الأحد, 15 يونيو 2025 11:48 PM

الحجر الأسود: سكان يعانون عزلة تكنولوجية خانقة وسط وعود بتحسين الاتصالات

الحجر الأسود: سكان يعانون عزلة تكنولوجية خانقة وسط وعود بتحسين الاتصالات

يعيش آلاف السكان في مدينة الحجر الأسود بدمشق في عزلة شبه كاملة، حيث لا يمكن إجراء المكالمات الهاتفية أو الوصول إلى شبكة الإنترنت من داخل الأحياء السكنية، ما يدفع بالأهالي إلى التنقل يوميًا إلى مناطق مجاورة مثل يلدا وسبينة فقط لإجراء اتصال بسيط أو إرسال رسالة عبر تطبيق.

عزلة تكنولوجية خانقة في الحجر الأسود

رغم مرور ستة أشهر على تحرير سوريا، ما يزال الحجر الأسود في جنوب دمشق يعاني من انقطاع تام في خدمات الاتصالات والإنترنت، وسط تجاهل تام من قبل شركات الاتصالات والجهات الخدمية المعنية. بعد ما تعرضت جميع أبراج الاتصالات إلى التعفيش والسرقة من قبل عناصر نظام الأسد السابق وبقي فقط الحديد يعتلي سطح الأبنية.

“سيريتل” و”MTN” تتجاهلان معاناة السكان وتكتفيان بردود شكلية

رغم تلقي شركات الاتصالات، سيريتل وMTN، لعشرات الشكاوى على مدى أشهر طويلة، إلا أن الردود بقيت شكلية دون تنفيذ أي خطوات فعلية، وفق علاء الأحمد، طالب جامعي من أبناء الحي. فيما يرى السكان أن الجهات المسؤولة تتعامل مع معاناتهم على أنها ملف مهمل، على الرغم من أهمية الاتصالات في حياة الناس اليومية، من التعليم إلى الصحة إلى العمل. يؤكد علاء أن الحي منذ أكثر من عام، يعيش دون تغطية للهواتف المحمولة أو إمكانية لاستخدام الإنترنت، في وقت تتجاهل فيه شركتا “سيريتل” و”MTN”، إلى جانب المديرية العامة للاتصالات، عشرات الشكاوى التي تقدم بها السكان منذ إعادة فتح الحي للسكن تدريجيًا بعد سنوات الحرب والدمار.

تقول خولة الفضاله، وهي معلمة مدرسة في المدينة :”لا شبكة، لا إنترنت، لا اتصال، وكأننا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم”، هكذا بات حال المنطقة، مؤكدة أن الأهالي مجبورين على الخروج إلى أطراف الحجر الأسود أو التوجه إلى مناطق مجاورة مثل يلدا وسبينة لإجراء مكالمة هاتفية أو فتح تطبيق تواصل اجتماعي. تضيف أن الردود التي تتلقاها من شركة MTN لا تتعدى كونها رسائل روتينية لتأكيد استلام الشكوى، دون أي تحرك فعلي على الأرض.

تضيف: “الرد نفسه يتكرر منذ أشهر، وكأنه مجرد قالب جاهز لتسكين المطالب، إذ جاء في آخر تواصل معهم: “نؤكد لكم أن الشكوى المقدمة مسبقاً لا تزال قيد المتابعة، إلا أن بعض المشاكل قد تتطلب بعض الوقت ريثما يتم الانتهاء من حلها بشكل جذري. فيرجى منكم إمهال القسم المختص ومنحه الوقت اللازم لحل المشكلة. وسيتم حالياً إرفاق الشكوى بملاحظة تفيد بتواصلكم معنا للتأكيد على متابعتها وحلها بأقرب وقت ممكن”.

يشير الأهالي إلى أن هذا النوع من الردود بات مثار سخرية بين السكان، الذين يشعرون بأنهم باتوا خارج أولويات الشركات، رغم معاناتهم اليومية المستمرة واحتياجاتهم الضرورية للاتصال.

الجهات الرسمية تبرر.. والناس لا تثق

أوضح مصدر مسؤول في قطاع الاتصالات بريف دمشق في تصريح خاص لمنصة سوريا 24، أن انقطاع الاتصالات في منطقة الحجر الأسود يعود إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية في المنطقة على مدار السنوات الماضية. وقال المصدر: “منطقة الحجر الأسود مدمرة بشكل كامل، حيث لا توجد كوابل رئيسية أو فرعية، كما أن المراكز التابعة لها دُمرت بشكل شبه كامل.” وأضاف أن الخدمات تم توقفها منذ فترة طويلة، بينما كان الخيار الثاني لتوفير الاتصال هو الاعتماد على شبكات الواي فاي في المنطقة، نظراً لصعوبة تقديم خدمات الاتصالات عبر تقنية الـ DSL، بسبب توقف التوسع في شبكات النحاسي.

وأكد المصدر أن مركز الاتصالات في الحجر الأسود تعرض لتدمير كامل، مما جعل الشبكة الرئيسية والفرعية غير قابلة للاستخدام، لذا تم اللجوء إلى تقديم الخدمة عبر مزودي خدمة الواي فاي كحل مؤقت. وأشار إلى أن العمل جارٍ على دراسة وتنفيذ شبكة الألياف البصرية (فايبر) لتحسين الوضع مستقبلاً، في إطار جهود إعادة الإعمار التي تعاني المنطقة من تأخرها.

مشروع “برق نت”: حلم سريع في واقع بطيء

في سياق متصل أعلن وزير الاتصالات عبد السلام هيكل اليوم عن إطلاق مشروع “برق نت” لتوصيل الألياف الضوئية إلى كل منزل ومكتب في سوريا وقال عبر منصة X إن المشروع يضمن إنترنتاً سريعاً بجودة عالية، مع حلول لاسلكية في المناطق التي يتعذر فيها مد الألياف. وأضاف أن الإنترنت بسرعة البرق حق لكل سوري ورافعة لتحسين جودة الحياة ودفع عجلة التنمية، مشيراً إلى أن التنفيذ يبدأ خلال أسابيع ويستهدف أوسع تغطية في أقصر وقت.

فيما وجد عبدالله محمد، طالب كلية هندسة اتصالات من منطقة الحجر الأسود أن هذه الوعود تحتاج وقتاً زمنياً بحدود خمس سنوات أو أكثر خاصة أن البنية التحتية لمعظم المدن مدمرة وبعضها اليوم لا يوجد فيه خطوط DSL، معتبرًا أن مشروع الألياف مشروع جبار لكنه يحتاج وقتاً وعملاً وجهداً لمد الأكبال تحت الأرض لكل شارع وحارة في سوريا ومحطات توزيع أرضية وسيرفرات تتحمل الضغط، وتحتاج كل بناية إلى تركيب علبة خطوط توصيل للمنازل.

وسط وعود تتكرر دون تنفيذ ملموس، يواصل سكان الحجر الأسود حياتهم في عزلة تكنولوجية تُقصيهم عن العالم الخارجي، وتحرمهم من أبسط مقومات الحياة المعاصرة. وفيما تتحدث الحكومة عن مشاريع ضخمة لتحسين جودة الإنترنت، تبقى الحقيقة في الحجر الأسود أن الاتصال بوالدٍ مريض أو إرسال واجب جامعي لا يزال يتطلب رحلة سير على الأقدام إلى حي مجاور. وبين صمت الشركات وتباطؤ الجهات الرسمية، يبقى أمل السكان الوحيد ألا تبقى مدينتهم طيّ النسيان أكثر مما كانت عليه في زمن الحرب.

مشاركة المقال: