الثلاثاء, 1 يوليو 2025 11:23 PM

سوريا تتحرر من قيود استمرت 46 عاماً: رفع العقوبات الأمريكية يفتح صفحة جديدة

دمشق-سانا: وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس أمراً تنفيذياً ينهي برنامج العقوبات المفروض على سوريا، وبذلك يضع حداً لـ "حالة الطوارئ الوطنية" التي أعلنتها واشنطن على دمشق في عام 2004 وجددتها سنوياً منذ ذلك الحين. تسببت هذه العقوبات في فرض قيود شاملة طالت مؤسسات حيوية، وعلى رأسها البنك المركزي السوري. كما يلغي الأمر خمسة أوامر تنفيذية أخرى كانت تشكل الأساس لبرنامج العقوبات.

تأتي هذه الخطوة المفصلية تتويجاً لحراك دبلوماسي مكثف قادته الحكومة السورية الجديدة بعد التحرير وإسقاط النظام البائد، في محاولة لإعادة إقامة علاقات طبيعية مبنية على الاحترام والتعاون بين سوريا والمجتمع الدولي، وسعياً لإعادة دمجها في النظام المالي العالمي، بهدف البدء بمرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي والسياسي. وقد سبقت هذه الخطوة الأمريكية خطوات مماثلة من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان لدعم الشعب السوري في مرحلة بناء سوريا الجديدة الآمنة والمستقرة والمزدهرة.

وعقب توقيع الرئيس الأمريكي الأمر التنفيذي، أكد البيت الأبيض في بيان أن إصدار ترامب للأمر التنفيذي يأتي وفاءً بوعده "بمنح سوريا فرصة لإعادة الإعمار والازدهار من خلال رفع العقوبات". وأشار البيان إلى أن التغييرات والإجراءات الإيجابية الأخيرة التي اتخذتها الحكومة السورية، بعد سقوط نظام الأسد الوحشي، تُظهر بوادر أمل بمستقبل مستقر وسلمي.

من جانبه، أكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني أن القرار التنفيذي التاريخي الصادر عن الرئيس ترامب يمثل نقطة تحول مهمة من شأنها أن تُسهم في دفع سوريا نحو مرحلة جديدة من الازدهار والاستقرار والانفتاح على المجتمع الدولي. وأوضح أن ذلك يفتح أبواب إعادة الإعمار والتنمية التي طال انتظارها، وتأهيل البُنى التحتية الحيوية، مما يوفر الظروف اللازمة للعودة الكريمة والآمنة للمهجرين السوريين إلى وطنهم.

يأتي هذا التحول في واقع سوريا بعد تاريخ طويل من العقوبات المتتالية التي فرضت على دمشق منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2020. استند قانون قيصر إلى شهادات وصور مسرّبة من داخل سجون النظام البائد، وثّقت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وفجّرت موجة غضب دولية واسعة، وأدت إلى فرض عقوبات صارمة على النظام المخلوع وداعميه، وخاصة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتمويل، مما أدى إلى زيادة العزلة المالية والاقتصادية والسياسية التي عانى منها المجرم بشار الأسد وساهم بتقليل الدعم الذي يقدمه له حلفاؤه.

فرضت واشنطن العقوبات للمرة الأولى على سوريا عام 1979، حين أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية دمشق على قائمة الدول الراعية للإرهاب، مما أدى إلى فرض قيود على المساعدات العسكرية والمالية، وحظر بعض الصادرات. ثم فرضت عقوبات إضافية عام 1986 بموجب قانون مكافحة الإرهاب. وفي عام 2003، أصدر الكونغرس قانون "محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية"، الذي فرض حالة طوارئ وطنية في العلاقات الأمريكية مع سوريا ودخل حيز التنفيذ في أيار عام 2004، وأدى إلى فرض عقوبات اقتصادية وقيود على السفر إليها. ومع اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، انفضحت ممارسات المنظومة الأمنية التابعة للنظام البائد، مما أدى إلى فرض عقوبات أمريكية ودولية واسعة على سوريا استهدفت جميع القطاعات الحيوية وفي مقدمتها القطاع المصرفي، وقطاع النقل والنفط والغاز، وقطاع البناء، والقطاع العسكري. ولم تكن العقوبات على النظام البائد وحده، بل فرضت كذلك على أي طرف أجنبي يتعاون معه في تلك المجالات، لتبلغ العقوبات ذروتها مع إقرار "قانون قيصر".

ومع انتصار الثورة السورية في كانون الأول الماضي، وإنهاء حقبة النظام البائد المليئة بالجرائم والانتهاكات التي كانت تجلب للبلاد مزيداً من العقوبات، بدأت تلوح الآمال بإلغاء تلك القيود التي عطلت سير الانطلاقة السورية في مختلف المجالات. وقد تحقق ذلك للمرة الأولى حين أعلن الرئيس الأمريكي ترامب من العاصمة السعودية "الرياض" رفع العقوبات عن سوريا في الثالث عشر من أيار الماضي. قرار الرئيس الأمريكي حينها أعقبه بعد أيام قليلة اتخاذ الاتحاد الأوروبي قراراً مماثلاً برفع كل العقوبات عن سوريا بعد خطوات بدأها الاتحاد نهاية شباط الماضي برفع بعض العقوبات عن قطاعات الطاقة والنقل والخدمات المصرفية. سوريا اليوم تنبض بالحياة، وتنطلق نحو المستقبل بجهود متضافرة بين جميع أبنائها، وسعي دؤوب من الحكومة لتحقيق الأفضل والانفتاح على العالم في جميع المجالات بدعم حقيقي من السعودية وقطر وتركيا وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة التي تلعب دوراً مهماً في إعادة الإعمار وتجاوز المعاناة التي عاشها الشعب السوري في عهد النظام البائد.

مشاركة المقال: