الجمعة, 30 مايو 2025 03:06 PM

بعد سنوات النزوح: سوريون يعودون إلى قراهم المدمرة وينصبون الخيام بين الأنقاض

بعد سنوات النزوح: سوريون يعودون إلى قراهم المدمرة وينصبون الخيام بين الأنقاض

بعد معاناة استمرت نحو 14 عامًا في النزوح، عاد عارف شمطان إلى قريته المدمرة في شمال غرب سوريا بعد سقوط حكم بشار الأسد، مفضلاً العيش في خيمة على أطلال منزله المدمر على البقاء مشرداً في المخيمات.

فور إطاحة الأسد، عاد شمطان البالغ من العمر 73 عامًا بلهفة مع ابنه إلى قريته الحواش الواقعة على أطراف محافظة حماة، ليتفقد ما تبقى من منزله وأرضه الزراعية للمرة الأولى منذ نزوحهم على وقع المعارك إلى مخيم عشوائي قرب الحدود مع تركيا.

بعد تأمين بعض احتياجاته، قرر قبل نحو شهرين مغادرة المخيم مع عائلته وأحفاده للاستقرار في خيمة متواضعة نصبها قرب منزله الذي تصدعت جدرانه وبات بلا سقف. وبدأ بزراعة بستانه بالقمح والخضار.

يقول الرجل وهو يجلس على الأرض أمام الخيمة المحاذية لحقله، محتسيًا كوبًا من الشاي، لوكالة "فرانس برس": "أشعر بالراحة هنا، ولو على الركام". ويضيف: "العيش على الركام أفضل من العيش في المخيمات" التي بقي فيها منذ عام 2011.

في قريته التي كانت تحت سيطرة الجيش السوري السابق، وشكلت خط مواجهة مع محافظة إدلب، التي كانت معقلاً للفصائل المعارضة، اختفت معالم الحياة تمامًا. ولم يبق من المنازل إلا هياكل متداعية موزعة بين حقول زراعية شاسعة.

رغم انعدام مقومات الحياة والبنى التحتية الخدمية، وعجزه عن إعادة بناء منزله لنقص الإمكانات المادية، يقول شمطان بينما تجمّع حوله أحفاده الصغار: "لا يمكننا البقاء في المخيمات وأماكن النزوح"، حتى لو كانت "القرية كلها مدمرة… لا أبواب فيها ولا نوافد والحياة معدمة". ويتابع: "قررنا أن ننصب خيمة ونعيش فيها إلى حين أن تُفرج، ونحن ننتظر من المنظمات والدولة أن تساعدنا"، إذ أن "المعيشة قاسية والخدمات غير مؤمنة".

في العام 2019، حين اشتد قصف الجيش السوري السابق على القرية، غادر المختار عبد الغفور الخطيب (72 عامًا) على عجل مع زوجته وأولاده، ليستقر في مخيم قريب من الحدود مع تركيا. وبعد إطاحة الأسد، عاد على عجل أيضًا. ويقول: "كنت أود فقط الوصول إلى بيتي. ومن شدة فرحتي (…) عدت ووضعت خيمة مهترئة، المهم أن أعيش في قريتي".

ويكمل الرجل: "يود الناس كلهم أن يعودوا"، لكن "كثيرًا لا يملكون حتى أجرة سيارة" للعودة، في بلد يعيش تسعون في المئة من سكانه تحت خط الفقر. ويضيف بينما يجلس على الأرض في خيمة متواضعة قرب بقايا بيته: "لا شيء هنا، لا مدارس ولا مستوصفات، لا مياه ولا كهرباء"، ما يمنع كثيرًا من العودة كذلك. لكنه يأمل "أن تبدأ إعادة الإعمار ويعود الناس جميعًا، وتفتح المدارس والمستوصفات" أبوابها.

شرّد النزاع الذي بدأ العام 2011 بعد قمع السلطات لاحتجاجات شعبية اندلعت ضد حكم عائلة الأسد، قرابة نصف عدد سكان سوريا داخل البلاد وخارجها. ولجأ الجزء الأكبر من النازحين إلى مخيمات في إدلب ومحيطها.

بعد إطاحة الأسد، عاد 1.87 مليون سوري فقط، من لاجئين ونازحين، إلى مناطقهم الأصلية، بحسب المنظمة الدولية للهجرة التي أشارت إلى أن "نقص الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية يشكل التحدي الأبرز" أمام عودتهم. ولا يزال نحو 6.6 ملايين شخص نازحين داخليًا، وفق المصدر ذاته.

مع رفع العقوبات الغربية عن سوريا، تعول السلطات الجديدة على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة الإعمار، والتي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار.

بعدما نزحت مرارًا خلال السنوات الأخيرة، عادت سعاد عثمان (47 عامًا) مع بناتها الثلاث وابنها إلى قريتها الحواش منذ نحو أسبوع. وتقول المرأة التي تؤمن قوتها اليومي من أعمال يدوية بسيطة: "تغير كل شيء، البيوت تدمرت ولم يبق شيء في مكانه".

مع أن سقف منزلها انهار وتصدعت جدرانه، لكنها اختارت العودة إليه. على جدار متهالك، وضعت المرأة فرشًا ووسائد للنوم على خزانة قديمة. وفي العراء، وضعت سريرا صغيرا قرب لوحين شمسيين، لا يحميه شيء سوى بطانيات معلقة على حبال غسيل. وفي الجوار، وعلى ركام منزلها، أقامت المرأة موقدًا لتطهو عليه الطعام. وتوضح: "استدنت ثمانين دولارًا ثمن بطارية" لتوفير الإضاءة مع غياب شبكات الكهرباء. وتشرح السيدة التي فقدت زوجها خلال الحرب: "نعرف أن المكان هنا مليء بالأفاعي والحشرات. لا يمكننا أن نعيش من دون ضوء في الليل".

قرب قرية قاح المحاذية للحدود التركية في محافظة إدلب المجاورة، يخلو أحد المخيمات تدريجيًا من قاطنيه في الأشهر الأخيرة. وتظهر صور جوية التقطها مصور "فرانس برس" عشرات الخيم التي بقيت فقط جدرانها المبنية من حجارة الطوب.

يوضح جلال العمر (37 عامًا) المسؤول عن جزء من المخيم المتهالك، إن نحو مئة عائلة غادرت المخيم إلى قريته التريمسة في ريف حماه، لكن نحو 700 عائلة أخرى لم تتمكن من العودة جراء ضعف إمكاناتها المادية. ويتحدث عن غياب البنى التحتية الضرورية، على غرار إمدادات المياه والأفران. ويوضح: "لشراء الخبز، يتوجه الناس إلى محردة التي تبعد 15 كيلومترًا أو إلى سقيلبية" المجاورة.

ويضيف: "لا ترغب الناس بالبقاء في المخيمات، يريدون العودة إلى قراهم، لكن فقدان أبسط مقومات الحياة من بنى تحتية وشبكات كهرباء وصرف صحي.. يمنعها من العودة". ويقول: "يسألني كثر لماذا لم تعد؟ لا منزل لدي وأنتظر فرصة لتأمين مكان يؤويني في القرية".

مشاركة المقال: