الثلاثاء, 22 يوليو 2025 08:26 AM

صراع الهويات ما قبل الدولة في سوريا: الطائفة والعشيرة في مواجهة السياسة

صراع الهويات ما قبل الدولة في سوريا: الطائفة والعشيرة في مواجهة السياسة

أثارت "أحداث السويداء" الأخيرة تساؤلات جوهرية حول تأثير "هويات ما قبل الدولة" في المرحلة الراهنة من تاريخ "سوريا". يبرز هذا التأثير على حساب تهميش دور المؤسسات الحديثة كالأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.

سناك سوري _ محمد العمر

في وقت تحتاج فيه البلاد بشدة إلى دور "الدولة" كسلطة راعية ومنظمة للعلاقات الاجتماعية، وممثلة للمصالح الوطنية وحامية لوحدة البلاد، اتخذت السلطة خطوة مفاجئة وغير مدروسة العواقب. سمحت لمسلحين تحت مسمى "العشائر" بخوض معركة ضد فصائل "السويداء".

على الرغم من أن الأزمة بدأت بقرار من "الدولة" لفرض سيطرتها على كامل الأراضي ونشر قواتها الأمنية والعسكرية في "السويداء" باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من "سوريا" ويجب أن تخضع لسلطة الدولة المركزية، إلا أن مسار الأحداث أدى إلى تراجع السلطة عن هذا القرار بشكل كامل.

كانت رواية السلطة تتمحور حول بسط نفوذها على "السويداء" ورفض استمرار الوضع الراهن تحت سيطرة الفصائل المحلية. وعندما فشلت خطة فرض السيطرة بالقوة، اختارت "دمشق" فتح الطرق أمام مسلحي "العشائر" لخوض المعركة، وهو ما يتعارض مع مفهوم دور "الدولة" وحصر السلاح. هؤلاء المسلحون، بغض النظر عن تسميتهم، هم قوات غير نظامية ومجموعات مسلحة من خارج إطار "الدولة"، وسلاحهم "منفلت" مثل سلاح فصائل "السويداء" التي طالبت الدولة بضبطه وتسليمه، ولكن تم تجاهل سلاح المجموعات المسلحة المهاجمة بشكل كامل. وقد تكرر هذا الخطأ في أحداث "جرمانا وصحنايا" عندما هاجم مسلحون المنطقتين ولم تتم ملاحقتهم أو جمع أسلحتهم.

وهكذا، تحولت المعركة إلى صراع بين فصائل خارجة عن سلطة الدولة ومسلحين من عشائر خارجة عن سلطة الدولة، بينما انسحبت "الدولة" من المشاركة الفعلية في المعركة، ولم تقم بدورها في منع وصول قوافل العشائر المتجهة إلى السويداء من المحافظات الأخرى.

مقالات ذات صلة

  • الأحد, 20 يوليو 2025, 3:53 م
  • الأحد, 20 يوليو 2025, 2:33 م

أزمة التنظيم وهويات ما قبل الدولة

عند تحليل الوضع الحالي في "السويداء"، نجد أن الفصائل المحلية، التي كانت منقسمة قبل هذه المعركة حول العديد من التفاصيل، توحدت تحت راية واحدة ذات منشأ طائفي وعقيدة "حماية الطائفة من خطر وجودي يهددها". لقد استخدمت هويتها الطائفية كوسيلة لحشد الأنصار والمقاتلين، مما جعل من الطبيعي أن يتحول شيخ العقل "حكمت الهجري" إلى قائد للمواجهة، وأن يتمكن المقاتلون من تنظيم أنفسهم بسهولة تحت عنوان جامع هو "الطائفة".

في المقابل، تنظم أبناء العشائر تحت عنوان واحد يمثل إحدى هويات ما قبل الدولة، وهو "العشيرة"، حاملين ولاءهم لعشائرهم كعقيدة توحد صفوفهم في المعركة. وقد دفعهم إلى ذلك أخبار ومشاهد الاعتداء على "بدو السويداء" من قبل الفصائل "الدرزية"، ليتحولوا إلى جيش موازٍ خارج نطاق الدولة، يقاتل تحت راية "العشيرة".

إذن، المعركة هي بين "الطائفة" و"العشيرة". لا وجود هنا لـ "الدولة الحديثة"، بل هناك ارتداد إلى عصبيات ما قبل نشوء الدول، وما يترتب على ذلك من فوضى شاهدنا مظاهرها وعواقبها في المواجهات الدامية التي لم تعرف الرحمة. وكان من الطبيعي في معركة من هذا النوع أن ينسى المشاركون فيها أن ما يوحدهم جميعاً هو أنهم "سوريون" قبل أن يكونوا أبناء "الطائفة" أو "العشيرة".

أين التنظيمات السياسية؟

في مفاهيم "الدولة الحديثة"، لا تقوم التجمعات والتنظيمات على أسس "طائفية أو قبلية أو عرقية أو إثنية"، بل يتم تجميع الناس وحشدهم على أساس الهويات "المصلحية". ينتظم أصحاب المصلحة في حزب يدافع عنهم، مثل حزب عمالي وحزب رأسمالي وحزب ليبرالي وحزب محافظ، إلخ.

وعندما يتم حشد الناس على أساس المصلحة، لا تؤخذ طوائفهم أو عشائرهم أو أعراقهم في الاعتبار. فطبقة العمال، على سبيل المثال، تضم أشخاصاً من جميع الطوائف والمذاهب والقبائل والأعراق، وكذلك طبقة أرباب العمل، وطبقة المثقفين، وغيرها.

أما في "سوريا"، فقد عانت الحياة السياسية والحزبية من اختناق طويل الأمد على مدار 6 عقود منذ انقلاب "البعث". تم طمس معالمها وتغييب المجتمع عنها، بل وترهيبه من مخاطر الانخراط في أي تنظيم أو حزب، لأن ذلك يخالف إرادة "النظام الحاكم".

ولم يكن من السهل بعد سقوط النظام، أن تستعيد البلاد الحياة السياسية بلمح البصر. ومن البديهي أن الأحزاب والتنظيمات السياسية والنقابية تحتاج وقتاً طويلاً لإعادة التعريف عن نفسها وتعبئة الأنصار وحشد المحازبين لتمتلك وزناً في المجال العام.

إلا أن "السلطة الجديدة" لم تدفع باتجاه هذا المسار، بل اتخذت مساراً مناقضاً له حين تعاملت مع المجتمع بهوياته البدائية، فقسّمته على أسس طائفية أو عشائرية أو عرقية، وتعاملت مع رموز ورجال الطوائف والعشائر كقادة لمجتمعاتهم، على حساب تجاهل السياسيين والأحزاب والنقابات والمجتمع المدني في معظم الحالات، ما أدى إلى ما نحن فيه اليوم من عودة لهويات ماقبل الدولة لاسباب مختلفة منها الخوف والقلق والشعور بالتهديد.

الوسوم

مشاركة المقال: