساني لا يحتاج إلى أوسمة”.
وفي إطار رد الجميل للبلد الذي احتضنه، أنشأ عبد الرحمن أرشيفًا رقميًا عبر “Google Drive” يضم مئات الموارد التعليمية، ويستخدمه اليوم أكثر من 120 طالبًا دوليًا. كما يقدّم الدعم والإرشاد للطلبة الجدد في دراسة الطب وتعلم اللغة.
يحصل عبد الرحمن حاليًا على دعم من مؤسستين ألمانيتين مرموقتين: Hans-Böckler-Stiftung وDeutsche Universitätsstiftung، ما مكّنه من التركيز على البحث العلمي والعمل التطوعي، ويقول: “لو كنت أعلم منذ البداية مدى ما يمكن أن تفتحه المنح من أبواب، لكنت سعيت إليها أبكر.”
في رسالة بعث بها إلى موقع “عكس السير”، كتب عبد الرحمن: “أؤمن أن قصتي تمثّل شريحة واسعة من الشباب السوري الذي فقد الكثير… لكنه لم يفقد الأمل، أتمنى أن تصل رسالتي إلى كل شاب أو شابة يعتقدون أن الطريق قد انتهى – لأن أحيانًا، يولد المستقبل من أضيق النقاط”.