السبت, 3 مايو 2025 09:01 AM

وثائق رويترز تكشف: كيف تبخر الحلم الإيراني "بخطة مارشال" في سوريا بعد سقوط الأسد؟

وثائق رويترز تكشف: كيف تبخر الحلم الإيراني "بخطة مارشال" في سوريا بعد سقوط الأسد؟

لم يكن سقوط نظام بشار الأسد مجرد خسارة لحليف أساسي بالنسبة لإيران. فـ"سوريا الأسد" بالنسبة لها كانت حلمًا اقتصاديًا كبيرًا، خصوصًا بعد كشف النقاب عن مستندات رسمية سرية كانت في سفارة الجمهورية الإسلامية في دمشق عُثر عليها في كانون الأول/ ديسمبر 2024.

وفق هذه الوثائق التي كشفت عنها وكالة رويترز، كان لإيران خطة كبرى لسوريا؛ واللافت أنها كانت مستوحاة مباشرة من استراتيجية عدوها اللدود، الولايات المتحدة، في أوروبا. فكما رسّخت واشنطن هيمنتها من خلال استثمار مليارات الدولارات في إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كانت إيران تخطط لفعل الشيء نفسه في الشرق الأوسط عبر إعادة إعمار سوريا المنكوبة بالحرب.

البرنامج الطموح، الذي تم تفصيله في دراسة رسمية إيرانية من 33 صفحة عُثر عليها في السفارة، أشار مرارًا إلى "خطة مارشال"، الخطة الأميركية لإحياء أوروبا ما بعد الحرب. حيث نجحت تلك الاستراتيجية – بحسب عرض تقديمي مرفق بالدراسة – في جعل أوروبا "تعتمد على أميركا" من خلال "خلق تبعية اقتصادية وسياسية وثقافية".

الوثيقة، المؤرخة في أيار/ مايو 2022 والتي أعدّها فريق إيراني مختص بالسياسات الاقتصادية في سوريا، عُثر عليها من قِبل مراسلي وكالة رويترز في السفارة الإيرانية المنهوبة بدمشق خلال زيارتهم للمبنى، وكانت من بين مئات الوثائق التي اكتشفوها هناك وفي مواقع أخرى بالعاصمة، تكشف كيف خططت طهران لاستعادة المليارات التي أنفقتها لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد خلال سنوات الحرب الطويلة.

وفق الخبراء الذين كتبوا الوثائق، تمثل خطة الجمهورية الإسلامية حلمًا لبناء إمبراطورية اقتصادية، بالتوازي مع تعميق النفوذ الإيراني في سوريا. ويبرز في أحد العناوين الفرعية في الدراسة: "فرصة بقيمة 400 مليار دولار".

لكن هذه الآمال الإمبراطورية انهارت عندما أسقطت نظام الأسد فصائلُ معارضة لدمشق ولطهران في ديسمبر الماضي. فهرب الرئيس المخلوع إلى روسيا، وانسحبت القوات الإيرانية والجماعات الحليفة لها، إضافة للدبلوماسيين والشركات الاقتصادية.

بالتوازي، أجرت رويترز مقابلات مع عشرات رجال الأعمال الإيرانيين والسوريين، وحققت في شبكة الشركات الإيرانية التي كانت تعمل في عدة مناطق سورية. وقد واجهت هذه الاستثمارات عراقيل عديدة: هجمات المسلحين، الفساد المحلي، العقوبات الغربية، والغارات الجوية.

من بين هذه الاستثمارات، محطة طاقة بقيمة 411 مليون يورو في اللاذقية على الساحل السوري، كانت تُشيّدها شركة هندسية إيرانية، لكنها الآن متوقفة تمامًا. مشروع آخر لاستخراج النفط في صحراء شرق سوريا تُرك مهجورًا، أما جسر سكك حديدية على نهر الفرات، بتكلفة 26 مليون دولار، شيّدته جمعية خيرية مرتبطة بالمرشد الأعلى علي خامنئي، فقد دُمّر بضربة جوية للتحالف الأميركي قبل سنوات ولم يُصلّح ولم يُسدّد كامل تكلفته.

تُظهر الملفات التي عُثر عليها في السفارة حوالى 40 مشروعًا تمثل فقط جزءًا بسيطًا من إجمالي الاستثمارات الإيرانية. ومع ذلك، وجدت رويترز أن الديون المستحقة للشركات الإيرانية في نهاية الحرب وصلت إلى ما لا يقل عن 178 مليون دولار. وقدّر نواب إيرانيون سابقون إجمالي ديون حكومة الأسد لإيران بأكثر من 30 مليار دولار.

في نهاية المطاف، ذهبت آمال إيران في استنساخ خطة مارشال الأميركية وبناء إمبراطورية اقتصادية في سوريا أدراج الرياح، فأصبحت تشبه إخفاقات الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. مع تدخلها المبكر في الحرب السورية إلى جانب الأسد، عمّقت إيران نفوذها في هذا البلد المطلّ على البحر المتوسط. لكن قصة الاستثمارات المهدورة تكشف عن المخاطر المالية التي جلبها هذا التدخل، وكيف أضرّ بالحكومتين في سوريا وإيران.

بالنسبة لحكام طهران، جاء سقوط الأسد وانهيار الخطط الإيرانية في سوريا في وقت حرج. فقد أضعفهم هجوم إسرائيل على حلفاء الجمهورية الإسلامية الرئيسيين، مثل حزب الله في لبنان وحماس في غزة. كما أنهم كانوا تحت ضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتفاوض بشأن صفقة تحدّ من البرنامج النووي الإيراني، تحت طائلة التهديد بتحرك عسكري.

في المقابل، سارعت دول إقليمية منافسة كتركيا وإسرائيل لملء الفراغ الذي خلّفه انسحاب إيران من المشهد. أما الحكومة السورية الناشئة، بقيادة "هيئة تحرير الشام"، فتواجه تحديات هائلة مع مشاريع بنية تحتية متوقفة في سعيها لإعادة بناء البلاد المدمّرة.

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في ديسمبر، إنه يتوقع من القيادة السورية الجديدة احترام التزامات البلاد. لكن هذا ليس أولوية بالنسبة للحكومة الجديدة، بقيادة أحمد الشرع. إذ قال الرئيس الانتقالي في مقابلة في ديسمبر ديسمبر: "الشعب السوري يحمل جرحًا سبّبته إيران، وسنحتاج إلى وقت طويل للشفاء منه".

بالنسبة لمعظم السوريين، كان رحيل الأسد والجماعات العسكرية المدعومة من طهران سببًا للاحتفال. لكن أولئك الذين عملوا مع الإيرانيين لديهم مشاعر مختلطة حيال خروج الشركات الإيرانية، إذ تركهم كثيرون منهم بلا مصدر رزق. فقال مهندس سوري عمل في محطة كهرباء اللاذقية المتوقفة عن العمل لرويترز: "كانت إيران هنا، وهذه كانت الحقيقة، وكسبتُ رزقي منها لفترة". وطلب المهندس عدم ذكر اسمه خوفًا من الانتقام بسبب عمله مع شركة إيرانية، خصوصًا بعد سلسلة من عمليات القتل الانتقامية الشهر الماضي بحق سوريين مرتبطين بالنظام السابق. وأشار إلى أن مشروع اللاذقية أعاقته المشاكل المالية والفساد السوري والعمال الإيرانيين غير المؤهلين في كثير من الأحيان، لكنه رأى في إنجازه فرصة لتعزيز شبكة الكهرباء المتعثرة في البلاد. وأضاف: "محطة الطاقة كانت شيئًا من أجل مستقبل سوريا".

وفي هذا السياق، فإن الرجل المكلّف بتنفيذ الخطط الاقتصادية الإيرانية في سوريا كان عباس أكبري، وهو مدير إنشاءات تابع للحرس الثوري الإيراني. وفي آذار/ مارس 2022، جرى تعيينه رسميًا لرئاسة وحدة "مقر تطوير العلاقات الاقتصادية بين إيران وسوريا"، بهدف تعزيز التجارة واسترداد الاستثمارات الإيرانية. أعدّ فريقه الدراسة التي استشهدت بخطة مارشال كنموذج يُحتذى به. استعان أكبري بزملائه من الحرس الثوري، الذي يمثل النخبة العسكرية الإيرانية، للمساعدة في الأعمال اللوجستية في المشاريع المدنية. وعثرت رويترز على رسائل موقعة من أكبري في السفارة الإيرانية، تتضمن تفاصيل عن المشاريع التي دعمها والأموال التي أُنفقت. وبالقرب من الأوراق المبعثرة، كان هناك خزنة وحزمة من المتفجرات البلاستيكية (C4) عثر عليها مقاتلون كانوا يحرسون المبنى.

واجهت المشاريع الإيرانية مشاريع كبيرة منذ بداية العمل في سوريا. حيث تشير معلومات الوكالة إلى أن النظام السوري أصر على استخدام مقاولين مرتبطين بعائلة الأسد، استأجروا عمالًا ومهندسين غير مؤهلين. وأشار أيضًا إلى أن طاقم الشركات الإيرانية ضمّ موظفين أكفاء وآخرين حصلوا على وظائفهم عبر علاقاتهم مع مسؤولين في النظام. إضافة إلى ذلك، عانت الشركات الإيرانية من خسائر كبيرة بسبب السرقات التي كانت تحصل داخل المعامل، وأثناء عملية نقل البضائع. كذلك استخدمت شركات تحويل الأموال السورية أسعار صرف قديمة، ما ألحق خسائر إضافية بالشركات الإيرانية.

رغم هذه الانتكاسات، ضاعفت إيران استثماراتها، فوقّعت اتفاقية تجارة حرة مع سوريا في 2011 وقدّمت خط ائتمان بـ3.6 مليار دولار في 2013، وآخر بمليار دولار في 2015. قدّرت الأمم المتحدة في 2015 إنفاق طهران بـ6 مليارات دولار سنويًا في سوريا، بينما ترفض الجمهورية الإسلامية الأرقام الرسمية ولا تقدّم بدائل دقيقة. وبين 2015 و2020، وُقّعت اتفاقيات لسداد الديون عبر منح إيران أراض زراعية، ترخيصًا لشبكات اتصالات، مشاريع إسكان، حقوق تعدين الفوسفات، وعقود تنقيب نفطية، لكنها واجهت جميعها مشاكل مماثلة.

بحلول 2022، بدأت إيران تدرك ضآلة العوائد التي جنتها. كما أن الدراسة التي أُعدّت في عهد أكبري أحصت مشاكل كبرى: وهي صعوبات مصرفية ونقلية، انعدام الأمن، والبيروقراطية. اقترحت الدراسة أن تعتمد إيران على نموذج وكالة USAID الأميركية، والذي رأت فيه أداة فعالة للنفوذ الناعم، لتحقيق أهدافها الإقليمية وتحييد العقوبات الأميركية. مع ذلك، لم تكن هناك رغبة كبيرة لدى الشركات الإيرانية للاستثمار في سوريا. في 2022 و2023، سُجّلت فقط 11 شركة إيرانية في سوريا. ألقى أكبري باللوم على "البيروقراطية السورية المعقدة" واقترح عرضٌ تقديمي وجدته رويترز في السفارة: "التعرف إلى أصحاب النفوذ والمافيات الاقتصادية السورية".

واصل أكبرى مساعيه، والتقى مسؤولين سوريين لإحياء مشاريع متوقفة، ووقّعت طهران اتفاقيات جديدة مع دمشق في 2023 و2024، منها إنشاء بنك مشترك، تجارة بدون جمارك، ومحاولة ثانية للتعامل بالعملات المحلية بدل الدولار لتفادي العقوبات. لكن الوقت نفد. فمع سقوط الأسد، كانت إسرائيل قد دمرت عمليًا محور المقاومة الإيراني، مستهدفة قيادة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، وقادة الحرس الثوري في سوريا.

(REUTERS)

مشاركة المقال: