الخميس, 12 يونيو 2025 01:49 PM

غضب في سوريا: ظهور شخصيات أمنية متهمة بانتهاكات يقوض جهود "السلم الأهلي" والعدالة الانتقالية

غضب في سوريا: ظهور شخصيات أمنية متهمة بانتهاكات يقوض جهود "السلم الأهلي" والعدالة الانتقالية

أثار ظهور شخصيات أمنية سابقة، ارتبط اسمها في ذاكرة السوريين بالقمع والدم، في مشهد "السلم الأهلي" المُروَّج له مؤخراً، موجة غضب واستياء في الشارع السوري، وسط تساؤلات حارقة حول مصير العدالة الانتقالية، وحقوق الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب أو فقدوا أقاربهم في المعتقلات أو المجازر.

جاء ذلك عقب المؤتمر الصحفي الذي عقده عضو اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي حسن صوفان، والذي برر وجود شخصيات جدلية في اللجنة على رأسها فادي صقر، أحد أبرز الوجوه الأمنية التي يتهمها ناشطون بالضلوع في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق السوريين، خاصة في دمشق وريفها إبان سنوات الحرب. حيث قال صوفان: "وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد".

الظهور العلني لفادي صقر، لا بصفته متهماً أو مسؤولاً عن ماضٍ دموي، بل كرمز لـ"المصالحة" و"السلم الأهلي"، شكّل صدمة للكثيرين، من بينهم سمر، طالبة جامعية سابقة من إدلب وناجية من معتقلات النظام، والتي قضت ثلاث سنوات في أقبية التعذيب بين الفروع الأمنية المختلفة. تقول سمر في حديثها إلى سوريا 24: "تم اعتقالي من أمام باب الجامعة، وتعرضت لتعذيب جسدي ونفسي لا يمكن وصفه. رأيت فتيات يُسحبن ولا يعدن. اليوم، حين أرى من كان شريكاً في تلك الجرائم يتصدر مشهد السلم الأهلي، أشعر أن العدالة تُذبح مجددًا. لن أسامح جلادي، ولن أقبل بعدالة تُسوّق لمصالحة فوق جراحنا".

الصحفي حسن الحسين، وهو من أبناء الجولان المحتل، وكان من سكان منطقة الحجر الأسود جنوب دمشق قبل تهجيره إلى الشمال السوري منذ سنوات، عبّر هو الآخر عن خيبة أمله الشديدة، بعد فقدانه ثلاثة من أشقائه في أحداث متفرقة، جميعها – كما يقول – مرتبطة بدوائر القتل التي ارتبط بها فادي صقر بشكل مباشر أو غير مباشر. "أخي أحمد اعتُقل أمام قسم القدم، وحسين قُتل في مجزرة علي الوحش، وخديجة أُصيبت بقذيفة هاون أمام منزلنا. لا يمكنني أن أقتنع أن فادي صقر بريء من دمهم، لا بل بات يُقدَّم على أنه رمز بطولي ساهم في تحرير سوريا. أي عدالة تلك التي تغضّ الطرف عن القتلة؟"، يتساءل حسن بحرقة.

ويضيف في حديث لسوريا 24: "منذ معركة حلب، لم يكن لفادي صقر أي تأثير على مسار المعارك. فكيف يتحول فجأة إلى حمامة سلام؟ هل المطلوب أن نغفر له لمجرد أن له دورًا في المصالحة؟ أي مصالحة بلا محاسبة؟ إن العدالة الانتقالية الحقيقية لا تتجاهل دماء الأبرياء".

وتعليقاً على ما جاء في المؤتمر، اعتبرت المحامية أسماء نعسان أن ما يجري حالياً لا يمتّ لمفاهيم العدالة الانتقالية بصلة، وأن استمرار تجاهل مبدأ المحاسبة سيقود إلى انفجار اجتماعي قادم. وقالت: "السلم الأهلي لن يتحقق من دون عدالة انتقالية، ولن تكون هناك عدالة من دون محاسبة واضحة للمسؤولين عن الانتهاكات. لا بديل عن هذا المسار، لأن هذا الملف سيبقى مفتوحاً، وقد ينفجر لاحقاً بطريقة أعنف".

وتابعت نعسان: "كنا ننتظر المؤتمر الصحفي لنعرف ما تحقق في هذا الملف، لكننا خرجنا بلا أجوبة. لا نعلم ما هي المعايير، ولا آلية اتخاذ القرار. المؤتمر لم يقدّم لنا أي تقارير، ولم يطمئن أحداً بأن هناك جدية أو نية حقيقية لمحاسبة المتورطين في الجرائم. لا يمكن لهذا الشعب أن يقبل بتلميع الجلادين تحت غطاء المصالحة". وتساءلت باستنكار: "لماذا لا يُنشر أي تقرير واضح من هذه اللجان التي يُفترض أن تسهم في العدالة الانتقالية؟ أين الشفافية؟ الشعب السوري يستحق أن يُخاطَب بصدق، لا أن يُفاجأ بتسويق القتلة كمصلحين".

في ظل غياب واضح لمساءلة فعلية، وتقديم الجناة على أنهم رموز للسلام، يزداد قلق السوريين من أن يتحول مشروع "العدالة الانتقالية" إلى مجرد غطاء سياسي لتبييض الجرائم، وتجاوز مطالب الضحايا الذين لا يزالون ينشدون الحقيقة والمحاسبة، لا الشعارات الفارغة.

مشاركة المقال: