الإثنين, 12 مايو 2025 09:42 PM

وهم القوة: هل نحن حقًا على هامش الحضارة؟

وهم القوة: هل نحن حقًا على هامش الحضارة؟

خطرت في بالي فكرة، كنت على وشك أن أصفها بأنها "خارقة"، ولكنني، من باب التواضع، تراجعت. الفكرة هي أن علينا، نحن أبناء هذه البلاد، أن نتحلى بالعقل، ولو لمرة واحدة في تاريخنا كله، ونعترف بأننا نعيش، اليوم، على هامش الحضارة الإنسانية، لأننا لا نخترع، ولا ننتج، وكل ما يلزم لنا، بدءًا من سجادة الصلاة، وصولًا إلى الطائرة الحربية المسيرة، نستورده مما يصنع الآخرون، ومع ذلك، لا نكف عن إطلاق التصريحات المحملة، غالبًا، بتهديد لأولئك المخترعين، ووعيد!

لا يمكن إحصاء الأمثلة التي تؤيد هذه الفكرة، فهي كثيرة جدًا، ولكن أشدها وضوحًا، برأيي، عملية "البيجر"، التي نفذتها إسرائيل، فقتلت المئات من عناصر "حزب الله"، في 17 من أيلول 2024، دفعة واحدة، وكانت تلك الضربة شبه القاضية في الحرب التي استمرت شهورًا طويلة، وقد تبين أن الموساد الإسرائيلي كان يعمل، منذ سنة 2015، على إيصال هذه الأجهزة إلى "حزب الله"، من خلال شركة، يقال إنها تايوانية، مع تدخل مندوبين متعاملين مع الموساد، وهم من جنسيات أخرى، لشرح مزايا هذه الأجهزة لقياديي "حزب الله"، فاقتنوها، غير عارفين أنها "ملغومة"، تستطيع إسرائيل تفجيرها، بكبسة زر.

الدول العظمى، المنتجة للأسلحة، تبيع للدول المتخلفة أنواعًا من الأسلحة التقليدية، الدفاعية غالبًا، وتمنع عنها الأسلحة المتطورة، وبالأخص الطائرات الحديثة، القادرة على تنفيذ هجمات حاسمة، وإذا وافقت على مثل هذه الصفقات، تحت إغراء صفقات مالية كبيرة، فهي تشترط عليها عدم استخدامها ضد دول بعينها، في مقدمتها إسرائيل طبعًا، والدولة المشترية، ولأنها تجهل المنظومة الصناعية لمحركات الطائرات التي اشترتها، لا تعرف إن كانت الجهة المصنعة تستطيع تعطيل "السيستم"، متى شاءت، وإذا تعطل المحرك، بعد مدة من الاقتناء، هل سيكون الإصلاح ممكنًا، أم أن الطائرة التي اشتريت بمئات الملايين ستتحول إلى "كومة حديد"؟

بإمكانك، عزيزي قارئ هذه الأسطر، أن تستخف بفكرتي هذه، وتستنتج منها أنني شخص انهزامي، أدعو شعوبنا، ودولنا، للاعتراف بالعجز، والتخلف مئات السنين عن ركب الحضارة، ويمكن أن تكون حضرتك متبحرًا بعالم التجارة، وتأتيني ببراهين على أن الجهة المستوردة، تستطيع أن "تكلبش" الشركة المنتجة، بشروط واضحة، وصريحة، وترغمها على الالتزام بكل متطلبات استخدام السلاح، وتضيف بأن دول العالم ليست كلها من معسكر واحد، وأن بإمكان دولنا أن تشتري أسلحتها من المعسكر الآخر.

أنا، بدوري، سأنظر إلى ملامحك باحترام، وأفكر فيه مليًا، ولكنني لن أزيح عن فكرتي الأساسية، وهي المتخلف متخلف، ولا بد له أن يعيش تحت رحمة الدول المتقدمة، من أي معسكر كانت، وحتى لو اقتنى أسلحة العالم المتطورة كلها، فإن بإمكان الدول القوية الإغارة عليها، وتدميرها في مرابضها، عندما تشم رائحة خطر يأتي من جهتها، ولا أدل على ذلك من منع الدول العربية، كلها، من امتلاك السلاح النووي، وها هي إيران، التي أنفقت عقودًا من الزمن، وتريليونات الدولارات، على برنامجها النووي، تقف على مفترق طريقين لا ثالث لهما: إما أن تتخلى عن برنامجها النووي بالتفاوض، أو تتخلى عنه بالقوة!

مشاركة المقال: