الخميس, 19 يونيو 2025 11:20 AM

سوريا بين عملتين: تداعيات الانقسام النقدي وتأثيره على حياة المواطنين

سوريا بين عملتين: تداعيات الانقسام النقدي وتأثيره على حياة المواطنين

سلّط موقع "الجزيرة نت" الضوء على الانقسام النقدي في سوريا، بين مناطق تتعامل بالليرة التركية وأخرى بالليرة السورية، مما أدى إلى تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، تشمل ظهور أسواق سوداء، تفاوت أسعار السلع، واستغلالاً تجارياً يؤثر على حياة المواطنين. بدأ التعامل بالليرة التركية في الشمال السوري عام 2020 بسبب انهيار قيمة الليرة السورية. وتُستخدم التركية بشكل رئيسي في مناطق شمال غرب سوريا، خاصة إدلب، عفرين، أعزاز، وشمال حلب. بينما العملة السورية الرسمية هي السائدة في دمشق، حلب المدينة، حمص، اللاذقية، طرطوس، وأجزاء من ريف دمشق، والمناطق الوسطى والجنوبية.

الانقسام النقدي يعيق التجارة الداخلية، إذ يرفض بعض تجار إدلب وحلب قبول الليرة السورية بسبب تذبذبها، بينما يعتمد السكان الذين يملكون مصالح بمئات ملايين الدولارات على الليرة التركية حصراً. في المقابل، يواجه سكان دمشق صعوبة في التعامل بالليرة التركية لندرتها، ويرفض العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم والمحال التجارية التعامل بها.

يؤثر تفاوت سعر الصرف بين الليرتين على الحياة اليومية، حيث يتعرض الشمال لتذبذب قيمة التركية مقابل الدولار مما يرفع أسعار السلع، بينما تعاني المناطق الجنوبية من ضعف القدرة الشرائية لليرة السورية. على سبيل المثال، سعر ربطة الخبز في إدلب يتراوح بين 5-7 ليرات تركية (0.15-0.20 دولار) وفي دمشق بين 2000-3000 ليرة سورية (0.20-0.30 دولار). لتر البنزين يكلف في الشمال 25-30 ليرة تركية (0.75-0.90 دولار) وفي دمشق 10000-12000 ليرة سورية (1.00-1.30 دولار). الأدوية في إدلب أرخص نسبياً بسبب الاستيراد من تركيا، لكن في دمشق قد تصل تكلفة علبة دواء إلى 20000-30000 ليرة سورية (2.00-3.00 دولار).

انتشرت أسواق سوداء لتجارة العملات في المناطق الحدودية، حيث يستغل السماسرة تذبذب أسعار الصرف، مما يزيد من الفوضى النقدية ويعيق الاستثمار. هناك تجار يرفعون الأسعار بشكل مصطنع ويفرضون التعامل بعملة معينة. تعاني الأسر من انخفاض القدرة الشرائية، إذ يبلغ متوسط الرواتب في القطاع العام بدمشق حوالي 280 ألف ليرة سورية (30 دولاراً) وهي رواتب لا تكفي سوى لتغطية 2% من تكاليف المعيشة. ويعتمد كثيرون على الحوالات الخارجية، لكن قيمتها تتآكل بسبب التضخم وتكاليف تحويل العملات.

قال مصدر حكومي في مؤسسة النقد إنه تم وضع آلية تشمل تراخيص لمحال الصرافة، مع وضع مبلغ تأمين لحماية ودائع الزبائن، ووضع شاشة رقمية في كل محل يتمكن الزبون من خلالها رؤية أسعار الصرف للبيع والشراء. وأضاف: "لا يستطيع صاحب المحل أن يبيع بهامش ربح، حيث يمكن للزبون تقديم شكوى ضده في حال إخلاله بالأسعار الرسمية".

قال الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل إن التحول إلى الليرة التركية في مناطق الشمال السوري جاء نتيجة طبيعية لانهيار الليرة السورية، والتضخم المفرط، وغياب الاستقرار النقدي، إلى جانب العلاقات الاقتصادية القوية مع تركيا ورفض السكان التعامل بعملة النظام. وحذر من أن هذا الوضع قد يعزز احتمالات حدوث انقسام اقتصادي دائم، خاصة مع نشوء مؤسسات نقدية محلية وهويات اقتصادية مختلفة.

يرى الباحث الاقتصادي أسامة العبد الله أنه لمعالجة هذه الأزمة يجب التركيز على توحيد السياسة النقدية والعودة إلى التعامل بالليرة السورية كعملة وطنية موحدة، ودعم استقرار العملة الوطنية من خلال تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي وتشديد الرقابة على مكاتب الصرف غير المرخصة، ومكافحة السوق السوداء.

يقول أسامة سليم الذي يعمل بالمنظمات الدولية إن الليرة التركية "تحقق أرباحاً كبيرة جراء تداولها في شمال سوريا، حيث تدخل مبالغ بمئات ملايين الدولارات سنوياً إلى سوريا، ثم يتم صرفها بالليرة التركية وتحويلها في معظم الأحيان إلى الليرة السورية". ويعتقد سليم أن الاستغناء عن الليرة التركية في هذا الوقت قد يواجه برفض شعبي وآخر من جانب التجار بسبب استقرارها.

مشاركة المقال: