في محافظة الحسكة، حيث تتواجد كليات تابعة لجامعة الفرات، ينتشر الفساد والرشاوى بشكل ممنهج وعلني. هذه الكليات، الواقعة خارج سيطرة الحكومة السورية، أصبحت مرتعاً لشبكات فساد منظمة، مرتبطة بمكاتب الخدمات الجامعية في الحسكة والقامشلي.
بعد فترة توقف قصيرة عقب سقوط نظام الأسد، عادت الكليات للعمل دون إصلاحات، مما فاقم الفساد. ورغم أن هذه المكاتب تدعي تقديم خدمات تصوير وبيع المستلزمات الجامعية، إلا أنها تسهل المعاملات الجامعية للطلاب، خاصة المغتربين، مقابل مبالغ إضافية.
أمام كل كلية، تعرض هذه المكاتب خدمات استخراج الأوراق الرسمية بأسعار مرتفعة، مبررة ذلك بدفع "إكراميات" للموظفين.
مكاتب الخدمات… واجهة شبه رسمية للرشاوى الجامعية
أحد أصحاب المكاتب في القامشلي صرح بأن "الأجور المدفوعة للموظفين تجبرنا على أخذ مبالغ عالية من الطلاب". وأوضح أن تسجيل طالب من خارج المنطقة بدون وكالة يكلف 150 دولاراً، بينما كشف العلامات مع حياة جامعية يتراوح بين 20 و30 دولاراً، وشهادات التخرج قد تصل إلى 150 دولاراً أو أكثر.
وبحسب قوله، فإنهم يسلمون معظم المبلغ لموظفين في شؤون الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية كـ "هدايا" لتسريع المعاملات.
هذا يكشف عن شبكة فساد متكاملة، حيث يعمل أصحاب المكاتب كوسطاء بين الطالب والموظف، محولين العملية التعليمية إلى سوق مفتوح.
قصص حقيقية: طلاب بين مطرقة الابتزاز وسندان الحاجة
محمد، شاب سوري في لبنان، اضطر للتعامل مع هذه المكاتب لاستخراج شهادة تخرج لشقيقه من كلية الآداب في الحسكة. "طلب منا صاحب المكتبة 180 دولاراً"، يقول محمد، "وبعد نقاش طويل وافقنا لأننا كنا نحتاج الأوراق بسرعة".
نغم، خريجة كلية العلوم في فرنسا، دفعت 150 يورو للحصول على أوراقها الجامعية، وتخشى الكشف عن اسمها الحقيقي خوفاً من مشاكل مستقبلية. "لم يكن لدي خيار سوى الدفع، فأنا أحتاج أوراقي لإكمال معادلة شهادتي".
غياب الرقابة يُحوّل الفساد إلى قاعدة
تُظهر هذه الشهادات أن الفساد الجامعي في كليات الحسكة أصبح جزءاً راسخاً في النظام الإداري، بسبب غياب الرقابة. هذا يهدد مصداقية الشهادات الجامعية ويحول التعليم العالي إلى تجارة.
بينما يعاني الطلاب من ظروف معيشية صعبة، يضاف عبء مالي وأخلاقي جديد يفرضه فساد داخلي لا يجد من يردعه. وبينما تغيب الإرادة الحقيقية للإصلاح، تظل مكاتب الخدمات الجامعية تلعب دور الوسيط غير الشرعي.