الأربعاء, 30 أبريل 2025 01:30 PM

في ذكرى الجلاء: نظرة على خطاب الشيخ صالح العلي في أول عيد استقلال لسوريا

عبد اللطيف شعبان:

بمناسبة الذكرى المجيدة لعيد الجلاء، كان يُقام كل عام مهرجان احتفالي كبير لمدة ثلاثة أيام في ساحة ضريح المجاهد الشيخ صالح العلي، قائد الثورة الساحلية ضد الاستعمار الفرنسي، بحضور رسمي وشعبي كبيرين ومشاركة أدباء من مختلف المحافظات السورية، وأحيانًا من بعض الدول العربية.

في الذكرى الـ 79 للاستقلال، نستذكر وننشر هذا الخطاب الوطني الجامع للشيخ الثائر المجاهد، وندعو القارئ الكريم للتأمل في ما يتضمنه من روح وطنية وإيمانية صادقة ومخلصة تستحق الاقتداء بها.

خطاب المجاهد الشيخ صالح العلي في أول عيد للاستقلال:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم يا إخواني الأحرار المجاهدين. السلام عليك يا مهد العروبة يا دمشق، السلام على كل عربي صادق مخلص.

أيها السادة: إن ضجة هذا العيد السعيد وروعة هذا الاحتفال المهيب وعظمة هذا النصر المبين، لتغرقني في ضجيج من الذكريات، أتمثل فيها سني الثلاث والنصف في نضالها الدائم ومعاركها المستمرة، وهي معارك لم يتعرف قطر ثائر على أشد منها فتكًا ولا أروع هولًا ولا أطول مدة ولا أكثر ضحايا. وإنني لأتمثل الآن إخواني الأبطال الذين سقطوا صرعى في ميادين الشرف والجهاد، أولئك البواسل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فما تراخت لهم عزيمة وما فترت لهم همة وما ضعفت في نفوسهم حدة القتال، ولا خمدت فيها جذوة النضال "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر". فأما الذين قضوا ففي سبيل الله والوطن، وأما الذين ينتظرون فهم يعتقدون أن إنكار الذات والبعد عن التبجح والنفرة عن المظاهر، إن هي إلا نوع من الجهاد بل ومن أقدس واجبات الجهاد، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

أيها السادة: إن الاستقلال الذي نتمتع به الآن طليقًا من كل قيد، نقيًا من كل شائبة، إن هو إلا ثمرة جهاد طويل ارتقت فيه دماء ذكية واستشهد فيه كثيرون، "وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم". وإن هذا اليوم الضاحك الطروب الذي تنفست فيه أنجاد سورية ووهادها الصعداء، لهو الحلم الهانئ الذي أغمض عليه الشهداء أعينهم تحت أزيز الرصاص ودوي المدافع، وهو اليوم الذي سفكت من أجله دماء الأبطال في جبال العلويين والدروز والزاوية وفي كل بقعة من بقاع هذا الوطن العزيز، إنه يوم الفصل الذي كنتم توعدون، فتحية العروبة والجهاد نهديها إلى أرواح أولئك المجاهدين الذين ما انفكوا يضربون بسيف عقيدتهم الراسخة، ويطعنون بسنان إيمانهم الصادق أكباد السياسة الخائنة التي عاثت فسادًا بحظائر هذا الوطن، حتى أذهب الله عنه رجس الاستعمار وطهره تطهيرًا، الحمد لله الذي صدقنا وعده، "وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"، ولكن المجاهدين السوريين لا يعتبرون أن واجبهم قد انتهى ما لم تجل الجيوش الأجنبية عن كل الأقطار العربية.

أيها السادة: أحب ألا تقعد بكم سلامة الفوز عن القيام بواجباتكم المفروضة على كل منكم تجاه أمته وبلاده، وهي واجبات جسيمة تتطلب منكم السهر والحذر والعمل بلا إبطاء والجد بلا تهاون، فالبلاد الآن بأمس الحاجة إلى جهود أبنائها العاملين ورجالها المخلصين، لإصلاح ما أفسده المستعمر وللقضاء على كل طائفية بغيضة ورجعية مقيتة، فنحن لا نزال في صميم الجهاد ولقد انتهينا من جهاد أصغر إلى جهاد أكبر، ونحن أحوج ما نكون إلى التكاتف والتضامن وإلى الإخاء والتعاون، وأن أي انحلال في الصفوف من شأنه أن يؤثر على سفينة الإصلاح، وقد قال الله تعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". وإن إيثار الصالح العام على الصالح الخاص هو فرض واجب على كل وطني مخلص، وإن الأمور لا تستقيم ولا تستقر إلا إذا عرف كل واحد من الأمة واجبه فقام به خير قيام، "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم" وإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

حيوا معي هذا العلم المفدى واهتفوا باسم سورية الحبيبة، وباسم فخامة السيد شكري القوتلي قائد نهضتها الجبارة المظفرة.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

ملاحظة: يوم إلقاء هذا الخطاب كان السيد شكري القوتلي هو رئيس الجمهورية العربية السورية، ومن الجدير بالذكر أن العلم السوري يومئذ كان هو علم سورية الآن. والشيخ المجاهد ثائر وشاعر، وله عشرات القصائد الوطنية الجامعة التي يصف بها حبه لوطنه، ويعزز روح الوحدة الوطنية بين أبنائه مترفعًا عن الطائفية والمذهبية، ويرفض بها أي مزايا يمكن أن يحصل عليها نتيجة جهاده، فكلنا أبناء هذا الوطن الواحد، وجاء في أحد قصائده هذه الأبيات:

بني الغرب لا أبغي من الحرب ثروةً

ولا أترجى نيل جاه ومنصب

ولكنني أسعى لعزة موطن

أبيّ إلى كل النفوس محبب

كفاكم خداعًا وافتراءً وخسة

وكيدًا وعدوانًا لأبناء يعرب

تودون باسم الدين تفريق أمة

تسامى بنوها فوق دين ومذهب

نعيش بدين الحب قولًا ونية

وندفع عن أوطاننا كل أجنبي

وما شرع عيسى غير شرع محمد

وما الوطن الغالي سوى الأم والأب

الكاتب: عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية وعضو مشارك في اتحاد الصحفيين السوريين ((موقع أخبار سوريا الوطن-١)

مشاركة المقال: