لا يزال الاختفاء القسري والخطف والأعمال الانتقامية من أعقد التحديات التي تواجه السلطات الأمنية في سوريا. الغموض والمعلومات المتضاربة تحيط بمعظم الحالات المتداولة في وسائل الإعلام، مما يثير الذعر والقلق، خاصة في مناطق الساحل السوري وحمص والسويداء، حيث تتركز أغلب الحالات المبلغ عنها. في المقابل، تغيب حالات مماثلة في مناطق أخرى عن الإعلام، بينما تظهر جرائم قتل انتقامية في محافظات مثل حماة ودرعا.
من الأمثلة على ذلك، قيام جهة مسلحة بإخفاء المحامي رضوان الأحمد وشقيقه الطبيب بسام الأحمد في قرية بيت عانا باللاذقية أثناء حملة أمنية. تضاربت المعلومات حول ما إذا كان التوقيف تم من قبل الأمن العام أم أن الفصيل المسلح اختطفهما.
قبل ذلك بساعات، خُطف ممتاز يوسف أحمد من أمام منزله في طرطوس على يد ملثمين، وفقًا لزوجته التي أبلغت الأمن العام دون التوصل إلى سبب الخطف أو هوية الفاعلين. وفي دمشق، لا يزال الغموض يحيط بالعثور على جثامين خمسة شبان في مشفى المجتهد، من أصل سبعة اختفوا أثناء عودتهم من العمل إلى مسكنهم في حي عش الورور.
المحامية عهد قوجة من جبلة، والمقيمة في دمشق، توقفت عن متابعة قصص المختطفين بسبب "الالتباس" المحيط بها. وأشارت إلى وجود حالات خطف للفدية، وحالات اختفاء قسري لأسباب طائفية، إضافة إلى حالات اختفاء غامضة. المشكلة، بحسب رأيها، تكمن في غياب المعلومات وطمس الحقائق والتهويل بالشائعات والأخبار غير الصحيحة، خاصة ما تردد عن حالات "سبي". وأكدت أنه لا يوجد دليل ملموس أو معلومات موثوقة حول وجود حالات سبي للنساء، لكن في ظل حالات الخطف لأسباب طائفية لا يُستبعد الاحتمال.
وترى المحامية أن صمت السلطات وعدم توضيح حقيقة ما يجري للرأي العام يزيد من الالتباس. كما أن ترويج حالات اختفاء على أنها سبي، ثم تبين أن النساء ذهبن بإرادتهن، ساهم في تضييع قضية المختفيات قسرياً.
يتداول ناشطون قوائم بأسماء خمسين امرأة اختفين بظروف غامضة أو اختطفن. وتشير قوجة إلى أن حالات الاختفاء والخطف التي تم التبليغ عنها قليلة قياساً إلى القوائم المتداولة. ومن الحالات المبلغ عنها، الأطفال الثلاثة الإخوة الذين اختفوا في ريف اللاذقية أثناء أحداث الساحل في مارس الماضي، وقد ظهرت البنتان قبل يومين دون معلومات عن مكانهما أو مصير شقيقهما.
كذلك، شغلت قضية الشابة ميرا مواقع التواصل، وتبين أنها هربت مع الشاب أحمد الذي رفضه أهلها وتزوجا. وهناك الفتاة لانا التي زيفت عملية خطفها لتظهر لاحقاً مع شاب قالت إنها مرتبطة به. وترى المحامية قوجة أن معظم تلك الحالات تظهر أن الاختفاء كان لأسباب شخصية.
تشير قوجة إلى حالات أخرى للاختفاء تم التبليغ عنها، وهي خطف أطفال لطلب فدية، مثل طفل في صحنايا بريف دمشق تم تحريره، وطفل في حلب عاد إلى أهله بعد دفع فدية، وطفلا محاميين اختطفا في دمشق ودفع الوالدان فدية باهظة لاستعادتهما. بالإضافة إلى حالات خطف لأسباب انتقامية لم يتم الإعلان عن الجهات الخاطفة. وانتقدت قوجة طريقة معالجة هذه القضايا من قِبل الجهات الرسمية والإعلام، وما يسببه ذلك من قلق وانعدام للأمان.
من جهة أخرى، قالت ناشطة نسوية في حماة إن عمليات القتل الانتقامي تتكرر في حماة بعيداً عن الإعلام، وآخرها كان قبل أسبوع في حي الشيخ عنبر، وتستهدف متعاونين سابقين مع الأجهزة الأمنية في النظام السابق. ووصفت الفعل بـ"الخطير للغاية" ويهدد الاستقرار، ومن المستغرب ألا تكشف السلطات الأمنية عن ملاحقتها للقتلة أو توضيح ملابسات الجرائم.
في السياق ذاته، أكد محمد يوسف، وهو ناشط مدني في بانياس، أن حالات الخطف وجرائم القتل الطائفي لا تزال متواصلة في بانياس، بمعدل يومي، إلا أن ما يخص خطف النساء، فإن معظمها غير موثق. وأضاف أنه لم يتم الإبلاغ عن حالة حقيقية لخطف النساء، وأن الحالات التي كُشف عنها كانت لأسباب خاصة اجتماعية، كالهروب من الأسرة، في حين يتواصل خطف الرجال لأسباب انتقامية؛ إذ يعثر على الجثة بعد اختفاء يتراوح من يوم إلى أسبوع.
وأكد محمد يوسف أن ما يسبب الالتباس هو أن الأمن العام لا يكشف عن أسماء الموقوفين لديه، وبالتالي يصعب تحديد ما إذا كان سبب الاختفاء، توقيفاً أم خطفاً يقوم بها أشخاص لا يتبعون أي جهة ويحملون سلاحاً مسروقاً ويقتلون لأسباب طائفية بحتة.
من تلك الحالات، قتل الشاب سامر سليمان حمدوش من قرية كوكب، وهو عامل تركيبات في مقسم البيضة، بطلقة مسدس في الرأس. وأشار إلى وجود حالات يعرف فيها القاتل ولا تتم محاسبته. من ذلك، شخص من قرية علقين، قتل حبيب حيدر وأولاده الثلاثة من قرية بديغان، وجرى توقيف القاتل لأقل من شهر ثم أُطلق سراحه. وهناك حالات قتل أخرى عُرف القاتل ولم يقبض عليه، منها قتل ثلاثة أشخاص في قرية القلوع، وهم شمعون وابنه رامز وأخوه هاني محفوض، أمام منزلهم ولم يتم التصرف رغم وجود كاميرات مراقبة في المنطقة.
هذا، وقد حظرت فتوى مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا "الثأر الشخصي"، وأكدت على استرداد الحقوق عبر القضاء، وحذَّر المجلس من تحريض الأفراد على الثأر، مؤكداً أن ذلك "يذكي نار الفتنة ويهدد السلم المجتمعي"، كما طالب المجلس المسؤولين بـ"تعجيل إجراءات التقاضي، وإبعاد قضاة السوء"، وضمان تحقيق العدالة حفاظاً على استقرار المجتمع.