الأحد, 22 يونيو 2025 08:27 PM

المدينة الجامعية بدمشق: فسحة أمل وتحديات تواجه طلاب سوريا بعد سنوات الحرب

المدينة الجامعية بدمشق: فسحة أمل وتحديات تواجه طلاب سوريا بعد سنوات الحرب

عنب بلدي – عمر علاء الدين – تشكل المدينة الجامعية في دمشق بوتقة تنصهر فيها ثقافات متنوعة من الشبان والشابات السوريين القادمين من مختلف المحافظات، مما يتيح لهم فرصة التعرف على عادات وتقاليد جديدة وبناء صداقات متينة. انطلقت فكرة إنشاء المدينة الجامعية بدمشق عام 1962 بالوحدتين الأولى والثانية، وتوسعت لتضم 27 وحدة سكنية تستوعب 13 ألف طالب، وفقًا لأحدث الإحصائيات الرسمية لجامعة "دمشق".

خلافًا لمظهرها الخارجي، تحمل الوحدات السكنية في طياتها قصصًا لطلاب يطمحون لتحقيق آمالهم خلال مسيرتهم الدراسية. تجولت عنب بلدي في أروقة المدينة الجامعية، واستمعت إلى الطلاب وهم يتحدثون عن معاناتهم بسبب سوء الخدمات، بالإضافة إلى تفاصيل الأحداث التي وقعت على خلفية انتشار تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد، والذي نُسب إلى أحد شيوخ الطائفة الدرزية، وهو ما نفته وزارة الداخلية السورية والشيخ نفسه لاحقًا في 27 من نيسان الماضي.

سوء الخدمات

عبّر محمد العمر، وهو طالب في السنة الثالثة بقسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام، عن استيائه الشديد من الوضع الذي آلت إليه المدينة الجامعية قبل سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024، وخاصةً الوضع الفني والخدمي للوحدة الأولى- ذكور التي يقطنها. وعلى الرغم من أن الإطلالة من غرفة محمد على أوتوستراد المزة تعتبر جيدة، إلا أنه أكد لعنب بلدي أن هذا هو الجانب الإيجابي الوحيد في ظل سوء الخدمات والصعوبات التي تواجهها الوحدة من حيث النظافة ومتانة البناء، وصلاحية المرافق الموجودة (دورات المياه والحمامات).

وأضاف محمد: "طموحنا بسيط، وهو أن نحظى بحياة كريمة تليق بطلاب الجامعة. لقد تحسنت الكهرباء بعد سقوط النظام، بعد أن كانت الوحدات السكنية للذكور تحصل على ثلاث ساعات فقط من الكهرباء كل 24 ساعة، أما اليوم فالوضع مختلف، حيث تصل مدة وصل الكهرباء إلى 16 ساعة متواصلة".

وأشار إلى أن الكهرباء مهمة، لكنها ليست الهم الوحيد، فنظافة دورات المياه وتأهيلها يعتبر الأولوية القصوى، لأنها أصبحت غير صالحة للاستخدام الآدمي. وناشد محمد إدارة المدينة الجامعية بأن تجعل إصلاح المرافق الصحية أولوية قبل الاهتمام بالحدائق، لأن الأساسيات أهم من الكماليات.

ورصدت عنب بلدي قيام إدارة المدينة الجامعية ببعض الإصلاحات، حيث قامت بترميم الحدائق والأرصفة، وطلاء المقاعد بالتعاون مع "الدفاع المدني السوري" والطلاب، وذلك في إطار مبادرة "رجعنا يا شام" في 25 من شباط الماضي. كما نظمت الإدارة إفطارات جماعية للطلاب خلال شهر رمضان الماضي.

سكن أم فرع أمني

أفاد سعيد الخلف، وهو طالب في كلية السياحة بجامعة "دمشق"، بأن السكن الجامعي في المزة كان محاطًا بالفروع الأمنية من جميع الجهات، موضحًا حالة الرعب التي كان يعيشها الطلاب. وأشار إلى أن فرع المنطقة والمربع الأمني، سابقًا، كان يبعد حوالي 500 متر عن حرم السكن من جهة البرامكة. بالإضافة إلى ذلك، كانت تتواجد قوات من ميليشيا "كتائب البعث" على الأبواب وتتجول داخل السكن بين الطلاب، وكانت هناك مفرزة لفرع "أمن الدولة" متمركزة أيضًا على الباب من جهة مستشفى "المواساة".

وبحسب سعيد، كانت المفرزة تتلقى تقارير دورية عن الطلاب الذين يمارسون الصلاة أو يقيمون تجمعات احتفالية أو غنائية، وكانت هذه التقارير تُقدم من قبل أعضاء من "الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" سابقًا. كما كان جيش النظام السابق يدخل إلى السكن ويأخذ حصص الخبز المخصصة للطلاب من الفرن، مما يترك الطلاب في كثير من الأحيان بدون خبز.

وصل التضييق على الطلاب إلى حد أنه بينما كانت إدارة المدينة السابقة تضع من 4 إلى 6 طلاب في الغرفة الواحدة، كان بإمكان أي طالب لديه علاقات بحزب "البعث" السابق أو "اتحاد الطلبة" الحصول على غرفة كاملة بمفرده، وفقًا للطالب سعيد.

وتشير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى أن "الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" هو كيان مرتبط بشكل وثيق بعدد من الأجهزة الأمنية، ومتورط في عشرات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك قمع المظاهرات الطلابية المناهضة للنظام السوري، وملاحقة والتسبب في اعتقال آلاف الطلاب الجامعيين، وتعرض عدد كبير منهم للتعذيب والإخفاء القسري بشكل منهجي وواسع. بالإضافة إلى ذلك، ساهم "الاتحاد الوطني" في تجنيد العشرات من الطلاب لصالح الأجهزة الأمنية، وجمع بيانات عن زملائهم الطلاب الناشطين في الحراك السياسي ضد النظام السوري، بهدف ملاحقتهم والتضييق عليهم وفصلهم من جامعاتهم.

بعد سقوط التمثال

تقول هزار الدرويش، وهي طالبة في السنة الثالثة في الهندسة المدنية بجامعة "دمشق": "كلما كنت أنظر صباحًا إلى تمثال رئيس النظام السابق، حافظ الأسد، في وسط المدينة الجامعية، كنت أشعر أنه يترصدني حتى أخطئ بكلمة أو بنظرة. وبحكم دراستي للهندسة المدنية، كنت أخمن كم كلّف ذلك التمثال المقيت من أموال طائلة، ولو أن تكلفته كانت قد استخدمت في ترميم وحدتنا السكنية، كيف سيكون وضعنا".

وصفت هزار وضع الطالبات قبل سقوط النظام بأنه "المزري"، حيث كان يتواجد من 7 إلى 9 طالبات في الغرفة الواحدة، بالإضافة إلى تسلط بعض المشرفات اللاتي كن يضايقن الطالبات، بل ويبتززن بعضهن ماليًا في بعض الأحيان للحصول على غرفة. إلا أن الوضع الآن تغير قليلًا، إذ تمت إقالة المشرفات اللاتي ضايقن الطالبات، وأتيح التسجيل على غرف جديدة دون عوائق، بحسب هزار.

إن سقوط التمثال الذي دمره الطلاب بأيديهم في 12 من آذار الماضي، كان تعبيرًا عن سقوط الخوف الذي جثم على صدورهم لسنوات. لقد تغير الحال بعد سقوط النظام، وساد مناخ سياسي وفكري منفتح بين الطلاب، وخاصة في المقاهي الموجودة ضمن المدينة.

يعرب يزن أبو ناجي، وهو طالب في السنة الرابعة في كلية الحقوق بجامعة "دمشق"، عن فرحته بالجو الجديد، حيث بات يتناقش مع أصدقائه حول الأوضاع السياسية في سوريا ومآلاتها والقضايا الحساسة في البلد. وقال يزن لعنب بلدي: "لو أننا فتحنا نقاشًا كهذا قبل سقوط النظام، لكان مصيرنا مجهولًا"، معربًا عن تفاؤله بالمناخ الموجود، إلا أنه يرى أن الوضع الحالي للبلاد لن يسير للأفضل إذا استخدمت حرية التعبير في غير محلها على غرار ما جرى في السكن الجامعي بحمص، في 27 من نيسان الماضي.

قرار يمنع التحريض

شهد السكن الجامعي في مدينة حمص، مساء 27 من نيسان الماضي، هجوم بعض الطلاب على طلاب آخرين، إثر انتشار تسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي، احتوى إساءة للنبي محمد. وأكد مدير السكن الجامعي في حمص لعنب بلدي، خالد جمعة، أن الأوضاع هدأت وعادت لطبيعتها.

في 8 من أيار الماضي، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر رحيل مجموعة من طلاب من أبناء الطائفة الدرزية إلى منازلهم، عقب الأحداث التي حصلت في السكن الجامعي بحمص، حيث يعود تاريخ التسجيل إلى 28 من نيسان. وقال مدير المدينة الجامعية، عمار الأيوبي، في تصريحات لقناة "الإخبارية" الحكومية، إن التسجيل المصور هو مقطع سجل قبل نحو عشرة أيام، أي في اليوم الذي تلا انتشار تسجيلات صوتية مسيئة للنبي، وقبل أحداث جرمانا وصحنايا، وقبل حدوث أي توترات. وتابع: "الطلاب الذين غادروا المدينة الجامعية غادروا بناء على طلبهم واختيارهم، ولم يجبرهم أحد على الخروج".

وعلى خلفية الأحداث في السكن الجامعي بحمص، أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي في سوريا، مروان الحلبي، قرارًا يحظر نشر أو تداول أو ترويج، بأي وسيلة كانت شفهية أو كتابية أو افتراضية عبر الشبكة الإلكترونية، أي محتوى يتضمن تحريضًا على الكراهية أو الطائفية أو يسيء إلى الوحدة الوطنية أو السلم الأهلي.

وخصت الوزارة في قرارها، الذي صدر في 10 من أيار الماضي، كلًا من أعضاء الهيئة التدريسية والطلاب والعاملين في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وجميع الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد العليا، والجهات التابعة للوزارة أو المرتبطة بالوزير.

ونص القرار في المادة الثانية منه على أن مخالفته تعرض مرتكبها للمساءلة الجزائية والمدنية والمسلكية، والتحويل إلى المجالس المختصة (التأديب، الانضباط)، لاتخاذ العقوبات الرادعة. وبحسب القرار، قد تصل العقوبات إلى الفصل النهائي أو الإحالة إلى القضاء، حسب أحكام القوانين والأنظمة النافذة.

مشاركة المقال: