الأحد, 27 يوليو 2025 05:37 PM

تعثر مفاوضات باريس حول سوريا: خلافات حول مطالب "قسد" ورفض دمشق لشروط مسبقة

تعثر مفاوضات باريس حول سوريا: خلافات حول مطالب "قسد" ورفض دمشق لشروط مسبقة

عنب بلدي – محمد كاخي

أثارت المعركة التي بدأتها الحكومة السورية ضد الفصائل المحلية في السويداء تساؤلات حول قدرة الحكومة على بسط سيطرتها على قواتها والمناطق الخاضعة لها. فقد ارتكبت قوات ترتدي زي وزارة الدفاع انتهاكات بحق مدنيين في محافظة السويداء، وفقًا لبيان الوزارة على فيسبوك، والذي توعد بمحاسبة المتورطين.

في غضون ذلك، أعلن المتحدث الرسمي باسم "قسد"، أبجر داود، رفض "قسد" تسليم أسلحتها للدولة السورية، وذلك في ظل تصاعد العنف في السويداء واستمرار تهديدات تنظيم "داعش".

من جانبها، أكدت الحكومة السورية أن "الحوار الوطني الحقيقي لا يكون تحت ضغط السلاح أو عبر استقواء بأي طرف خارجي"، وأنها ترفض أي خطاب يقوم على التهديد أو فرض شروط مسبقة تتعارض مع وحدة الدولة ومؤسساتها السيادية.

أحداث السويداء.. خطوة إلى الخلف

اعتبر بدران جيا كرد، مستشار الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، أن "على الحكومة الانتقالية أن تبادر لمراجعة شاملة لنهجها في التعامل مع الداخل السوري"، مؤكدًا أنه "لا يمكن فرض سيادة الدولة عبر أدوات القمع والترهيب".

ويرى الباحث السياسي، لؤي صافي، أن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس براك، يخشى من أن يؤدي تمرد السويداء و"قسد" إلى إضعاف حكومة دمشق وتوسيع دائرة التمرد. ويعتقد صافي أن هذا يفسر رغبة براك في إقناع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، بالعمل مع حكومة دمشق، بعد دعوة الهجري لـ"قسد" لفتح طرق برية مع السويداء.

كما يرى صافي أن أحداث السويداء تعطي الفصائل العسكرية المنضوية تحت مظلة "قسد" ذريعة للاحتفاظ بموقفها الحالي، وتعقد عملية توحيد الأراضي السورية ووضع المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا تحت سلطة الدولة. ويضيف أن مطالب "قسد" تتجاوز اللامركزية الإدارية إلى اللامركزية السياسية، مما يساهم في إبقاء الدولة السورية ضعيفة أمام جهود إسرائيل لتقسيم سوريا.

لا تنازلات من الطرفين

تعتبر الحكومة السورية أن أي شروط تتضمن رفض تسليم سلاح "قسد" والتمسك بتشكيل كتلة عسكرية داخل الجيش السوري أمر مرفوض ويتناقض مع الاتفاق الموقع بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد "قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، في آذار الماضي.

بالمقابل، ترفض "قسد" تسليم السلاح، خاصة بعد أحداث العنف الأخيرة في السويداء، وفقًا لتصريح أبجر داوود. وكان الاتفاق الأول بين الطرفين نص على احتفاظ "قسد" بخصوصيتها العسكرية ككتلة ضمن فيلق واحد، تتبعها فرق عسكرية في الرقة ودير الزور والحسكة، على أن تبقى في مناطقها الجغرافية الحالية.

يعتقد لؤي صافي أن "قسد" تريد أن تكون جزءًا من الدولة السورية مع الاحتفاظ باستقلاليتها الإدارية والعسكرية، والتحكم بالثروات الموجودة تحت سيطرتها، على غرار إقليم كردستان في شمال العراق. وتصر "قسد" على أن هذه الصيغة هي الوحيدة لضمان حقوق أبناء الجزيرة في ظل انتهاكات نظام الأسد لحقوق الأقليات غير العربية.

ويرى أيمن الدسوقي، الباحث في مركز عمران، أن الحكومة السورية تركز على حل قوات "قسد" ودمجها في الجيش السوري لتعزيز السيادة ووحدة واستقرار سوريا، بينما تفضل "قسد" تأجيل هذا الملف إلى نهاية المسار التفاوضي كضمانة لها، معتبرةً أنه الأكثر تعقيدًا ويتطلب فترة انتقالية.

تباين المواقف التفاوضية بخصوص عملية وتوقيت الدمج، وتفاوت البنى العسكرية والأمنية بين “الإدارة الذاتية” والحكومة السورية، يجعلان من مسألة حل قوات قسد ودمجها بالجيش السوري ملفًا صعبًا، يتطلب وقتًا لحلحلته.

أيمن الدسوقي – باحث في مركز عمران

فراغ أمني ستتركه "قسد"

يشير المقال إلى هجوم انتحاري على كنيسة مار إلياس في حي القصاع بدمشق، في 22 حزيران، أسفر عن مقتل وإصابة العشرات. كما نقل عن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، قوله إنه على السلطات في دمشق منع "داعش" من دخول السويداء.

يعتقد أيمن الدسوقي أن المؤسستين الأمنية والعسكرية للحكومة السورية ما تزالان حديثتي النشأة، وأن ملء الفراغ الناجم عن حل قوات "قسد" يتطلب استراتيجية عسكرية وعقيدة أمنية وطنية، وبنية تنظيمية مؤسساتية، وقدرات مادية وعسكرية وموارد بشرية مؤهلة.

ويضيف أن الولايات المتحدة تعمل على ترتيب البيئة التي تساعدها على اتخاذ قرار الانسحاب من شمال شرق سوريا، وأن هناك تيارين في الإدارة الأمريكية: تيار يسعى لحسم ملف التفاوض بسرعة، وتيار آخر يقارب الأمر من منظور عملياتي أشمل. وفي ظل عدم الحسم، تم تخصيص 130 مليون دولار لتمويل "قسد" لضمان عدم تضرر عمليات مكافحة تنظيم داعش.

مفاوضات متعثرة

تم تأجيل لقاء بين ممثلي "الإدارة الذاتية" ومسؤولي الحكومة الانتقالية في فرنسا، فيما أعلنت دمشق أنها ستعقد جولة مشاورات مع "قسد" في باريس بأقرب وقت ممكن.

يعتقد نوار شعبان، الباحث في مركز حرمون، أن نقل المفاوضات إلى باريس له دلالات رمزية وسياسية، لكون فرنسا أحد الداعمين الرئيسيين لـ"قسد". ويرى لؤي صافي أن الصيغة التي تطرحها "قسد" غير مقبولة لأنها تشكل تهديدًا بانفصال الشمال تدريجيًا عن الدولة السورية.

ويقترح صافي أن تسمح الحكومة السورية لأبناء المحافظات السورية بالمساهمة في إدارة مناطقهم ضمن دولة مركزية موحدة، عبر اعتماد نظام إدارة محلية يسمح بانتخاب مجالس البلديات والمحافظات وإدارة المؤسسة الشرطية، مع احتفاظها بالسياسات الأمنية والاقتصادية والخارجية.

بينما يرى معن طلاع، مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أن القضية هي كيفية استعادة الدولة السورية لسيطرتها على الجغرافيا السورية بما لا يلغي باقي الأطراف. ويشير إلى أن الولايات المتحدة تريد إنتاج مقاربة ضامنة للاستقرار الإقليمي، ويمكن العودة لاتفاق آذار كنقطة انطلاق للحديث عن مجالات رئيسية: الانخراط في الجيش، وإدارة الموارد الوطنية وضبط الحدود، والتشاركية في الساحة السياسية والمدنية.

قسد لا تزال تعوّل على التغيرات الدولية أو التغييرات المحلية، فما حدث في السويداء قد يكون دافعًا لها، لكن في نهاية المطاف، هذا ليس من صالح لا قسد ولا السويداء ولا المركز.

معن طلاع ، مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

ويؤكد طلاع على ضرورة ألّا تستحوذ القيادة المركزية في سوريا على كافة القرارات، وأن يكون الناظم للعلاقة بين الأطراف هو مبدأ نقل أو تفويض الصلاحيات وإنتاج مركز قوي وأطراف قوية.

مشاركة المقال: