الجمعة, 6 يونيو 2025 04:34 AM

الحياة بين الحاضر والمستقبل: كيف نتخلص من وهم التأجيل ونعيش اللحظة؟

الحياة بين الحاضر والمستقبل: كيف نتخلص من وهم التأجيل ونعيش اللحظة؟

عبد القادر دمج

كثيرًا ما نؤجل الأمور التي نحب القيام بها، كالسفر والمغامرة والفرح، بحجة التركيز على أهدافنا. لكن، هل الحياة تنتظرنا؟ كم مرة تساءلنا: "متى ستبدأ حياتي حقًا؟"، معلقين البداية على التخرج، الوظيفة، الثراء، أو الشريك المناسب.

نربط سعادتنا بتحقيق هدف ما، لكن حتى بعد تحقيقه، قد لا يتغير الإحساس بالفراغ والقلق. فلماذا نؤجل الحياة؟

المعالجة النفسية سارا روكس توضح أن هذا النمط من التفكير، المعروف بـ"تفكير كل شيء أو لا شيء"، يجعلنا نشعر بأن الحياة الحقيقية تبدأ لاحقًا، لا في الحاضر. فنؤجل الرضا إلى "ما بعد" الترقية أو الشهادة الجامعية.

وتؤكد روكس أن هذا الشعور ينبع من عوامل متشابكة، تبدأ من الأسرة والتربية، مرورًا بتجارب الطفولة، وصولًا إلى ضغط المجتمع وتوقعاته الصارمة، التي تربط تقدير الذات بالإنجازات الملموسة.

تأجيل الحياة ليس مجرد تأخير، بل هو درع نفسي لتجنب مواجهة واقع مؤلم. لكن هذا التأجيل يمنحنا وهمًا مؤقتًا بالراحة، بينما يغرس جذور العجز في داخلنا.

في علم النفس، يُنظر إلى من يعلقون حياتهم على محطات مستقبلية كأشخاص يعيشون في حالة تجميد نفسي، ما يرهق الجهاز العصبي ويقوض القدرة على الاستمتاع بالحاضر.

هذا النمط يولد قلقًا مزمنًا، ويخلق فجوة بين الواقع والمفترض. وحتى بعد تحقيق الأهداف، يظل الشعور بالنقص قائمًا.

من أبرز مؤشرات "متلازمة الحياة المؤجلة" مقارنة الذات بالآخرين، والشعور بالتأخر عنهم، وتأجيل القرارات المصيرية بحجة أن "الوقت غير ملائم".

الدماغ البشري يعيش ما يُعرف بـ "تكيف المتعة"، حيث يعتاد بسرعة على الإنجازات، ما يدفعنا للسعي وراء تحديات جديدة.

السعادة لا تأتي من تحقيق الأهداف فحسب، بل من عيش حياة ذات معنى، وبناء علاقات صحية، وتبني شعور بالامتنان تجاه اللحظة. الفرق بين السعي والتأجيل يكمن في أن السعي يدفعنا إلى التقدم مع الحفاظ على متعة الحاضر، بينما يعلق التأجيل حياتنا على مشهد مستقبلي.

لتحرير أنفسنا من وهم التأجيل، يجب أن نبدأ بخطوات بسيطة، مثل تدوين الإنجازات اليومية، والشعور بالامتنان، وقضاء وقت ممتع مع من نحب، وتخفيف الضغط عن النفس. العمر يُقاس باللحظات التي نعيشها بوعي، وبالتجارب التي تصوغ شخصياتنا.

مشاركة المقال: