الأربعاء, 30 أبريل 2025 01:40 PM

هوية الطوائف وحدود المحاصصة في أزمة التمثيل الوزاري

هوية الطوائف وحدود المحاصصة في أزمة التمثيل الوزاري
شهدت سوريا خلال الفترة الماضية تشكيل مجلسين بارزين، كان لهما دور محوري في إطار إعادة تنظيم الحياة العامة في البلاد. أولًا، تم تأسيس "مجلس الإفتاء الأعلى" المؤلف من 15 عضوًا، برئاسة الشيخ أسامة الرفاعي، وثانيًا، تم تشكيل "مجلس الوزراء" الذي يضم 23 وزيرًا، مع احتفاظ أحمد الشرع بمنصب رئيس المجلس وفقًا للإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية. ### **أهمية مجلس الإفتاء الأعلى** على الرغم من الاهتمام الإعلامي المحدود نسبيًا الذي رافق تأسيس مجلس الإفتاء مقارنة بمجلس الوزراء، إلا أنّ تشكيل المجلس يحمل أهمية لا تقل عنه. بالنظر إلى مكانة الفتوى في مجتمع مسلم كسوريا، فإن تأسيس هذا المجلس يعيد التأكيد على الدور الحيوي للإفتاء في ضبط الشأن الديني. ويتسم المجلس الجديد بالبراغماتية التي ظهرت في اختيار أعضائه ورئاسته. تم تجاوز الترشيحات التي كانت تشير إلى تعيين عبد الرحيم عطون، أحد أبرز الشخصيات الشرعية في "هيئة تحرير الشام"، لرئاسة المجلس، ليتم اختيار الشيخ أسامة الرفاعي، المعروف بتمثيله للإسلام المعتدل. هذا التوجه يُعتبر انتصارًا للمنهج الإسلامي المعتدل على حساب التيارات المتطرفة والعشائرية أو المناطقية، مع أولوية الولاء للنهج الإسلامي الوسطي. ### **تشكيل مجلس الوزراء** أما مجلس الوزراء، فقد تم تشكيله مع مراعاة التوازنات الاجتماعية والدينية، إذ ضم تمثيلًا للأقليات الدينية والعرقية، كما شمل وجود العنصر النسائي. ومع ذلك، لم يُخصص أي تمثيل واضح للتيارات السياسية كـ"الائتلاف الوطني" أو المنصات السياسية الأخرى مثل موسكو والقاهرة. بررت السلطة هذا الغياب بالتأكيد على أن الكفاءة هي المعيار الأساسي، وأنها تسعى لتجنب نظام المحاصصة الطائفية أو القومية، مما أثار تساؤلات حول مستقبل التمثيل السياسي لهذه القوى في البلاد. ### **إشكالية الهويّة والتمثيل في الوزارات** أثار تشكيل المجلسين أسئلة جوهرية حول طبيعة العلاقة بين الأفراد والدولة، وعلى وجه الخصوص، مفهوم التمثيل. لماذا يشعر الأفراد، في مجتمع مثل المجتمع السوري، بالحاجة إلى تمثيل طائفتهم أو انتمائهم العرقي في السلطة؟ يرتبط هذا السؤال بتأثير العوامل النفسية والاجتماعية المتعلقة بالانتماء والهوية. وفقًا لعلماء النفس، مثل وليم جيمس وجون ديفيد نازيو، تتبلور الهوية الفردية من خلال التجارب الذاتية والتفاعل مع المحيط. هذا الشعور بالهوية يمتد ليشمل الآخرين داخل المجموعة، بحيث يصبح نجاح أحد أفرادها كأنه تمثيل للجميع. في السياق السوري، هذا الامتداد النفسي يجعل وجود مسؤول ينتمي لطائفة أو مجموعة ما مرضيًا لأفرادها، بالرغم من سياسات ذلك المسؤول التي قد لا تكون دائمًا في مصلحتهم المباشرة. على النقيض، فإن غياب تمثيل فئات معينة يثير مخاوف حول شعورها بالانتماء للوطن. لذا، تسعى السلطة الجديدة إلى تعزيز الهوية الوطنية الجامعة على حساب الهويات الطائفية والعرقية، وهي مهمة صعبة في مجتمع يعاني من آثار التقسيم والتشرذم لعقود طويلة. ### **الخلاصة** يُظهر تشكيل مجلس الإفتاء ومجلس الوزراء التوجه نحو إعادة بناء المؤسسات على أسس جديدة تتجاوز العصبية الطائفية والسياسية وتضع الكفاءة والاعتدال في المقدمة. إلا أن هذا التوجه يظل محفوفًا بتحديات تتعلق بإعادة صياغة الهوية الوطنية من منطلق جامع يجمع مختلف مكونات الشعب السوري.
مشاركة المقال: