م. حسان نديم حسن: ما حدث فجر اليوم ليس مجرد ضربة عسكرية تقليدية أو حادثًا منعزلًا في منطقة اعتادت على الصراعات. بل هو نقطة تحول في مسار إقليمي طويل، حيث ينهار التوازن القديم وتتفوق القوة على لغة السياسة المتبقية.
عندما تقرر الولايات المتحدة التدخل المباشر في الصراع واستهداف العمق النووي الإيراني، فإنها لا تمارس الردع فحسب، بل تعيد تشكيل المشهد وفقًا لمنطق الصدمة وتوازن النار. الهجوم الأمريكي الذي استهدف منشآت فوردو ونطنز وأصفهان ليس مجرد استهداف للبنية التحتية، بل هو رسالة إلى طهران والمنطقة والعالم مفادها أن خطوط واشنطن الحمراء لم تعد رمزية، وأن القوة عندما تتحدث لا تترك مجالًا للاجتهاد أو الوساطة.
في المقابل، فإن إيران، التي أتقنت فن الرد المركب الممتد عبر الزمن والجغرافيا، تعرف أن الثأر المباشر ليس دائمًا الخيار الأمثل، لكنها تدرك أيضًا أن الصمت أمام هجوم بهذا الحجم سيفسر على أنه ضعف أو عجز، وهو ما لا تسمح به بنيتها السياسية ولا سرديتها الثورية. لذلك، من المتوقع أن يكون الرد غير نمطي وأن يحمل توقيتًا مراوغًا وطبيعة متدرجة.
وهنا يبرز السؤال الأهم حول موقع مضيق هرمز في هذا الرد. إذا قررت طهران التلويح بورقة الملاحة، فسيكون العالم أمام أزمة اقتصادية تلوح في الأفق. فأكثر من عشرين بالمئة من تجارة النفط تمر من هناك، وأي خلل في المرور يعني فوضى في الأسواق وضغط على المستوردين، وعلى رأسهم الصين، الحليف التجاري الأكبر لطهران، وسيخلق معضلة في سلاسل التوريد تصل ارتداداتها إلى طوكيو ونيودلهي.
إغلاق المضيق سيكون خيارًا استراتيجيًا معقدًا، فإيران بحاجة لهذا الشريان كما تحتاج لمرونة حلفائها، ويصعب أن تخنق العالم دون أن تختنق هي نفسها جزئيًا. في المقابل، تتحرك واشنطن عسكريًا بشكل يوحي بأن الضربة ليست نهاية بل مقدمة لمشهد مفتوح. فحاملات الطائرات تتجه نحو الخليج لتعزيز تمركزها وكأنها لا تنتظر رد إيران فقط، بل تستعد لمعركة طويلة النفس متعددة الجبهات تكون الدبلوماسية محجوبة فيها والمبادرات خافتة.
الشرق الأوسط يدخل من جديد منطقة العتمة حيث لا تستقر الوقائع إلا بعد فوضى ولا تكتب الحدود إلا على حواف النار. كل الأطراف تمسك الزناد وكل طرف يظن أنه يملك لحظة المبادرة لكن الخطر الأكبر أن تُبنى الحسابات على أوهام وأن يُقرأ الخصم من خلال مراياه لا من واقعه.
إن ما بعد فوردو وأصفهان ليس مجرد فصل جديد في كتاب طويل، بل هو إعادة تعريف لطبيعة اللعبة وحدودها وهوامش النجاة منها. في زمن اللاعودة لا يكفي أن تنجو بل عليك أن تعرف لماذا نجوت وكيف تحمي البقية مما لم يقع بعد.
(موقع أخبار سوريا الوطن-٢)