في أعقاب التفجير الذي استهدف كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة بدمشق، تتجه الأنظار نحو تحديد المسؤولين عن هذا العمل الإرهابي ودوافعه، وتقييم تأثيره المحتمل على النسيج المجتمعي السوري المتماسك. عقد وزير الداخلية أنس خطاب ورئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين السلامة اجتماعًا طارئًا يوم الإثنين لمناقشة آخر تطورات التحقيقات في التفجير الذي وقع في كنيسة القديس مار إلياس.
التحقيقات جارية.. ومخاوف من تكرار الحادث
باشرت الفرق المختصة في وزارة الداخلية تحقيقاتها لكشف ملابسات التفجير. وأكدت الوزارة في بيان أن هذه الأعمال الإرهابية لن تعرقل جهود الدولة السورية في تحقيق السلم الأهلي، ولن تثني السوريين عن التمسك بوحدتهم في مواجهة كل من يسعى لزعزعة استقرارهم وأمنهم. من جهته، صرح القس ديمتريوس الحداد، كاهن كنيسة السقيلبية، بأن الجميع ينتظر نتائج التحقيق الذي تجريه وزارة الداخلية، مشيرًا إلى أن المستفيد من زعزعة الاستقرار والهدوء هو كل من يسعى إلى ذلك، معربًا عن اعتقاده بأن العمل منظم وله أهداف ستتضح مع مرور الوقت. وأضاف أن الهدف الظاهر هو زعزعة الاستقرار، مؤكدًا وعي الشعب السوري بمثل هذه التصرفات، لكنه أعرب عن خشيته من تكرارها وعدم الكشف عن الفاعلين ومحاسبتهم. وتابع الحداد أن النسيج المجتمعي يعاني منذ بداية الثورة، وأن المرحلة الحالية تتطلب بناء الثقة ونشر ثقافة المحبة ونبذ الكراهية.
المفتي يربط بين داعش وإيران والنظام
عقب التفجير، توالت ردود الأفعال العربية والدولية التي أدانت بشدة هذا العمل الإرهابي، وأعربت عن تضامنها مع الشعب السوري ورفضها للإرهاب والعنف. وربط الشيخ عبد الرحمن الضحيك، مفتي ريف حمص، المسؤولية عن التفجير بالجهات التي يراها وراء إرهاب داعش، قائلاً إن المسؤول عن ذلك هم داعمو داعش: إيران وفلول نظام الأسد. وأشار إلى أن الهدف قد يكون إحداث فتنة بين النظام الحالي والدول الغربية، خاصة أن الأقلية المسيحية لم تُذكر عنها أي مشاكل مع الدولة الجديدة، كسائر الأقليات كالكرد والعلويين والدروز. وأوضح أنهم ربما أرادوا بذلك إظهار إقصاء وتنحية الأقليات للمجتمع الغربي، لكنه أكد أن هذه الأفعال لن تفلح في تمزيق المجتمع السوري، وأن الأكثرية السنية لم يُعهد عنها منذ القديم إقصاء باقي الأقليات.
المرصد الآشوري: تحريض متعمد
أدان جميل دياربكرلي، المدير التنفيذي للمرصد الآشوري لحقوق الإنسان، بشدة التفجير، مؤكدًا أنه لا يمكن فصل هذا الاعتداء عن السياق العام الذي تعيشه سوريا، حيث تزايدت في الآونة الأخيرة مظاهر التحريض الطائفي وخطاب الكراهية، خصوصا تجاه الأقليات، في ظل صمت رسمي يصل حد التواطؤ، وتغذية لهذا الخطاب من خلال الذباب الإلكتروني المرتبط بجهات معروفة. وأشار إلى أن الهدف من هذا العمل الإجرامي هو زعزعة الاستقرار وضرب ما تبقى من وحدة المجتمع السوري، عبر استهداف مكون أصيل من مكوناته التاريخية، وهو الوجود المسيحي، تماما كما جرى في فترات سابقة بحق مكونات أخرى كالدروز والعلويين. واتهم السلطات السورية بالمسارعة إلى اتهام تنظيم داعش أو غيره قبل استكمال التحقيقات أو اتضاح الحقائق، مما يدل على غياب المهنية والرغبة الحقيقية في الوصول إلى الجناة. وأكد أن السلطات اليوم أمام امتحان حقيقي، ليس فقط في تحديد المسؤولين عن التفجير ومحاسبتهم، بل في إثبات قدرتها على حماية مواطنيها جميعا دون تمييز. ودعا إلى إعادة بناء الدولة من خلال الاعتراف بجميع مكوناتها كمواطنين متساوين في الحقوق والكرامة، مشيرا إلى أن استمرار التغاضي عن الخطابات التحريضية، أو التواطؤ معها، يفتح الباب أمام مزيد من الجرائم والانقسامات، ويدفع الأقليات نحو اليأس والرحيل.
الوضع تحت السيطرة والتحقيقات مستمرة
أعلنت وزارة الصحة السورية في وقت سابق ارتفاع عدد ضحايا التفجير إلى 25 قتيلا و63 مصابا. وأكد مراسل منصة سوريا في دمشق أن الوضع تحت السيطرة في محيط كنيسة مار إلياس بمنطقة الدويلعة، حيث تم نشر طوق أمني مشدد لتأمين الموقع ومنع الاقتراب منه، في حين تستمر التحقيقات المكثفة لكشف ملابسات الجريمة وتحديد هوية منفذيها. وبينما تشير المؤشرات إلى أن التفجير يندرج ضمن سياق أوسع من التحريض الطائفي والصراعات السياسية، فإن التحقيقات ما زالت جارية، والأقوال متباينة حول من يقف خلفه. ومع ذلك، تظل الرسالة واحدة من رجال الدين والنشطاء والمدنيين: النسيج المجتمعي السوري قوي، لكنه يحتاج إلى حماية حقيقية من خطاب الكراهية والعنف المنظم، وإلى إعادة بناء الثقة بين جميع مكوناته، بعيدا عن التوظيف السياسي والاتهامات المتسرعة.