الأربعاء, 30 أبريل 2025 11:32 AM

فتح باب الاستيراد يقلب سوق السيارات في سوريا: مكاسب للمستهلكين وخسائر للتجار الصغار

فتح باب الاستيراد يقلب سوق السيارات في سوريا: مكاسب للمستهلكين وخسائر للتجار الصغار

عنب بلدي – جنى العيسى

أحدثت حركة استيراد السيارات إلى سوريا انتعاشًا في سوق السيارات المحلية من حيث توفر المعروض ودخول أنواع لم تكن متاحة خلال فترة النظام السابق الذي أوقف الاستيراد بهدف الحفاظ على القطع الأجنبي. إلا أن هذا القرار، الذي اتخذته الإدارة السورية الجديدة قبل أشهر، أثر سلبًا على بعض صغار تجار السيارات الذين لا تسمح لهم إمكانياتهم باستيراد سيارات أوروبية، مما أدى إلى خسارتهم لقيمة معروضاتهم التي انخفضت أسعارها إلى أقل من النصف، وتوقف حركة شراء السيارات القديمة بعد دخول موديلات أحدث.

في نهاية كانون الثاني الماضي، سمحت وزارة النقل السورية باستيراد السيارات وفق شروط، أهمها ألا يكون قد مضى على تصنيع السيارة أكثر من 15 عامًا. وأوضح معاون وزير النقل، محمد الرحال، أن القرار جاء استجابة لحاجة السوق المحلية لأنواع جديدة من السيارات تلائم مختلف القطاعات وتساهم في تطوير الاقتصاد العام للمنشآت الخاصة والعامة. كما ساهمت سياسة تخفيض الضرائب على هذا النوع من التجارة في انخفاض أسعار السيارات بشكل عام، بالتزامن مع ازدياد الطلب عليها، مع توفر سيارات يزيد عمرها على 15 عامًا في السوق المحلية تناسب مختلف فئات المجتمع.

"أوروبية" عبر الشمال والأردن

أدى فتح باب الاستيراد إلى انخفاض أسعار السيارات المستوردة حديثًا والموجودة سابقًا، مما نشط حركة سوق السيارات، وفقًا لمحمود ناصر، صاحب معرض لبيع السيارات في ريف دمشق. وأشار إلى أن معظم السيارات المستوردة حديثًا هي سيارات أوروبية مستعملة تأتي عبر الأردن أو الشمال السوري، وجزء أقل منها يأتي من الإمارات العربية المتحدة عبر المعابر البرية. وأضاف أن معظم الزبائن يفضلون حاليًا شراء السيارات التي تعمل بالمازوت نظرًا لانخفاض تكلفة تشغيلها مقارنة بالبنزين.

تختلف أسعار السيارات المستوردة بحسب سنة الصنع وقوة المحرك والمواصفات الإضافية، ولكنها تتراوح عمومًا بين خمسة آلاف و 15 ألف دولار أمريكي، بحسب جولة أجرتها عنب بلدي على عدة معارض.

تجار متضررون

محمد القاسم (33 عامًا)، صاحب متجر صغير لبيع السيارات في دمشق، تكبد خسائر تقدر بمئات الملايين من الليرة السورية نتيجة فتح باب استيراد السيارات وانخفاض أسعار السيارات المعروضة لديه إلى أقل من النصف. وأوضح أن متجره يحتوي الآن على سيارات معروضة منذ ما قبل سقوط النظام، ويضطر إلى بيعها بأسعار منخفضة جدًا تماشيًا مع الأسعار الرائجة في السوق. ولم يتمكن محمد القاسم حتى الآن من استيراد أي نوع من السيارات بسبب التكاليف المرتفعة.

معرض لبيع السيارات المستعملة المستوردة حديثًا في مدينة الكسوة بريف دمشق- 10 من نيسان 2024 (عنب بلدي/ جنى العيسى)

خسائر بآلاف الدولارات

بعد أن كان سعر سيارته النظامية نوع "سكودا أكتافيا" (2008) يعادل نحو 30 ألف دولار قبل سقوط النظام، انخفض سعرها بنحو 50%، مما دفع خالد النايف (55 عامًا)، تاجر سيارات من القامشلي، إلى محاولة تعويض جزء من خسارته. وأشار إلى أن أصحاب مكاتب السيارات الذين يتاجرون فقط بالسيارات السورية (المسجلة والمجمركة لدى النظام سابقًا) وليس سيارات الإدخال (السيارات الأوروبية التي تدخل المنطقة من المعابر التي تسيطر عليها "قسد" أو من الشمال السوري) تكبدوا خسائر فادحة بآلاف الدولارات بعد الهبوط الحاد في أسعار السيارات السورية.

وأضاف أن السيارات التي كان يصل ثمنها إلى 30 ألف دولار انخفضت إلى نحو 15 ألف دولار، بعد توفر السيارات الحديثة بأسعار رخيصة وإمكانية جمركتها بأسعار منخفضة.

البيع بالتقسيط

يسعى التاجر خالد، مثل العديد من التجار الذين قابلتهم عنب بلدي، إلى تعويض جزء من خسارته من خلال بيع السيارات السورية بالتقسيط وبأسعار متوسطة، وهو ما لم يكن متاحًا قبل سقوط النظام. ويقول التجار إن ذلك يهدف إلى "تعويض جزء من الخسائر" التي تكبدوها.

كما يواجه أصحاب السيارات الموجودة سابقًا صعوبة في بيعها بسبب تفضيل المشترين للسيارات المستوردة حديثًا التي تأتي بأسعار أقل، مما دفع العديد من التجار إلى التوقف عن العمل أو تقليص نشاطاتهم.

وبحسب ما رصدته عنب بلدي في مناطق شمال شرقي سوريا، تشهد السوق حالة من الركود في تجارة السيارات بنوعيها، كما أن الأسعار المعروضة قد تكون غير حقيقية أو مبالغًا فيها بسبب عدم "ثبات الأسواق بعد".

رسوم إضافية شرقي سوريا

قبل سقوط النظام بنحو شهر، باع غازي محمد (40 عامًا) من بلدة القحطانية سيارته السورية نوع "كيا" (موديل 2008) بـ12 ألف دولار. واعتبر نفسه "محظوظًا" لأنه اشترى بثمنها سيارة إدخال حديثة نوع "فان H1" يعمل فيها بتوصيل الركاب على خط القامشلي- المالكية.

وأضاف أن العديد من السكان كانوا يفضلون السيارات السورية حتى وإن كانت من موديلات قديمة وغالية الثمن، لسهولة التحرك بها بين مناطق "الإدارة الذاتية" والنظام سابقًا، ولأنها تحافظ على أسعارها فيستطيع بيعها متى شاء، وكذلك البعض كان يخشى من شراء سيارات الإدخال خوفًا من "الملاحقات الأمنية ومصادرة السيارة وإتلافها في حال وقع بيد أحد الحواجز الأمنية للنظام".

وبحسب ما رصدته عنب بلدي، فإن هناك العديد من أصحاب سيارات الإدخال أيضًا باعوا سياراتهم خصوصًا من موديلات ما قبل 2008، واحتفظوا بثمنها بانتظار أن تصل سيارات أحدث وأرخص مع توسع سوق السيارات الأوروبية في سوريا.

عبد السلام حسين، صاحب مكتب سيارات من الحسكة، قال إن "الإدارة الذاتية" تسمح بدخول السيارات النظامية (المسجلة لدى النظام)، في حين أن سيارات الإدخال الأوربي القادمة من مناطق الحكومة الحالية يسمح لها بالدخول لمدة شهر فقط، وتمنح "كرت زيارة" بقيمة عشرة دولارات، ولا يسمح لهذه السيارات بالجمركة أو التسجيل في مناطق "الإدارة الذاتية" إذا كانت من موديل 2016 وقبل، فعند تجاوز مدة الشهر يتم حجز السيارة، أما سيارات الإدخال موديل بعد 2016 فيحق لسكان المنطقة شراؤها من غير محافظات وتسجيلها لدى "الإدارة الذاتية" بعد دفع رسوم وضرائب معينة.

ليست أولوية

قد يشكل انخفاض أسعار السيارات رغبة لدى المواطنين في امتلاك سيارة، إلا أن الوقت ليس مناسبًا الآن لاستيراد السيارات لأنه ليس أولوية اليوم في سوريا، بحسب ما يرى الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر.

وقال الباحث إن القرار ليس خاطئًا إلا أن توقيته غير مناسب، إذ من الأجدى اليوم تحفيز الإنتاج وتوجيه كل رؤوس الأموال نحو العمل والاستثمار، ومن الممكن لاحقًا بعد تحسن الاقتصاد العودة إلى الاستيراد، الأمر الذي يمكن أن يحقق مصالح الجميع دون استثناء في ذلك الوقت، بحسب رأيه.

مشاركة المقال: