الأربعاء, 18 يونيو 2025 09:29 PM

انتخابات سوريا البرلمانية: تحديات قانونية وتمثيلية تواجه أول استحقاق بعد الأزمة

انتخابات سوريا البرلمانية: تحديات قانونية وتمثيلية تواجه أول استحقاق بعد الأزمة

اللجنة العليا للانتخابات تبدأ عملها وسط تحديات كبيرة

باشرت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا أعمالها رسمياً، واضعة جدولاً زمنياً لإنجاز مهامها يتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، وفق ما أعلنت عنه في اجتماعها الأول الذي عُقد في مقر مجلس الشعب مساء أمس الثلاثاء.

وبحسب ما ذكرت مصادر، ناقشت اللجنة الشروط الواجب توفرها في أعضاء اللجان الفرعية والهيئات الناخبة، بالإضافة إلى خطط الزيارات الميدانية للمحافظات من أجل متابعة التحضيرات ميدانياً.

لكنّ هذه الخطوة، ورغم أهميتها في مسار المرحلة الانتقالية، تُواجه تحديات كبيرة بحسب دراسة صادرة عن مركز جسور للدراسات، حملت عنوان “تحديات أمام انتخابات مجلس الشعب في سوريا”، يشير بشكل غير مباشر إلى غياب الأسس القانونية والتمثيلية في المسار الانتخابي.

انتخابات غير مباشرة تحت إشراف اللجنة

بحسب الدراسة، فإن «السلطة السورية الجديدة لم تتمكن من إجراء انتخابات عامّة مباشرة، وهو ما حدّده مسبقاً الإعلان الدستوري الذي لجأ إلى إجراء مؤقت خلال المرحلة الانتقالية؛ يقوم على معيارَي التعيين والانتخاب من قبل هيئات ناخبة فرعيّة مسمَّاة من قبل لجنة عليا يعيّنها رئيس الجمهورية».

وتوضح الدراسة أن «اللجوء إلى هذه الطريقة في الانتخاب والتعيين لأعضاء مجلس الشعب يعود إلى صعوبات بالغة تواجه إجراء انتخابات عامة مباشرة؛ بسبب حالة التهجير والنزوح الواسعة، وغياب الإحصاءات السكانية الدقيقة، وفقدان السكان لعناوينهم، وعدم وجود بنية تحتية مؤهلة لإجراء الانتخابات في بلدان اللجوء».

عدم إجراء انتخابات عامة مباشرة ربما تبقى موضع جدل، خصوصاً إن «فشلت أو تعثرت تلك الإجراءات الاستثنائية في تحقيق أهدافها، بتمثيل عادل لمجموع فئات السكان وضمان إيصال الكفاءات إلى المجلس».

تمثيل غير مضمون وغياب لقانون انتخابي نافذ

تشير الدراسة إلى مشكلة أساسية في التمثيل، حيث «تنعقد انتخابات مجلس الشعب في سوريا وسط غياب قانون انتخابي أو معايير تضمن التمثيل الكامل لجميع مكونات الشعب»، و«في ظلّ نظام انتخابي غير مباشر، الذي قد ينتج عنه حرمان المجموعات قليلة العدد سكانياً من إيصال ممثلين عنها إلى المجلس».

اللجنة لا تمتلك صلاحية إصدار قوانين دائمة أو مؤقتة، إنما تقتصر مهمتها حسب المرسوم الرئاسي والإعلان الدستوري على الإشراف لا أكثر.

كما أن اللجنة، بحسب المركز، لا تعمل حالياً ضمن قانون انتخابات واضح، حيث «لم يشر المرسوم الرئاسي إلى وجود قانون انتخابات تستند إليه اللجنة العُليا في عملها، بعد أن ألغى مؤتمر النصر قانون الانتخابات السابق»، رغم إعلان اللجنة أنها «أعدّت مسودة لقانون انتخابات مؤقت».

لكن المركز يُنبه إلى أن «اللجنة لا تمتلك صلاحية إصدار قوانين دائمة أو مؤقتة، إنما تقتصر مهمتها حسب المرسوم الرئاسي والإعلان الدستوري على الإشراف لا أكثر»، ويرى أن هذا الخلط في فهم الصلاحيات ربما يعود إلى «خلفية أعضائها، الذين يغيب عنهم القضاة والحقوقيون حيث تضم: 2 أطباء و3 علوم شرعية و1 جيولوجيا و1 علم اجتماع و2 صحافيين و1 مهندساً و1 علاقات دولية».

مناطق خارج السيطرة وبيانات إحصائية قديمة

تشير الدراسة إلى أن «الحكومة السورية لا تفرض سيطرتها ونفوذها على كامل التراب السوري»، حيث لا تزال «مناطق شمال شرق سوريا تحت سيطرة قسد، وبلدات في القنيطرة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ومناطق في السويداء خارجة عن السيطرة الحكومية».

وتلفت إلى أن هذه التحديات السياسية والأمنية «ستُشكّل تحدياً أمام عمل لجنة الانتخابات لتمارس دورها بشكل متكامل وبذات المنهجية والمعايير في كافة الدوائر الانتخابية».

أما على صعيد البيانات السكانية، فتؤكد الدراسة أن «اللجنة اعتمدت على بيانات الإحصاء لعام 2010 الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء في سوريا»، رغم أن ذلك الإحصاء لم يعد يعكس الواقع الديمغرافي بعد الحرب، وتوضح أن هذا «يشير إلى تهميش التمثيل النسبي وهدر لقاعدة الصوت المتساوي على حساب الاعتبارات السياسية».

حوكمة غائبة ورقابة قضائية مستبعدة

من أبرز ما انتقدته الدراسة هو ما وصفته بـ «غياب الحوكمة الانتخابية»، مشيرة إلى أن «المرسوم لم يُحدّد النظام الداخلي لعمل اللجنة، ولا مدتها، ولا آليات اختيار أعضاء الهيئة الانتخابية، ولم يُعرف من هم الأعيان والمثقفون، ولا كيف سيتم اختيارهم».

كما حذّرت من «استبعاد دور القضاء في مراقبة العملية الانتخابية»، حيث إن اللجنة «منحت نفسها صفة شِبه قضائية بأن جعلت اللجان الفرعية محلَّفة، وهي بذلك تستبعد دور القضاء كما جرت العادة في قوانين الانتخابات في الدول المتحضرة».

جسور للدراسات: انتخابات مجلس الشعب تُعدّ اختباراً حقيقياً للسلطة وللجمهور ونجاحها يتطلب حوكمة واضحة، وشفافية، ومشاركة جميع المكونات بمصداقية

وتقترح الدراسة أنه «لا بد من استصدار مرسوم يجعل على رأس كل لجنة فرعية قاضياً مشهوراً بنزاهته واستقلاله، ومنحه صلاحية البت في طعون الترشيح، وتسمية غرف بمحكمة النقض للنظر في الطعون».

دعوة لتعزيز الشفافية قبل الدخول في الاستحقاق

خلصت الدراسة إلى أن «انتخابات مجلس الشعب تُعدّ اختباراً حقيقياً للسلطة وللجمهور»، وأن نجاحها يتطلب «حوكمة واضحة، وشفافية، ومشاركة جميع المكونات بمصداقية»، إضافة إلى ضرورة «استصدار مراسيم تنظّم عمل اللجنة، وتُحدّد المعايير والشروط، وتكفل حيادية الإجراءات، وتضمن الرقابة القضائية والإعلامية».

وتُضيف الدراسة أن هذا الأمر سيكون «أساسياً في الاعتراف بشرعية السلطة المتولدة عنها في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد».

ويجمع الخبراء على أن نجاح هذه الانتخابات لن يكون ممكناً إلا من خلال إصلاحات إجرائية وتنظيمية عاجلة تشمل إصدار مراسيم تنظيمية، وتحديد آليات الاقتراع، وتفعيل الرقابة القضائية والإعلامية، لضمان عملية انتخابية تُعيد ثقة المواطن السوري بمؤسساته وتفتح الباب أمام مرحلة سياسية أكثر استقراراً.

مشاركة المقال: