الجمعة, 6 يونيو 2025 12:41 AM

سوريا تدمج مقاتلين أجانب: هل تنجح خطة دمشق في احتواء التطرف أم تفاقم التوترات الدولية؟

سوريا تدمج مقاتلين أجانب: هل تنجح خطة دمشق في احتواء التطرف أم تفاقم التوترات الدولية؟

في خضم التحولات السياسية التي تعصف بسوريا، تبرز قضية دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري الجديد كمحور نقاش دقيق ومعقد، يعكس التوازنات الدقيقة بين الأمن القومي والعلاقات الدولية.

فالولايات المتحدة، التي طالما نادت بإبعاد هؤلاء المقاتلين عن مراكز القوى في سوريا، بدّلت موقفها في خطوة تبدو مفاجئة للوهلة الأولى، لكنها تحمل في طياتها منطقًا استراتيجيًا عميقًا. فقد أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، في الثاني من يونيو 2025، عن "تفاهم" مع الحكومة السورية الانتقالية يقضي بدمج المقاتلين الأجانب ضمن صفوف الجيش السوري الجديد، وذلك تحت مظلة الشفافية التي تطالب بها واشنطن.

هذا التحول، الذي يناقض موقف الولايات المتحدة في مارس 2025، والذي دعا إلى منع المقاتلين الأجانب من تولي مناصب عليا، يعكس رؤية جديدة تقوم على فكرة أن احتواء هؤلاء المقاتلين ضمن هيكلية الدولة قد يكون أقل مخاطرة من استبعادهم، مما قد يدفعهم نحو أحضان الجماعات المتطرفة مثل القاعدة أو تنظيم الدولة.

الحكومة السورية الانتقالية، بقيادة أحمد الشرع، تبنت هذا النهج بدافع البراغماتية. ففي ظل تصاعد نشاط الجماعات السلفية الجهادية في مايو 2025، يبدو أن دمشق ترى في دمج هؤلاء المقاتلين، ومن بينهم أعضاء الحزب الإسلامي التركستاني، وسيلة لتفكيك التهديدات المحتملة من الداخل. فالحزب الإسلامي التركستاني، وهو جماعة جهادية أويغورية تابعة للقاعدة، ارتبط تاريخيا بهيئة تحرير الشام، لكنه أعلن مؤخرا، عبر مسؤوله السياسي أسامة بوغرا، خضوعه الكامل لسلطة وزارة الدفاع السورية. وهذا الإعلان يعزز فكرة أن الدمج قد يكون أداة فعالة لتفكيك الولاءات القديمة وإعادة توجيهها نحو هيكلية الدولة.

ومع ذلك، فإن هذه الخطوة لا تخلو من تعقيدات جيوسياسية. فدمج جماعة مثل الحزب الإسلامي التركستاني في الفرقة 84، وهي وحدة عسكرية جديدة تضم 3500 مقاتل أجنبي إلى جانب مقاتلين سوريين، يثير تساؤلات حول تأثير ذلك على العلاقات الناشئة بين سوريا والصين. بكين، التي لطالما عارضت أنشطة المسلحين الأويغور في سوريا، قد تجد في هذا الدمج فرصة لاحتواء التهديدات التي تستهدف أمنها القومي، خاصة إذا تمت السيطرة على هؤلاء المقاتلين تحت إشراف الدولة السورية. لكن التوازن دقيق، إذ إن أي خطأ في إدارة هذه العملية قد يعزز التوترات مع الصين.

والسؤال الأكبر هنا هو: كيف ستتعامل جمهورية الصين الشعبية مع هذا التحوّل؟ بكين، التي عارضت دائما وجود المسلحين الأويغور في سوريا، وخاصة من خلال تنظيم "الحزب الإسلامي التركستاني"، كانت وما زالت تنظر إلى هذه الجماعات باعتبارها تهديدا مباشرا لأمنها الداخلي، لكن يبدو أن المعادلة بدأت تتغير. فقد دعا ممثل الصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، الحكومة السورية في 25 مارس الماضي إلى مواصلة محاربة ما وصفه بـ "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، ومن ضمنهم "الحزب الإسلامي التركستاني".

ومع ذلك، يرى مراقبون أن إدراج هذه الجماعات في هيكل الدولة السورية الجديد قد يكون كافيا من وجهة النظر الصينية لاحتوائها، خاصة إذا ما تمت مراقبتها بفعالية. وهو ما يفسر زيارة ثلاثة وفود رسمية صينية إلى دمشق منذ فبراير الماضي، في مؤشر على أن بكين تسعى لبناء علاقة جديدة مع الحكومة الانتقالية، وأنها لا تزال ترى في سوريا عاملاً استراتيجيًا في المنطقة، خصوصًا في مجال الاستثمار وإعادة الإعمار.

في المحصلة، يبدو أن سوريا تسعى إلى إعادة صياغة قواعد اللعبة في المشهد الأمني الداخلي، بينما تواجه تحديات خارجية تتطلب منها موازنة دقيقة بين مصالح القوى الكبرى. وإن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على مدى قدرة الحكومة الانتقالية على فرض سيطرتها على هؤلاء المقاتلين، وضمان أن تكون هذه الخطوة بداية لاستقرار دائم، وليس مقدمة لفوضى جديدة.

مشاركة المقال: