أخبار سوريا والعالم/ ذكر موقع “Council on Foreign Relations” الأمريكي أن عملية “مطرقة منتصف الليل”، الاسم الذي أطلقته وزارة الدفاع على الضربات الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، كانت بمثابة استعراض للقوة الجوية الأمريكية من حيث الدقة والمدى. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كان هذا القرار سيُحدث تغييراً حاسماً، في ظل وجود مؤشرات أولية تثير الشكوك.
وفقاً للموقع، أوضح الجنرال دان كاين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في مؤتمر صحفي بالبنتاغون، أن سبع قاذفات شبح من طراز B-2 انطلقت من قاعدة وايتمان الجوية في ميسوري بعد منتصف ليل 21 حزيران. قام الطيارون برحلة ذهاباً وإياباً لمسافة تزيد عن 14 ألف ميل لإلقاء أربع عشرة قنبلة “خارقة للتحصينات”، تزن كل منها 30 ألف رطل، على موقعين نوويين إيرانيين هما فوردو ونطنز. بعد ذلك، أطلقت غواصة أمريكية في المنطقة أربعة عشر صاروخاً من طراز توماهوك على منشأة أصفهان النووية. شارك في العملية أكثر من 125 طائرة، بدءاً من الطائرات المقاتلة التي رافقت القاذفات العملاقة وصولاً إلى أساطيل من ناقلات النفط الجوية التي زودتها بالوقود خلال المهمة التي استمرت حوالي 20 ساعة. عملت قاذفات B-2 الأخرى كأدوات تمويه وحلقت في الوقت نفسه نحو المحيط الهادئ.
أشار الموقع إلى أن العملية بأكملها تم التخطيط لها بدقة ونُفذت ببراعة، على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت البنية التحتية النووية الإيرانية قد دُمرت بالكامل أم أنها تعرضت لأضرار فقط. على الرغم من أن مثل هذه الضربات أصبحت مألوفة، إلا أنه لا يوجد بلد آخر في العالم يمتلك هذه الأصول والقدرات بهذا الحجم. تمتلك إسرائيل قوة جوية كبيرة، لكنها لا تمتلك القنابل الخارقة للتحصينات أو القاذفات الثقيلة اللازمة لحملها. هذه “الصواريخ الخارقة للتحصينات” هي الوحيدة التي لديها فرصة لاختراق منشأة فوردو النووية الإيرانية المدفونة على عمق كبير، وهو السبب وراء حرص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تدخل الولايات المتحدة. ولكن إذا كانت الولايات المتحدة تمتلك مثل هذه المعدات العسكرية المتطورة، فلماذا واجهت صعوبة في الفوز بالحروب في العقود الأخيرة؟ ولماذا يمكن اعتبار العديد من هذه الصراعات، مثل العراق وأفغانستان، أو حتى الحملة الأمريكية الأخيرة ضد الحوثيين، مثالاً على الإحباط والفشل؟ الجواب هو أن للقوة الجوية حدوداً، وهو ما قد يكتشفه ترامب قريباً.
وأضاف الموقع أن الانتصارات العسكرية تتطلب في الغالب احتلال أراضي العدو وبناء الدولة. هذه العملية تعرض القوات البرية لمخاطر تتجاوز المخاطر التي قد تواجهها الطائرات المتقدمة العاملة فوق بلدان تفتقر إلى الدفاعات الجوية المتقدمة أو بلدان تم تحييد تقدمها الجوي مسبقاً، كما فعل الإسرائيليون في إيران. في العراق وأفغانستان، والتي شملت غارات جوية مكثفة واحتلالاً برياً في نهاية المطاف، وجدت القوات الأمريكية نفسها في حرب عصابات ضد أعداء وحشيين ولكن بمستوى منخفض من التكنولوجيا. والآن، على الرغم من قدرتها على شن ضربات مؤثرة ضد دولة تقع على بعد ألف ميل، لا تزال إسرائيل تكافح من أجل تهدئة الأوضاع في قطاع غزة بعد عشرين شهراً من هجوم حماس في السابع من تشرين الأول 2023 الذي أشعل فتيل الصراع الإقليمي الحالي. على الرغم من أن القوات الإسرائيلية ألحقت أضراراً كبيرة بحماس، إلا أنها لم تتمكن من إنهاء الحرب، لأنها تخشى أنه بمجرد تراجع القوات الإسرائيلية، فإن الحركة ستعود إلى الظهور من بين الأنقاض.
وبحسب الموقع، لا يمكن لأحد أن يتكهن بما سيحدث في إيران الآن، ولكن هناك احتمال ضئيل أن توقع إيران على “استسلام غير مشروط”، كما طالب ترامب الأسبوع الماضي، وإنهاء هذا الصراع بسرعة. أو على الأرجح، أن إيران ستحاول الانتظار حتى تهدأ إسرائيل والولايات المتحدة، ثم تقوم بالرد بطريقة ما لإنقاذ ماء الوجه بعد هذه النكسة المهينة. وإذا ردت إيران، فقد تشن الولايات المتحدة المزيد من الضربات الجوية، مما قد يؤدي إلى تصعيد الصراع بشكل أكبر. ولكن هناك احتمالات ضئيلة لقيام إسرائيل أو الولايات المتحدة بإرسال قوات برية لغزو إيران بسبب خطر الوقوع في مستنقع آخر في دولة يبلغ عدد سكانها ضعف عدد سكان العراق. ويأمل كثيرون في إسرائيل والولايات المتحدة أن تدفع الضربات الجوية الشعب الإيراني إلى الانتفاض ضد حكومته، ولكن هذا غير مرجح.
وتابع الموقع أن السيناريو الأفضل للضربات الجوية هو أنها قد تؤدي إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لعدة سنوات، ولكن حتى هذا الأمر غير مؤكد. في حين أصر ترامب على أن المنشآت النووية التي استهدفتها الولايات المتحدة “دمرت بالكامل”، قال مسؤولون إسرائيليون لصحيفة نيويورك تايمز إن المجمع تحت الأرض في فوردو تضرر ولكن لم يتم تدميره وأن الإيرانيين نقلوا المواد النووية من الموقع قبل الهجوم الأمريكي. علاوة على ذلك، أفادت شبكة CNN أن الأنفاق الواقعة أسفل مجمع أصفهان، حيث يُخزَّن بعض اليورانيوم الإيراني العالي التخصيب، لم تُمسّ بالغارات الجوية. واعترف مسؤولون في الإدارة الأمريكية أيضاً بأنهم غير متأكدين مما حدث للـ900 رطل من اليورانيوم الذي يقترب من درجة صنع الأسلحة والذي بنته إيران قبل الحملة الإسرائيلية.
وأضاف الموقع أنه بغض النظر عن حجم الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني الحالي، فإن إيران لا تزال تحتفظ بالمعرفة اللازمة لاستئناف العمليات، وربما تجد نفسها الآن مضطرة إلى الدفع نحو امتلاك قنبلة لردع المزيد من الهجمات. وإذا لم تتوصل إيران إلى اتفاق دولي لوقف كل أنشطتها النووية، فقد تقرر إسرائيل والولايات المتحدة توجيه ضربة أخرى في مرحلة ما في المستقبل. وهذا يوضح حدود القوة الجوية، حتى عندما تستخدمها الولايات المتحدة، مع قدراتها المزعومة ودقتها ومداها. وفي حين أن الضربات الجوية الأمريكية قد تُلحق ضررًا هائلاً بالحكومة، إلا أنها لا تستطيع الإطاحة بها أو إخضاعها لإرادة أمريكا. بمعنى آخر، لا يمكن للقوة الجوية أن تُنهي تهديدًا، بل يمكنها فقط إضعافه أو احتواءه.
المصدر: خاص “لبنان 24”