الأحد, 27 يوليو 2025 03:42 PM

تحليل شامل لتقرير لجنة "أحداث الساحل": نقاط القوة والضعف وتأثيره على العدالة

تحليل شامل لتقرير لجنة "أحداث الساحل": نقاط القوة والضعف وتأثيره على العدالة

عنب بلدي – جنى العيسى – بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على تكليفها رسميًا، كشفت لجنة التحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري عن نتائج تقريرها الرئيسي بشأن الأحداث التي شهدتها المنطقة في شهر آذار الماضي. وعلى الرغم من أن التقرير لم يذكر بشكل واضح أسماء المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إلا أنه قدم الأحداث والأرقام بدقة وموضوعية، سواء فيما يتعلق بالضحايا أو المتهمين بتنفيذ تلك الانتهاكات.

في المقابل، ظهرت أصوات منتقدة لما جاء في التقرير، مشيرة إلى أنه لم يذكر صراحة أسماء المتورطين في الانتهاكات، وأن إحالة الأمر إلى القضاء قد يؤدي إلى ضياع الحقوق وجعل الملف عرضة للتلاعب من قبل أطراف قد تكون لها مصالح أو صلة بالدولة. تسعى عنب بلدي في هذا التحليل إلى تقييم نتائج التقرير من الناحيتين السياسية والقانونية، وتسليط الضوء على مستقبل هذا الملف في أروقة القضاء، وضمان محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات الذين وردت أسماؤهم ووثقتهم اللجنة بشكل صريح.

أكثر من 500 متهم

أوضح ياسر الفرحان، المتحدث باسم لجنة التحقيق وتقصي أحداث الساحل السوري، في مؤتمر صحفي عقده في دمشق بتاريخ 22 تموز الحالي، أن اللجنة توصلت إلى أسماء متهمين بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل، من بينهم 265 شخصًا ينتمون إلى مجموعات مسلحة متمردة خارجة عن القانون مرتبطة بـ"فلول الأسد"، بالإضافة إلى 298 شخصًا آخرين، وهم أفراد ومجموعات مرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية المشاركة، ممن خالفوا الأوامر العسكرية ويشتبه في ارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين.

وأضاف الفرحان أن اللجنة استندت في استنتاجاتها إلى الشبهة وليس إلى الدليل القاطع الذي يظهر عادة في المحاكم، وأنها، حرصًا منها على عدم الإضرار، لم تكشف عن أسماء المشتبه بهم، بل نظمتها في جداول ملحقة بالتقرير، كما أنها تكتمت على أسماء بعض الشهود الذين يخشون الكشف عن هوياتهم.

تحققت اللجنة من أسماء 1426 قتيلًا، بينهم 90 امرأة، ومعظم البقية من المدنيين، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة. وبالرغم من عدم استبعاد وجود عدد من عناصر الفلول بين القتلى، إلا أن اللجنة ترجح أن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية.

وقعت الانتهاكات بدوافع مختلفة، فبعض المتهمين المحتملين هم من أفراد الفصائل المسلحة، وبعضهم لا يتبعون لأي جهة وتحركوا بشكل فردي أو تطوعوا مع الفصائل أو شكلوا مجموعات صغيرة خوفًا على دولتهم وعائلاتهم من عودة نظام الأسد، أو لنجدة أبنائهم المتطوعين في القوات الحكومية والمحاصرين من قبل فلول الأسد. ومن بين الدوافع الأخرى، الانتقام من قبل بعض المشاركين ممن يعتقدون أنهم شاركوا في قتل أحبائهم وتعذيبهم واغتصابهم، ومنهم من شكل عصابات بهدف القتل أو النهب أو السرقة، ومنهم من انتحل صفة العناصر الحكومية لتحقيق مكاسب غير مشروعة أو للإساءة، ومنهم من ينتمي إلى مجموعات الغجر التي تقطن المنطقة والتي تعاون الكثير منهم سابقًا مع "الشبيحة"، وفقًا للفرحان.

نقاط قوة وضعف

اعتبر المحامي والحقوقي السوري حسام السرحان أن التقرير يتميز بقدر كبير من المهنية والموضوعية، خاصة أنه لم يسبق في سوريا تشكيل لجنة مماثلة. وأضاف السرحان في حديث إلى عنب بلدي أن إشارة اللجنة إلى الانتهاكات الجسيمة وجرائم القتل ضد المدنيين وعمليات السلب والنهب وحرق البيوت، وتسليط الضوء على حجم الانتهاكات وتداعياتها وتأثيرها على السلم الأهلي، يعطي انطباعًا بالمهنية والموضوعية المقصودتين.

من الناحية السياسية، يرى الباحث السياسي السوري نادر الخليل أن التقرير يشكل خطوة أولى في مسار تقصي الحقائق، ولكنه لا يرقى إلى مستوى التوقعات التي كانت معلقة عليه من حيث الشفافية والشمول والجرأة في التسمية والمساءلة. وأوضح الخليل أن نقاط القوة في التقرير تتمثل في توثيق الانتهاكات والإقرار بوجود انتهاكات جسيمة، وهو أمر مهم في كسر أي حالة إنكار، بالإضافة إلى إحالة الملف إلى القضاء، وهي خطوة تعكس الرغبة في تحويل التقصي إلى مسار قانوني، لا مجرد سرد تاريخي.

في المقابل، تتمثل نقاط الضعف في غياب التفاصيل الدقيقة، حيث لم يتضمن التقرير سردًا زمنيًا أو هيكليًا للانتهاكات، ولا تحديدًا واضحًا للجهات المسؤولة، مما يضعف قيمته كوثيقة للمساءلة، بحسب نادر الخليل. واعتبر الخليل أن التقرير لم يتضمن الإشارة إلى السياق السياسي الأوسع، حيث يرى بعض الخبراء أن التقرير لم يتناول كيف أسهمت البنية الأمنية أو السياسية في إنتاج الانتهاكات، مما يجعله أقرب إلى تقرير تقني منه إلى تحليل سياسي شامل.

هناك رأي بأن اللجنة لم تُتم عملها بالكامل، بل قدمت نصف الحقيقة، في سياقات العدالة الانتقالية، بشكل يشبه ما حدث في جنوب إفريقيا أو المغرب، حيث كانت لجان الحقيقة أكثر جرأة في تسمية المسؤولين وتحديد أنماط الانتهاك، وهو ما غاب في هذا التقرير.

نادر الخليل

باحث سياسي

حذر قانوني أم تهرب سياسي

أشار المحامي والحقوقي حسام السرحان في حديثه إلى عنب بلدي إلى أن دور اللجنة يقتصر على إحالة وتقديم قوائم بأسماء المشتبه بهم المتورطين في الانتهاكات إلى المحامي العام، مبررًا عدم الكشف عن الأسماء علنًا من الناحية القانونية بضمان سرية التحقيقات التي ستجري أمام القضاء المختص. ويتفق السرحان مع هذا الطرح، موضحًا أن إحالة الأسماء إلى المحامي العام تعني تحريك الدعوى العامة بحقهم، وإجراء التحقيقات تمهيدًا لإحالتهم إلى المحاكم المختصة لإصدار الأحكام القضائية بحقهم.

القضاء هو المعني بإعلان أسماء المتهمين وليس اللجنة، لأن إعلان اللجنة يعتبر تجاوزًا باعتبارهم لا يزالون يحملون صفة المشتبه بهم، فيما سيغير القضاء هذه السردية بعد التحقيقات إلى متهمين.

حسام السرحان

محامٍ وحقوقي سوري

يثير عدم كشف اللجنة عن أسماء مرتكبي الانتهاكات جدلًا سياسيًا وأخلاقيًا، وفقًا للباحث السياسي نادر الخليل، مشيرًا إلى أن مبررات اللجنة المحتملة تتمثل في أمرين: أولهما الحرص على سلامة الإجراءات القضائية لتجنب التأثير على سير التحقيقات، والثاني تفادي التشهير قبل الإدانة القضائية، وهو ما يتسق مع مبدأ "المتهم بريء حتى تثبت إدانته".

في المقابل، تعرض هذه الخطوة اللجنة لعدة انتقادات، منها غياب الشفافية، حيث يُنظر إلى التعتيم على الأسماء في قضايا الانتهاكات الجسيمة كنوع من الحماية السياسية، فضلًا عن تقويض الثقة العامة، حيث يحتاج كل من الضحايا والمجتمع إلى معرفة من ارتكب الانتهاكات، ولو بشكل أولي، لبناء سردية العدالة، بحسب الخليل. وعلى سبيل المقارنة الدولية، في تجربة لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا، تم ذكر أسماء المرتكبين ضمن سياق الاعتراف والمساءلة، مما عزز مصداقية العملية، أما في حالة لجنة تونس، فقد أسهم التردد في الكشف عن الأسماء في إضعاف الثقة بالهيئة.

كان من الأفضل ذكر الأسماء المرتبطة بالانتهاكات الموثقة، على الأقل ضمن تصنيف أولي (جهات أمنية، مسؤولون إداريون...)، مع الإشارة إلى أن الإدانة النهائية من اختصاص القضاء.

الملف لدى النائب العام

يرى الباحث السياسي نادر الخليل أن إحالة الملف إلى النائب العام خطوة ضرورية، لكنها غير كافية لضمان العدالة، والمطلوب هو بناء مسار قضائي شفاف ومحصن من التدخلات السياسية. فالتقرير خطوة أولى، لكن يبدو أنه يفتقر إلى الجرأة السياسية والمساءلة الواضحة، ويعكس عدم ذكر الأسماء ترددًا سياسيًا أكثر منه حرصًا قانونيًا، وإحالة الملف إلى القضاء يجب أن تستكمل بخطوات مؤسسية تضمن المحاسبة العادلة والعلنية، فالعدالة الانتقالية لا تبنى على الحذر وحده، بل على الاعتراف والشفافية والمساءلة، بحسب ما قاله الباحث نادر الخليل.

ولضمان المحاسبة العادلة، أشار الخليل إلى عدة خطوات يجب اتخاذها بعد انتهاء عمل اللجنة، وهي: تشكيل هيئة قضائية مستقلة أو غرفة خاصة، مهمتها النظر في هذه القضايا، على غرار "دوائر العدالة الانتقالية"، وضمان حماية الشهود والضحايا، وتوفير الدعم النفسي والقانوني لهم، ونشر التقرير الكامل للرأي العام، بما فيه الأدلة التي لا تؤثر على التحقيقات، وإشراف دولي أو أممي رمزي، لضمان نزاهة الإجراءات في حال ضعف الثقة بالمؤسسات القضائية المحلية.

الأصل في العلنية

من جهته، يرى المحامي والحقوقي حسام السرحان أنه طالما أورد تقرير اللجنة لائحة بأسماء المشتبه بهم وأودعت لدى المحامي العام، فسيحرك الأخير قطعًا حق الدعوى العام بحقهم، ويحيلهم للتحقيق الذي سيجري خلاله فتح ملفات موسعة بالقضايا، ثم إحالة المتهمين إلى المحاكم المختصة التي تتمثل بالمحاكم الجزائية (محكمة الجنايات، صلح الجزاء، بداية الجزاء). وأوضح السرحان أن أغلب الجرائم المرتكبة جنائية الوصف، وبالتالي فإن محكمة الجنايات هي التي ستنظر بهذه الدعاوى وفق إجراءات معروفة.

وأضاف المحامي أن الأصل في المحاكمة أن تكون علنية، والمقصود بذلك أنه عند تحديد موعد محاكمة، يستطيع أي شخص حضور الجلسة ضمن قاعات المحكمة، إلا في حال قرر القاضي أن تكون سرية، وهي حالات نادرة. ويبقى الأفضل أن تكون المحاكمات علنية بحيث تحقق الردع الرمزي والسياسي للمنتهكين المحتملين والمستقبليين، وإعادة الاعتبار للضحايا وتحقيق العدالة، فضلًا عن تعزيز الثقة بالمؤسسات في طريق البناء المؤسساتي للدولة، بالإضافة إلى بناء ذاكرة جماعية حول الانتهاكات، وهو أمر جوهري في أي عملية مصالحة وطنية، بحسب ما يرى الباحث السياسي نادر الخليل.

هناك أمثلة تؤكد أهمية المحاكمة العلنية، منها تجارب مثل محكمة "سيراليون" الخاصة أو المحاكمات العلنية في رواندا، إذ لعبت العلنية دورًا محوريًا في ترسيخ العدالة الانتقالية.

مشاركة المقال: