الإثنين, 12 مايو 2025 03:38 PM

مستقبل غامض: سيناريوهات مصير المقاتلين الفرنسيين في سوريا بعد لقاء ماكرون والشرع

مستقبل غامض: سيناريوهات مصير المقاتلين الفرنسيين في سوريا بعد لقاء ماكرون والشرع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

كانت قضية المقاتلين الفرنسيين في سوريا حاضرة في نقاشات الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في لقاء أعاد تسليط الضوء على ملف شائك تتداخل فيه الاعتبارات الأمنية مع الحسابات السياسية والدبلوماسية.

وخلال تصريح أعقب المحادثات، في 7 من أيار الحالي، قال الشرع إنه “تناول قضية المقاتلين الأجانب الفرنسيين والخطوات التالية في هذا الصدد”، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل هؤلاء المقاتلين، والسيناريوهات المحتملة لمعالجة ملفهم.

المقاتلون الفرنسيون في سوريا موجودون تحت مظلة فرقة “الغرباء” شمالي إدلب، التي يقودها عمر أومسن (عمر ديابي) المصنف في أمريكا كـ”إرهابي عالمي“، وتضم “الغرباء” نحو 70 مقاتلًا فرنسيًا، ولها تاريخ غير ودي مع “هيئة تحرير الشام”، التي اعتقلت أومسن لمدة 17 شهرًا.

ما فرقة “الغرباء”؟

تقيم فرقة “الغرباء” في مخيم قرب مدينة حارم شمالي إدلب، بجوار الحدود التركية، ويحيط بالمخيم جدار شيّده أعضاؤها للحفاظ على خصوصيتهم مع عائلاتهم، مزود بكاميرات مراقبة وأجهزة كشف حركة.

ويترأس الفرقة عمر أومسن (49 عامًا)، الذي تقول السلطات الفرنسية إنه “مسؤول عن تجنيد 80% من الجهاديين الذين يتحدثون اللغة الفرنسية ممن ذهبوا إلى سوريا أو العراق”.

وبحسب عالمة الاجتماع دونيا بوزار، التي تدير مركز مكافحة التطرف في فرنسا، كانت استراتيجية أومسن فعالة للغاية، لدرجة أنه تمكن من تجنيد الشباب من العائلات الغنية التي لم تكن لها أي صلة بالإسلام.

وكانت هذه الاستراتيجية المثيرة للجدل إلى حد كبير، ناجحة في الجمع بين قضية الإسلام وقضية إنقاذ المدنيين الأبرياء في سوريا.

ولد عمر في السنغال، وانتقل للعيش في فرنسا عندما كان طفلًا، قبل أن ينتهج “التطرف” بعد أوقات قضاها في السجون، وانتقل إلى سوريا في 2013، وترأس كتيبته “الجهادية” في غابات اللاذقية، ويعتبر الزعيم الروحي لجماعته.

في أيلول 2014، أدرجته لجنة عقوبات مجلس الأمن الدولي على قائمة الأفراد المرتبطين بتنظيم “القاعدة”، وذلك لدوره القيادي في فرقة “الغرباء” المرتبطة بجبهة “النصرة” حينها، وكونه ميسرًا رئيسًا لشبكة المقاتلين الأجانب في سوريا، بالإضافة إلى نشاطه في الدعاية “الإرهابية” عبر الإنترنت.

في عام 2016، صنفت الخارجية الأمريكية عمر أومسن كـ”إرهابي عالمي“، واعتقلته “تحرير الشام” في 2020، وبقي في السجن حتى 2022.

في 23 من أيار 2023، توعدت فرقة “الغرباء” بإصدار سلسلة مقاطع فيديو، للرد على “افتراءات” تم الترويج لها بحق أومسن وأعضاء فرقته من قبل “تحرير الشام”، وتثبت أن “الهيئة” تفتقد إلى “الأمانة والنزاهة، ولا يمكن الوثوق بها، لأنها خانت الشعب السوري والمجاهدين”.

خمسة احتمالات تحدد مستقبلهم

لطالما كان ملف المقاتلين الأجانب من أبرز القضايا الشائكة التي تعود جذورها لسنوات في سوريا، إذ مارست “هيئة تحرير الشام” (أبرز الفصائل التي قادت معركة “ردع العدوان” وأسقطت نظام الأسد) التضييق على جميع الفصائل التي لم تتماشَ مع سياستها في الشمال السوري، وخصوصًا المقاتلين الأجانب، رغم نفي “تحرير الشام” لوجود سياسة ممنهجة تجاههم.

في 5 من أيلول 2021، أشاد القائد العام لـ” تحرير الشام”، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، بجهود من وصفهم بـ”الإخوة المهاجرين الذين جاؤوا للمساعدة”، ووعد بعدم التخلي عنهم، ردًا على سؤال حول وجود مكان لهم في مستقبل سوريا.

وبعد سقوط الأسد، تحدث أحمد الشرع أن منح الجنسية للمقاتلين الأجانب ليس مستحيلًا، ويمكن دمجهم في المجتمع السوري، إذا كانوا يحملون نفس أيديولوجيا وقيم السوريين، وجرى منح بعضهم رتبًا عسكرية، وذهبت ست وظائف عسكرية على الأقل في وزارة الدفاع السورية لأجانب، من أصل 50 أُعلن عنها.

وبالنسبة للسيناريوهات المحتملة لمستقبل المقاتلين الفرنسيين في سوريا، يرى الباحث في الجماعات الجهادية عرابي عرابي، أن هناك بعض الخيارات يمكن يتم التوافق عليها منها:

  • إمكانية الدمج داخل المجتمع السوري في حال كان الشخص الفرنسي موجودًا في سوريا ومتزوجًا من سورية ولديه أولاد.
  • إمكانية دمج العناصر الفرنسيين إذا كانوا غير متطرفين مع وجود “من يزكيهم” (إن صح التعبير).
  • إمكانية تسليم المتطرفين منهم والأشد تطرفًا والمطلوبين بجرائم معيّنة.
  • إعادة دمج المقاتلين وأهاليهم في البيئة الفرنسية مع ضمان وجود عدم ملاحقات لهم.
  • إمكانية وجود ما يشبه الترحيل إلى دولة ثالثة.

ولا يعتقد الباحث عرابي أن فرقة “الغرباء” يمكن أن تشكل بؤرة توتر أو أي خطر في سوريا، لأن عدد المقاتلين قليل (من 60 إلى 70 شخصًا)، وهي قوة ضعيفة جدًا، وربما يختبئ لديهم بعض العناصر المطلوبين، أو ممن لهن ارتباط بـ”القاعدة”، وهذه مسألة يتم التعامل معها أمنيًا.

وخلال مؤتمر صحفي مع ماكرون، قال الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إن المقاتلين الأجانب جاؤوا إلى سوريا فرادى لا جماعات دعمًا للشعب السوري خلال الثورة.

وأضاف الشرع أن الحكومة السورية تضمن لجميع دول العالم، أن المقاتلين الأجانب الذين بقوا في سوريا لن يشكلوا خطرًا على أي من الدول المجاورة، ولن يُلحقوا الضرر ببلدانهم التي جاؤوا منها.

وحول إمكانية منح الجنسية للمقاتلين الأجانب، قال الشرع إن الدستور السوري عندما يصاغ سيحدد من يحق له الحصول على الجنسية من المقاتلين الأجانب وعائلاتهم.

مصدر قلق للغرب

يشكل المقاتلون الأجانب عقدة للغرب، إذ أوضح ثلاثة مبعوثين أوروبيين خلال اجتماع مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في دمشق، أن أولويتهم القصوى هي القضاء على “المقاتلين الجهاديين” وأن الدعم الدولي للحكومة السورية قد يتبخر ما لم تتخذ إجراءات حاسمة في هذا الملف.

حذر مبعوثون أمريكيون وفرنسيون وألمان الإدارة الجديدة في سوريا من أن تعيينها لـ”جهاديين أجانب” في مناصب عسكرية عليا يمثل “مصدر قلق أمنيًا وسيئًا” لصورتها في الوقت الذي تحاول فيه إقامة علاقات مع دول أجنبية.

طالب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، السلطات السورية بمعالجة المخاوف بشأن “الإرهاب”، بما في ذلك المقاتلون الأجانب.

من الشروط الأمريكية المطلوب تنفيذها من الإدارة السورية الجديدة، إبعاد المقاتلين الأجانب من مناصب حكومية عليا، مقابل تخفيف واشنطن بعض العقوبات المفروضة على سوريا وتمهيد لانفتاح محتمل في العلاقات.

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تحدث أنه يسعى لتهدئة المخاوف المتعلقة بتحول سوريا إلى “ملاذ للمتطرفين” بوجود مقاتلين أجانب بين صفوف الجيش، متعهدًا بمنع استخدام الأراضي السورية لتهديد أي دولة أجنبية.

ردّت سوريا على قائمة شروط واشنطن، ومنها أن مسؤولين سوريين ناقشوا قضية المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأمريكي السابق، دانييل روبنشتاين، لكن القضية “تتطلب جلسة تشاورية أوسع، وما يمكن تأكيده حتى الآن هو أن إصدار الرتب العسكرية قد تم تعليقه بعد الإعلان السابق بشأن ترقية ستة أفراد”.

مشاركة المقال: