الأحد, 25 مايو 2025 11:48 PM

توسع تداول الليرة التركية في سوريا: هل يقوض السيادة الوطنية والاقتصاد؟

توسع تداول الليرة التركية في سوريا: هل يقوض السيادة الوطنية والاقتصاد؟

عنب بلدي – جنى العيسى

قبل خمس سنوات، اتخذت السلطات المؤقتة في شمال غربي سوريا، الخارجة عن سيطرة النظام السابق، قرارًا باعتماد الليرة التركية بدلًا من الليرة السورية كحل مؤقت لأسباب نقدية، بانتظار حل سياسي شامل. واليوم، وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على سقوط النظام السابق، ومع انفتاح الأسواق بين المحافظات السورية، يظل مصير تداول الليرة التركية معلقًا، بل امتد ليشمل دمشق مع حركة التجارة والزيارات من الشمال الغربي.

لماذا تم اعتماد الليرة التركية؟

في ظل التدهور الحاد في قيمة الليرة السورية منذ عام 2011، وتوقف العديد من التعاملات التجارية بين المناطق السورية، وسعيًا لقطع التمويل عن النظام السابق وتنشيط التجارة الخارجية، تم اعتماد الليرة التركية كعملة محلية في شمال غربي سوريا في حزيران 2020، بعد أن وصل سعر صرف الليرة السورية إلى 3500 ليرة للدولار الواحد. كان الهدف المعلن أن يكون هذا الاستبدال مؤقتًا.

تواجه الليرة التركية المتداولة في إدلب مشكلة التلف، ما يدفع بعض التجار ومحطات الوقود لرفض التعامل بها. هذه المشكلة، بالإضافة إلى مسألة السيادة الوطنية، تثير تساؤلات حول استمرار تداول الليرة التركية وتأثيره على الليرة السورية والاقتصاد بشكل عام. حاولت عنب بلدي الحصول على توضيح من وزارة المالية السورية حول خططها، لكن لم تتلقَ ردًا حتى وقت إعداد هذا التقرير.

السيادة والاقتصاد

العملة الوطنية هي رمز للسيادة الاقتصادية والوطنية، كما يؤكد الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر. ويضيف أن وجود عملات أجنبية في التداول يحد من قدرة البنك المركزي على ضبط السوق النقدية وتحقيق استقرار العملة الوطنية. ويرى أن اعتماد الليرة التركية كان مبررًا في ظروف استثنائية، لكنه لم يعد كذلك الآن.

سلبيات أكثر

يرى الدكتور يحيى السيد عمر أن استمرار تداول الليرة التركية قد يقلل من آثار نقص السيولة، لكن سلبياته تفوق إيجابياته، خاصةً مع عدم القدرة على تحديد كمية الليرة التركية المتداولة، ما قد يؤثر سلبًا على قيمة الليرة السورية ويشجع المضاربة، وبالتالي زيادة التذبذب في سعر الصرف. هذا بدوره يؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني ويؤخر الانتعاش الاقتصادي ويقلل من جاذبية الاستثمار الأجنبي.

وجود الليرة التركية في التداول وفي ظل عدم القدرة على تحديد كميتها الموجودة، قد يؤثر سلبًا على قيمة الليرة السورية، ومن الممكن أن يشجع على المضاربة، وبالتالي زيادة حدة التذبذب في سعر الصرف.

د. يحيى السيد عمر

باحث في الاقتصاد السياسي

استثناء وحيد

الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي يؤكد أن العملة الوطنية هي رمز للسيادة الاقتصادية وأداة حيوية للسياسة النقدية، وتمكن الدولة من التحكم بالتضخم وأسعار الفائدة والنمو الاقتصادي. ويرى أن انتشار العملة التركية في سوريا ظاهرة خطيرة تهدد السيادة النقدية السورية، خاصة إذا تحول التداول من ظرفي إلى رسمي، مما يعني:

  1. تقويض العملة السورية كأداة وحيدة للسياسة النقدية.
  2. تعميم التبعية الاقتصادية لتركيا.
  3. تكريس الانقسام الاقتصادي بين المناطق الخاضعة للنفوذ التركي وتلك التابعة للحكومة السورية.

الاستثناء الوحيد للتعامل بالعملة الأجنبية هو إذا كان التداول مؤقتًا في مناطق محددة (مثل الشمال السوري) لسد فراغ نقدي بسبب انهيار الليرة السورية، لكن يجب أن يكون ضمن ضوابط صارمة لمنع التعميم.

د. إبراهيم نافع قوشجي

خبير اقتصادي ومصرفي

خسارة “ريع السيادة للنقود”

انتشار الليرة التركية في دمشق يعكس تراجع الثقة بالعملة الوطنية، ويترتب عليه، وفقًا لقوشجي:

  • اختراق السيادة النقدية: تحول الليرة التركية إلى عملة احتياط يعني نقل جزء من السياسة النقدية لتركيا.
  • تعقيد جهود الإصلاح النقدي: أي محاولة لتعزيز الليرة السورية ستواجه مقاومة.
  • انتشار العملة التركية يشكل خسارة لمفهوم “ريع السيادة للنقود”.

ويرى قوشجي أن انتشار الليرة التركية حل مؤقت وغير مستدام، ويتطلب استعادة الثقة بالليرة السورية من خلال سياسات نقدية مدروسة تعيد التوازن المالي وتعزز القدرة على ضبط التضخم.

مشاركة المقال: