في إعلان مقتضب، كشف رئيس الهيئة العامة للطيران المدني السوري، أشهد الصليبي، عن تغيير اسم "المؤسسة العامة للطيران المدني" ليصبح "الهيئة العامة للطيران المدني"، لتتبع بذلك رئاسة الجمهورية مباشرة، بعد أن كانت تابعة لوزارة النقل. وأوضح الصليبي في مقابلة تلفزيونية مع "الإخبارية السورية" في 27 حزيران الحالي، أن هذا التغيير يأتي ضمن خطة لإعادة هيكلة قطاع الطيران وتفعيل الرقابة والإشراف على الشركات.
أثار هذا القرار، الذي لم توضح الحكومة السورية أسبابه بشكل كامل، ردود فعل واسعة. اعتبره البعض حصرًا للسلطة بيد الرئيس، وبالتالي إحكام السيطرة على القطاعات الهامة التي توفر مصادر تمويل لخزينة الدولة، خاصة بعد إحداث "الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية" في نهاية كانون الأول 2024. وكانت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية قد أُحدثت بقرار سابق وربطت بالمجلس الوزاري، متمتعة بالاستقلالية الإدارية والمادية، وتتولى عمليات الإشراف والتنظيم للدخول والخروج الإنساني والتجاري، والإشراف على شؤون الملاحة البحرية وأعمال النقل البحري وتملّك واستئجار السفن التجارية والعقارات اللازمة لأعمالها.
المحامي السوري ميشيل شماس، اعتبر أن استبدال تسمية "مؤسسة الطيران" بـ"هيئة الطيران المدني" وإلحاقها برئاسة الجمهورية، قرار غير قانوني، لأنه يجب أن يصدر بقانون أو مرسوم تشريعي، كون المؤسسة أنشئت بموجب القانون "25" لعام 1961، ولا يمكن تغيير تسميتها أو تبعيتها إلا بقانون. وأضاف شماس في منشور له عبر "فيس بوك"، أن قرار تبعية هيئة الطيران المدني لرئيس الجمهورية يحمل بعدًا سياسيًا واضحًا يهدف إلى السيطرة الكاملة على قطاع استراتيجي، ويعكس غياب الثقة بالاستقلال المؤسسي.
من جهته، قال الباحث الأول في "البرنامج السوري للتطوير القانوني" إياد حميد، إن القانون السوري يجيز تحويل تبعية مؤسسات من وزاراتها إلى هيئات مستقلة تتبع لرئاسة الجمهورية، بشرط أن يتم ذلك بمرسوم أو قانون وفقًا للأصول الدستورية. ويرى حميد أن هذا التحول يعكس توجهًا نحو تعزيز فعالية الأداء وتقليص البيروقراطية، إلا أنه يثير تساؤلات حول التوازن بين المركزية التنفيذية والاستقلال المؤسسي، خاصة في حال غياب آليات رقابة فعالة تضمن الشفافية والمساءلة.
الباحث الاقتصادي ملهم الجزماتي، يرى أن هناك مبررات مشروعة لإنشاء هيئات مستقلة إداريًا، مثل التخصص التقني المتقدم، والمرونة الإدارية في سرعة اتخاذ القرار والابتعاد عن الروتين والبيروقراطية المستشرية في المؤسسات الحكومية. ويرى الجزماتي أن مثل هذه الهيئات قد تساعد البلدان على الامتثال للمعايير والمتطلبات الدولية، مشيرًا إلى أن منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) تشجع الدول على إنشاء هيئات طيران مدني مستقلة لضمان الامتثال للمعايير الدولية وتحسين مستوى السلامة والأمان.
ويعتقد ملهم الجزماتي أنه من الناحية النظرية، يفترض أن يخفف تحويل المؤسسات إلى هيئات مستقلة الأعباء المالية والإدارية على الوزارات المعنية. ويرى أن هذا التخفيف يتجلى في جوانب مهمة، منها تخفيف الأعباء التي تتحملها الوزارات لتشغيل المطارات. ولكنه يشير إلى أن إنشاء هيئة مستقلة يتطلب استثمارات كبيرة في البداية، تشمل تكاليف إنشاء الهيكل الإداري الجديد، وتطوير الأنظمة والإجراءات، وتدريب الموظفين، ونقل الأصول والمعدات.
ويختتم الجزماتي بالإشارة إلى أن تحويل المؤسسات الحكومية إلى هيئات مستقلة ليس حلًا سحريًا لمشاكل الإدارة العامة، كما أنه ليس بالضرورة مؤامرة لتركيز السلطة، مؤكدًا أن الحقيقة تقع في مكان ما بين هذين الطرفين، وتتطلب تحليلًا دقيقًا ومتوازنًا لكل حالة على حدة.
يذكر أن مسألة إحداث الهيئات العامة في سوريا ليست جديدة، حيث سبق للنظام السابق أن اتخذ من إنشاء الهيئات العامة بين 2008 و2009 نهجًا إصلاحيًا لتحسين كفاءة القطاع العام في إدارة الاقتصاد السوري، بحسب تقرير صادر عن مركز "جسور للدراسات" في 2022. فيما لجأ خلال السنوات الأخيرة قبل سقوطه إلى إنشاء أو تحويل المؤسسات إلى "هيئات مستقلة" كسياسة اتبعها للبحث عن آليات لتنويع مصادر الحكومة.