السبت, 17 مايو 2025 05:31 PM

في رأس العين وتل أبيض: البسطات ملاذ العائلات في ظل الأزمة الاقتصادية وتنافس التجار

في رأس العين وتل أبيض: البسطات ملاذ العائلات في ظل الأزمة الاقتصادية وتنافس التجار

في مدينتي رأس العين وتل أبيض، وجد العشرات من السكان في بسطات الخضراوات والفواكه ملاذًا اقتصاديًا، بعد أن أصبحت مصدر الدخل شبه الوحيد لكثير من العائلات التي تعاني من ظروف معيشية قاسية ونقص حاد في فرص العمل. يعتمد أصحاب هذه البسطات على شراء كميات صغيرة من الخضراوات بالجملة من السوق، ثم بيعها بالتجزئة، ويقضون ساعات طويلة من الصباح حتى المساء لتأمين احتياجات أسرهم.

تعيش المنطقتان الواقعتان شمال الرقة وشرقي الحسكة في وضع أشبه بالحصار، حيث تسيطر عليهما فصائل "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، وتحيط بهما "قوات سوريا الديمقراطية"، وتشهد المنطقة صدامات متكررة بين الطرفين.

عمل أساسي أو إضافي

يعتمد معظم العاملين على البسطات كمصدر دخل رئيسي، بينما يلجأ إليها آخرون كعمل إضافي إلى جانب وظائفهم الأخرى. وليد السريان (45 عامًا)، يعمل في بسطة لبيع الخضراوات في مدينة تل أبيض منذ الصباح الباكر وحتى المساء، لتأمين معيشة أسرته. كانت البسطة خياره الوحيد بعد أن فشل في الحصول على وظيفة في بلدية تل أبيض أو في إحدى المدارس، حيث كانت جميع الشواغر ممتلئة.

يقول وليد إن العمل على البسطة مرهق، ويتطلب الوقوف لساعات طويلة، لكنه يجني منها يوميًا حوالي 140 ألف ليرة سورية، وهو دخل أعلى من أجور العمال اليومية التي تتراوح بين 80 و100 ألف ليرة.

أما عزيز محمد (52 عامًا)، وهو معلم، فيقضي ساعات الصباح في تدريس الطلاب في رأس العين، وبعد انتهاء الدوام يتوجه إلى السوق للعمل على بسطة خضراوات، لأن راتبه الشهري البالغ 1.5 مليون ليرة سورية لا يكفي لتلبية احتياجات أسرته. يوضح أن دخله من التعليم لا يغطي أكثر من 30% من احتياجات عائلته، مما اضطره للبحث عن مصدر دخل إضافي، ولم يجد أمامه سوى العمل على بسطة خضراوات. ويشير إلى أن الجمع بين الوظيفة والعمل على البسطة أصبح واقعًا يعيشه العديد من الموظفين في المنطقة، نتيجة لتدني الأجور وارتفاع الأسعار.

نحو 160 بسطة

تنتشر بسطات الخضروات في مدينتي تل أبيض ورأس العين بشكل واسع بين الأحياء والشوارع الرئيسية، حيث يعرض العديد من الأشخاص منتجاتهم من الخضراوات والفواكه على الأرصفة. يقدر عدد بسطات الخضراوات في المدينتين بحوالي 160 بسطة، ويعتمد الكثير من هؤلاء الأشخاص على بيع الخضراوات كوسيلة رئيسية لتأمين احتياجاتهم اليومية.

عزام الأحمد، وهو مورد خضراوات لمدينة تل أبيض، يقول إن اعتماد الموردين بات بشكل أساسي على أصحاب البسطات، لأنهم يشترون الخضراوات بشكل يومي وبكميات تفوق ما يشتريه المستهلك العادي. ويوضح أن حركة البيع اليومية للبسطات نشطة لدرجة أن الكثير من الموردين يفضلون التعامل معهم مباشرة، نظرًا لاستمرارية الطلب وسرعة التصريف، مما يجعلهم طرفًا أساسيًا في دورة البيع داخل سوق الخضراوات. ويضيف أن البسطات باتت تستهلك وتوزع كميات أكبر من الخضراوات مقارنة ببعض المحال التجارية داخل سوق الخضراوات بتل أبيض، مما يدل على التحول الواضح في نمط البيع بالتجزئة داخل المدينة. ويرى أن التوسع المستمر في عدد البسطات وازدياد الإقبال عليها من قبل الأهالي جعلها عنصرًا رئيسيًا في حركة السوق.

أصحاب محال الخضراوات يشتكون

في المقابل، يشتكي أصحاب محال الخضروات من أن العاملين على البسطات يعتدون على مهنتهم ويعملون بعشوائية ودون تنظيم، ويعتبرونهم سببًا رئيسيًا في تراجع الإقبال على محالهم، نظرًا لبيعهم الخضراوات بأسعار أقل من الأسعار المطروحة في المحلات.

كريم فيصل، صاحب محل خضروات في رأس العين، يقول إن محال الخضروات لم يعد لها عمل، حيث انخفضت مبيعاتهم بنسبة 60% مقارنة بالفترة السابقة. ويوضح أن العاملين على البسطات يتعدون على مهنتهم التي عملوا فيها لعشرات السنين، مما أدى إلى تراجع حركة البيع في محالهم ودخولها في حالة من الركود. ويضيف أن أصحاب المحال التجارية يتحملون تكاليف مثل إيجار المحل، والكهرباء، والبرادات، وأجور العمال، مما يضطرهم لبيع الخضروات بأسعار أعلى قليلًا من البسطات التي لا تتحمل مصاريف إضافية، مما تسبب في تراجع كبير في مبيعاتهم. ويشير إلى أن هذه الظاهرة تتطلب التنظيم في رأس العين، لتجنب المزيد من التأثيرات السلبية على محال الخضروات، وتحقيق توازن يضمن استمرارية العمل بشكل عادل للجميع.

من جهته، قال المتحدث باسم المجلس المحلي في رأس العين، زياد ملكي، إن المجلس عقد عدة اجتماعات مع أصحاب محال الخضروات للاستماع إلى شكواهم بخصوص تأثير انتشار البسطات على مبيعاتهم. وأوضح ملكي أن أصحاب المحال عبّروا عن استيائهم من المنافسة غير المتكافئة، نتيجة غياب التكاليف التشغيلية لدى أصحاب البسطات، مما ينعكس على فروقات الأسعار. وأضاف أن المجلس المحلي لم يكتفِ بالاستماع لطرف واحد، بل عقد لقاءات مع عدد من أصحاب البسطات لفهم واقعهم وظروفهم المعيشية الصعبة التي دفعتهم للعمل في هذا المجال. وأشار إلى أن المجلس يسعى لتنظيم عمل السوق بشكل يوازن بين مصلحة أصحاب المحال والبسطات، دون الإضرار بأي طرف، بما يضمن استقرار السوق وحقوق العاملين فيه.

تعد الزراعة إلى جانب تربية المواشي من المهن الأساسية التي يعمل بها أغلبية سكان منطقتي رأس العين وتل أبيض، وتشكل مصدرًا رئيسًا للدخل للسكان.

مشاركة المقال: